قُدْسِيَّةُ وجَمَالُ صَنْعَةِ المَيْرُونِ
القمص أثناسيوس چورچ.
اتخذ الآباء الرسل من طيب الحنوط المقدس ؛ وهم الصبر والمر والعود الذين أحضرهم يوسف الرامي ونيقوديموس ، ليضعوهم على جسد سيدنا ؛ خميرة أضافوا إليها الزيت وأطياب الأدهان التي لحاملات الطيب ، وبعد ذلك صلوا لتقديسها في علية بيت مارمرقس بأورشليم ، ليجعلوا منها مسحة وخاتمًا للمعمودية ؛ بحيث توزع على الأقطار للبشارة.
فأصلُ زيت الميرون المقدس هو خميرة الحنوط والأطياب التي كانت عند إنزال الرب من على الصليب ؛ وقت دفنه... وإلى الآن تتناقل هذه الخميرة المباركة ؛ وتضاف لها مكونات الميرون (الذريرة / الطيب / اللافندر/ قسط هندﻱ / السليخة / شيشعان / الورد / حصا اللبان / الصندل/ القرفة / القرنفل / العود / المر / البسباسة / الكافور / سنبل وجوزة الطيب / الميعة / الحبهان / المسك / العنبر / زيت الزيتون الفلسطيني / الزعفران / دلامي / الصبر / البلسان).
وتُجمع هذه الدُرر والأطياب لتوزن وتُخلط ثم تُطبخ ؛ بوصف قدسي روحاني يصنعه (العطار الحاذق والماهر) الذﻱ هو الروح القدس عطر العطارة الذﻱ صنعه العطار (خر ٣٠ : ٢٥) والذﻱ يمزجها ويخلطها بيد بطاركة وأساقفة الكنيسة الملهمين كأمهر العطارين (أما الأقداس فطبخوها في القدور والمراجل( )٢ أﻱ ٣٥ : ١٣) ، وسط مراسيم صلوات وقراءات طقسية ثابتة في كتب البيعة ومخطوطاتها لتكريس الميرون المقدس (ميسطاجوجيا أو ميسطا غوغيا) ، والتي تشمل أمانة مدخل تعليم الأسرار وتلقينها...
ويعتبر طقس تقديس الميرون وطبخه ؛ مناسبة ليتورچية احتفالية مفرحة تتخللها التكاريز والمواكب الطقسية التي لحرز حياة القطيع المختار ، والتي تصير قدسًا للقديسين ؛ مملوءة أطيابًا وأصنافًا عطرة حسب صناعة العطار ذات الرائحة اللذيذة الزكية والمُسِرَّة ؛ كالناردين الخالص كثير الثمن... وهذا الكنز الطقسي اختزنته الكنيسة العريقة المرتشدة بالروح ؛ واعتبرته ذخيرة حياتها ومسحة قيامتها ، فصنعت منه دهن ميرونها ، وأوقفته على مسح المعمدين الذين دُفنوا مع الرب لشركة موته ، فتمسحهم بهذا الميرون عينه ، كمسحة شركة قيامة الرب ، كذلك تستخدمه فقط للتدشين والتكريس . هذا ما تناقلته على مر الأجيال من جيل وإلى جيل ، لنكون به قرابين طيبة وذبائح سرور وصعائد بركة ، لذاك الذﻱ هو منبع الطيب ، والذﻱ يجعل البحر كقدر عطارة (أﻱ ٤١ : ٣١) .
زيت الميرون ؛ ذلك السر المبارك الذﻱ للمسحة والختم المقدس ، بالأطياب الأوخسارسدية المعطاة لنا كمسحة سيدية سماوية ؛ نصير بها مشتركين في ملكوت المسيح وممسوحين كقديسين فيه ... ومن قبل هذا الختم المحيي والسمة الربانية تصير نفوسنا ثابتة فيه لا تنحل ولا تمحىَ ولا تزول ؛ بل تتقدس بختم الضمانة الملوكية والعلامة الموسومة التي تعلمنا كل شيء وتصيِّرنا مسكنًا للروح القدس ، وبها نقدر أن ندعو الآب السماوﻱ ونناديه بدالة البنين (أيها الآب أبانا) ضمن أبنائه وخاصته وورثة ميراث ملكوته ؛ والذﻱ صار لنا بختم الحفظ الخلاصي وعلامة ملكينا ومخلصنا الروحي الأعظم .
هذا هو معنى السر الذﻱ به نُختم ونتطيب ونُمسح مسحة محيية لا تنحل.. لا تفارقنا ؛ بل تدوم وتضرم بفيض التعزيات والبركات التي لمواهب الروح القدس ، والتي بواسطه هذا الدهن الذﻱ لعربون شركة الحياة الأبدية ؛ ومعرفة الله الحقيقي وحده ، ويسوع المسيح ابنه الذﻱ ليس بأحد غيره الخلاص... فيا له من سر مقدس وموهبة عطية نعمة مجانية ؛ بها نتأهل للبنوة وللشركة ولإدراك العطايا الفائقة الوصف ، تلك التي تملأنا مسرة وتعزية وفرحًا ونعيمًا وسلامًا لا يُنطق به ، بفتح أعين قلوبنا وأذهاننا ؛ لنعاين المدخرات التي منحها المسيح إلهنا للذين أحبوه واختاروه نصيبًا أبديًا ، فنتكمل ونتثبت بالمسيح وبجسده (زيت تكميل) (زيت تثبيت) ، ليتصور فينا المسيح ونتشكل على صورته ، غير مفترقين عن القطيع السيدﻱ (كنيسته / جسده) بأفعال غريبة ، حاملين سمات الرب يسوع فينا ؛ معروفين عنده متسمين ببركات السمائيين .
إن قوة السر فاعلة في كل شيء ؛ بنعمة الثالوث القدوس التي تجعله صانعًا للحياة وواهبًا لمواهب الروح القدس ؛ مالئ الكل كنز الصالحات ومعطي الحياة ، وبه نكون مُمَيْرَنِيين بطيب المسحة وممتثلين بالمسيح ؛ مكرسين له ومدشنين بختمه ، عاملين ما يرضيه كل حين أمامه ، متقدمين في الأعمال والعبادة الحسنة ، محصنين من القتالات الشيطانية ، سائرين في مسيرة الطريق الملوكي مع جيش الخلاص في المعسكر الروحي لميراث لا يبلىَ ولا يتدنس ولا يضمحل ، محفوظ في السموات لأجلنا ، سالكين بأعضاء آلالات بر لله ، حوت فيها سرًّا لا يعبر عنه بكمال نعمة الروح القدس ، ولباس عدم الفساد ، وسربال البر المنير ، وحُلة الخلود الملوكية ، وثياب العرس التي لعشاء عُرس الحمل السعيد.
فلتبتهج الكنيسة بتقديس هذه المسحة التي للعهد الجديد ، والتي بها نصير ملوكًا وكهنة ؛ مقدسين للقدوس ؛ وشركاء لمجد الملكوت ، وتتكون بنا جماعة البيعة الطاهرة المستقيمة النظام في عبادة عقلية مرضية على مدى الأيام ، وليجعل الله أيام حبرية بطريركنا المحبوب البابا تواضروس الثاني أيامًا عطرية ممسوحه بالأعمال المجيدة.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :