الإخوان والدولة.. القصة المنسية
بقلم: عماد سيد أحمد
في شاع ضريح "سعد زغلول" المتفرع من شارع "قصر العيني" بوسط القاهرة أبراج سكنية مملوكة لجهة سيادية عليها لافتة كبيرة تحمل اسم الشركة المنفذة للمشروع وصاحبها القطب الإخواني والقيادي البارز في الجماعة "المحظورة قانونًا" عبد الرحمن سعود.
إنها لافتة من مئات اللافتات التي يمكن أن تقود أي باحث للوقوف على طبيعة العلاقة بين السلطة والإخوان في مصر، وتساعد أيضًا هذه اللافتات على قراءة المشهد القديم الجديد والأهداف الحقيقية التي تقف وراء هجوم قيادات من الحكومة والحزب الحاكم على جماعة الإخوان في مواسم ومناسبات باتت معروفة.
-1-
تعرض المواطن المصري لخطابين متناقضين من قبل السلطة تجاه الإخوان، وذلك منذ وصل الرئيس مبارك للحكم عام 1981. الخطاب الأول تضخيمي تحذيري فيه استنفار ومواجهة مثل الذي نراه هذه الأيام ولا يمككنا تفسيره أو فهمه. وقد بلغ ذروته أثناء انعقاد جلسات المؤتمر العام الأخير للحزب الوطني "الحاكم". والخطاب الثاني عكس الأول تمامًا فهو تقزيمي هادئ يقلل من أهمية الجماعة ومن وزنها السياسي على طول الخط، يحمل فى طياته تجنبًا للصدام.
فكيف يمكن فهم هذا التناقض؟ وأي سياسة تتبعها الدولة تجاه الإخوان؟ وهل هذه السياسة ثابتة أم متغيرة؟ وما الدوافع التي تدفع بظهور هذا الخطاب أو ذاك على السطح من آن لآخر؟
في الواقع ليست هناك سياسة متناقضة أو مزدوجة لنظام مبارك تجاه الإخوان. هناك سياسة واحدة ثابتة لم تتغير. لكن شكلها يتغير وخطابها يتبدل من حين لآخر، بينما الجوهر ثابت لم يطرأ عليه أي تغيير منذ العام 1981.
فلسفة هذه السياسة تقوم على فكرة "البديل المستحيل" ومهندسها رجل غائب الآن عن المشهد العام وترك موقعه ليستريح، وهذا الرجل مشهود له بالكفاءة المهنية كدبلوماسي وكمستشار سياسي للرئيس، وهو الدكتور أسامة الباز.
فحسب ما هو معروف لدى قطاع واسع من المهتمين بالوضع السياسي في مصر، فإن الدكتور الباز هو من صاغ هذه النظرية ووضع أسس تلك السياسة التي لا زالت قائمة رغم تقاعد صاحبها. ومن يومها والنظام يسير عليها وليس عنده بديل أفضل منها حتى الآن.
وفي إطار هذه السياسة فإن النظام الحالي هو الأكثر حرصًا على بقاء الجماعة واستمرارها في الساحة، بل والأكثر من ذلك يحرص الحزب الحاكم أن تظهر الجماعة بمظهر قوة ذات أنياب.
ومن هذا المنطلق يستحيل أن يسمح النظام للجماعة بالتحول إلى الشرعية والإنطواء تحت مظلة حزب سياسي، وفي الوقت ذاته فإن النظام الحاكم لن يسمح لها بالغياب أو التراجع عن حد معين.
ولوحدث وقررت الجماعة حل نفسها ذات يوم.. فسوف يسارع النظام لينفي ويكذب ذلك ويثبت أنها موجودة لن تغيب، وهذا الأمر تحكمه سياقات عدة من بينها الوضع الداخلي والواقع الدولي الراهن.
-2-
إن النظام الحاكم لا يستطيع أن يتحمل تكلفة غياب الإخوان عن الساحة السياسية، والمعادلة التي يستند لها للسيطرة على مقاليد الحكم تضم الجماعة وترتكز على وجودها وليس بدونها ويمكن اختصار هذه المعادلة في التالي: (النظام الحاكم + الطوارئ + الإخوان = أحزاب ضعيفة) ومثلما تستند معادلة الحكم في سوريا على وجود الاحتلال الإسرائيلي في الجولان، فالأنظمة العربية الراهنة تفتعل العلات أو تحافظ عليها حتى تتمكن من الاستمرار لأن أي وضع طبيعي في بلد عربي سوف يفرز نظاما طبيعيًا يخدم البلاد ويساهم في رفعة المواطن العربي ولن يحتاج أي حزب حاكم لوضع شعار على بابه يقول "من أجلك أنت"، في محاولة منه لأقناع المواطن بسياساته.
ومثلما يقف النظام الحاكم في مصر حائلاً بين أي تحالف بين المعارضة الشرعية والمعارضة المحظورة قانونًا، فإن الجماعة هي الأخرى لا تستطيع أن تندمج أو تتحالف مع الأحزاب لأنها تنفر من أي تحالف وترى في النظام الحالي، رغم الملاحقات والاعتقالات لبعض كوادرها، أقرب في توجهاته لها من الآخرين: كيف ذلك؟
-3-
يمكن تقسيم العلاقة بين الإخوان والسلطة إلى مرحلتين أساسيتين، الأولى في العهد الملكي، وكانت لها ملامح محددة. والثانية بعد 23 يوليو 1952، عندما استولى عبدالناصر ورفاقه على السلطة. ولا شك أن
هناك فروق عديدة بين المرحلتين لسنا في معرض ذكرها وأيضًا هناك ملاحظات هامة، أبرز هذه الملاحظات أن المرحلة الأولى شهدت عنف بمنسوب أقل فى تعامل الدولة مع الإخوان أما المرحلة الثانية شهدت عنف بمنسوب أعلى بكثير، فإذا كان القصر الملكي قد دبر اغتيال حسن البنا فى الظلام فإن عبد الناصر قام بإعدام 6 من كبار قيادات الجماعة في 1954 وعلقهم على المشانق فضلاً عن التعذيب البشع وغير المسبوق الذي لاقاه الإخوان فى السجون الناصرية.
ومع ذلك استطاع الإخوان التغلغل داخل نظام ثورة يوليو والصعود لمناطق نفوذ قوي في ظل العهد الناصري عجزوا عن الوصول إليها في العهد الملكي. لأن من كان من الإخوان يبعث برسالة تأييد لعبد الناصر فى الصباح يجعله وزيرًا في المساء.
ففى أعقاب الضربات العنيفة التي وجهها عبد الناصر للإخوان انقسمت الجماعة على ذاتها ومنهم من تحمل العذاب في المعتقلات الناصرية ومنهم من آسر السلامة وساير نظام عبد الناصر بل واندمج فيه، وتولى البعض من الإخوان مناصب رفيعة كوزراء ومسؤولين في الحكومة ونواب في البرلمان وأعضاء في الإتحاد الاشتراكي، أمثال الشيخ أحمد الباقورى والدكتور عبد العزيز كامل والشيخ صلاح ابو اسماعيل والبهي الخولي وغيرهم.
وهؤلاء من الذين التحقوا بالنظام الناصري واحتلوا مواقع متميزة في بنيته قدموا مساعدات جليلة لرفاقهم من أبناء الجماعة، ومثلاً عندما كان الشيخ الباقوري وزيرا للأوقاف قام بتعيين عشرات من الإخوان كخطباء وأئمة رغم اعتراض الأمن على تعيينهم وكان من بين هؤلاء الدكتور يوسف القرضاوي وأحمد العسال.
وحدثت النقلة الكبرى في مسألة اندماج الإخوان في صلب الحكومة في أعقاب المصالحة التي وقعها السادات –خليفة عبد الناصر– مع الإخوان المسلمين. ففتح الباب واسعًا أمام صعودهم السياسي في الدولة والحكومة.
واستمر هذا الصعود حتى الآن وإن كان بحذر بعد مجيء مبارك للحكم، وهناك رموز كبيرة من قيادات الحزب الحاكم حاليًا تنحدر من أسر إخوانية أو أنهم أنفسهم أعضاء فى الجماعة أو من المتعاطفين معها، وقد ساعد على ذلك سياسة "البديل المستحيل" التي سمحت بأكبر عملية تغلغل إخوانية في النظام الحاكم.
ولم تعد هناك أية فرصة لدى هذا النظام الآن لمواجهة الجماعة وأفكارها بشكل حقيقي، لأن القضاء على الإخوان معناه القضاء على النظام الحاكم ذاته أولاً، وكافة الضربات التي تقوم بها الحكومة ضدهم هي ضربات استباقية محسوبة حفاظًا على الوضع القائم لا أكثر ولا أقل.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :