سليمان شفيق
البداية من المنيا:
30 % من معالم الرحلة في عروس الصعيد.. وثالث أكبر المحافظات في عدد المواقع الأثرية

زارت العائلة المقدسة مصر منذ أكثر من ألفى عام، ومنذ الميلاد، وحتى الرئيس عبدالفتاح السيسي، حكم مصر «١٠٠» حاكم، ولم يتم تناول هذه الرحلة إلا منذ زيارة القديسة هيلانة أم الإمبراطور قسطنطين في القرن الرابع الميلادى للمواقع المقدسة، وبعد نحو «١٦» قرنًا يؤخذ الأمر بجدية حاليًا.

استغرقت الرحلة حسب الكنيسة القبطية الأرثوذكسية «٣ سنوات و٦ شهور و١٠ أيام» من بيت لحم إلى غزة حتى محمية الزرانيق غرب العريش ومنها إلى الفرما القريبة، ثم إلى تل بسطا بالشرقية، وبعدها إلى مسطرد ومنها شمالًا إلى بلبيس بالشرقية، ومنها إلى سمنود بالغربية وسخا بكفر الشيخ، وعبرت النيل إلى غرب الدلتا وتحركت إلى وادى النطرون، ومنها اتجهت إلى المطرية وعين شمس، ثم سارت نحو مصر القديمة مرورًا بالزيتون، ولم تمضِ بمصر القديمة إلا أيام قلائل، واتجهت نحو الجنوب مرورًا بالمعادى ومن المعادى استقلت مركبًا شراعيًا إلى قرية دير الجرنوس بمغاغة، ومرت على قرية صندفا قرب البهنسا ببنى مزار، ثم جنوبا إلى سمالوط بجبل الطيرما يسمى الآن قرية دير العذراء، واتجهت إلى جوار جبل قسقام ما يسمى الآن دير المحرق، وكانت الفترة الأكبر قد قضتها العائلة المقدسة في الجنوب ما بين جبل الطير بالمنيا والقوصية بأسيوط.

لكن كما كتب الزميل أسامة سلامة بروزاليوسف ٢٠ أكتوبر ٢٠١٧ بعنوان « حتى لا نتوه في رحلة العائلة المقدسة «: «الأماكن التى مرت بها العائلة تعانى من إهمال جسيم، وتحتاج إلى إصلاح عاجل، كما أن كل المحافظات التى توجد بها المزارات تعانى من قلة الفنادق الملائمة لأذواق السائحين المختلفين وقدراتهم المالية، كما أننا نحتاج إلى طرق ممهدة".

هذا الضجيج بلا طحن، لفت نظر النائب مجدى ملك، فتقدم بطلب إحاطة في مايو ٢٠١٨، بشأن عدم اتخاذ خطوات جادة وعاجلة نحو تطوير الأماكن والمعالم الأثرية لرحلة العائلة المقدسة ببعض المحافظات خاصة المنيا وأسيوط، وما يترتب على ذلك من آثار سلبية لعدم استغلال الدفعة القوية، والجهود التى بذلت لتفعيل الحج إلى هذه المناطق. وبناءً على هذا الطلب استدعت لجنة الثقافة والإعلام بمجلس النواب ممثلين لوزرات الثقافة والآثار والسياحة والتنمية المحلية والمالية، للوقوف على الخطوات التى اتخذتها الحكومة بشأن مسار رحلة العائلة المقدسة ببعض المحافظات، فضلًا عن رؤية الوزراء تجاه دعم قطاع السياحة والاقتصاد المصرى. وقال النائب أسامة هيكل، رئيس اللجنة حينذاك، في اجتماعها: «إن اللجنة لا تشعر بجدية الحكومة تجاه تسويق مسار العائلة المقدسة بالشكل المطلوب، ومن ثم توصى بتشكيل لجنة وزارية يرأسها رئيس الحكومة لوضع خطة زمنية في هذا الصدد. في حين اختلف مع ذلك الخبير السياحى إلهامى الزيات، وقال في تصريحات صحفية، مايو ٢٠١٨: «إن رحلات الحج إلى مسار العائلة المقدسة «فقط» لن يكون لها أى مردود اقتصادى على الدولة حاليًا، وأن صرف أية مبالغ مالية على تجهيز كامل نقاط المسار سياحيًا يعتبر نوعًا من «إهدار المال العام»، حسب تعبيره، خصوصًا أن برنامج رحلة مسار العائلة المقدسة داخل مصر لن يزوره أكثر من «١٠٠» سائح سنويًا.. وأوضح «الزيات» أن «السياح الدينيين أو الروحانيين باتت أعدادهم قليلة للغاية مقارنة بالسياح الذين يأتون من أجل السياحة الشاطئية أو الثقافية والأثرية.

ووفق تقديرات خبراء تحتاج تلك الإصلاحات إلى عشرات المليارات، لذلك تقدمت من قبل باقتراح، أن تقوم مصر بعقد مؤتمر دولى لدعم إصلاح مسار العائلة المقدسة بالاشتراك مع الفاتيكان واليونسكو، وندعو إليه الدول التى تهتم سياحيًا بالمسار، وأعتقد أن مصر سبق لها الاستعانة بالمجتمع الدولى في إنقاذ معبد فيلا أثناء بناء السد العالى ١٩٦٠، وأعتقد أن رؤية الخبير السياحى إلهامى الزيات تكاد تعكس منطلقا للإدراك، الأمر الذى عبر عنه الزميل أسامة سلامة في مقاله نحتاج إلى: «مرشدين سياحيين وتدريبهم على كيفية التعامل مع السائح الدينى والذى يختلف عن سائح المزارات الفرعونية، وتعريف المواطنين بأهمية هذه السياحة لهم وللدولة وتثقيفهم وتعليمهم الحقبة القبطية، نحتاج لعمل سريع». ومن ثم لا بد من إنشاء هيئة لتلك المهمة، وهناك ضرورة ليس لمكاتبنا السياحية التقليدية بل لقيام وزارة السياحة ووزارة الخارجية بعقد اتفاقات تعاون مع الدول الكبرى التى تهتم بتلك الرحلات، مثل إسبانيا وفرنسا والبرازيل والولايات المتحدة.

تحتل المنيا موقعا متميزا في رحلة العائلة المقدسة، يجسد موقعها نحو ٣٠٪ من معالم الرحلة، وكثيرون يتحدثون عن رحلة العائلة المقدسة بحماس، ولكنهم ينسون أن المنيا ليست على خريطة السياحة العالمية منذ تسعينيات القرن الماضى، والمنيا على سبيل المثال، رغم أنها تأتى كثالث أكبر محافظات الجمهورية من حيث عدد المواقع الأثرية الموجودة بها بعد القاهرة الكبرى والأقصر التى تنتمى لكل العصور: الفرعونية، الرومانية، المسيحية، الإسلامية.. مثل بنىحسن وبها ٣٩ مقبرة منحوتة بالصخر لأشراف وحكام «حبنو» بعصر الدولة الفرعونية الوسطى، أهمها مقبرة أمنمحات، ومقبرة حنوم حتب، ومقبرة باكت، ومقبرة خيتى التى رسمت على جدارها مناظر أول دورة رياضية في مصر، ومنطقة تونة الجبل التى بها آثار مقبرة بيتوزيريس كبير الكهنة من العصر اليونانى الرومانى مومياء إيزادوررا شهيدة الحب الطاهر، وسراديب الإله تحوت، ثم منطقة أسطبل عنتر وبها معبد منحوت في الصخر للإلهة باخت، بناه كل من حتشبسوت وتحتمس الثالث، من أجل عبادة الإلهة باخت «القطة»، ومنطقة تل العمارنة التى اختارها أخناتون وزوجته نفرتيتى لإقامة عاصمة مملكته، من أجل عبادة الإله الواحد آتون.

آثار يونانيّة مقبرة إيزادورا: وتعود لفترة الإمبراطور هادريان، وقد أنُشئت هذه المقبرة من أبٍ يونانى لابنته التى لاقت حتفهًا غرقًا، وتوجد فيها كتابات تُرثى الفتاة الصغيرة، مومياء إيزادورا: هى واقعة في تونة الجبل، وتضمّ رأسًا من المومياء لإيزادورا، معابد هيرموبوليس: وهى تابعة للمحافظة، وتضمّ العديد من الجبانات، وجميعها تحوى نقوشًا ومنحوتات يونانيّة، إضافةً للرموز الجنائزيّة

آثار مسيحيّة دير السيّدة العذراء: ويقع في الجهة الشماليّة الشرقيّة من المنيا على بعد خمسةٍ وعشرين كيلومترًا، وهو المكان الذى أقامت فيه العائلة المقدّسة أثناء مرورها في مصر، وجدت في هذا الدير كنيسة محفورة في الصخر، وهى التى أقامتها في القرن الربع للميلاد الإمبراطورة هيلانة، ووضعت فيها العديد من الأيقونات التى في معظمها تعود للعصر الأوّل للمسيحيّة، دير البرشا: وفيه كنيسة تعود للأنبا بيشوى، وتمّ بناؤها في القرن الرّابع للميلاد، دير أبوفانا: وفيه كنيسة يعود تاريخ بنائها إلى القرن السّادس للميلاد.

آثار إسلاميّة مسجد العمراوى: موجود في مدينة المنيا، ويعود تاريخ بناء هذا المسجد إلى فترة الحكم الفاطميّة، مسجد اللمطى: ويعود تاريخ بنائه إلى فترة الحكم الفاطميّة، مسجد الوداع: ويُعدّ من أقدم المساجد الموجودة في المدينة، وقد جُدّد في العصر المملوكى، وأعيد تجديده في العهد العثمانى، مسجد الشيخ عبادة بن صامت: يعود إلى فترة العصر الأيوبى وأيضًا العثمانى، وفيه مئذنتان تعودان إلى هذين العصرين، ملوى: أو كما يُعرف بمسجد اليوسفى، ويعود إلى العصر الفاطمى.

وبالرغم من تنوع الثروات الطبيعية والجغرافية والتاريخية، تحتل المنيا ذيل قائمة محافظات الجمهورية من حيث نسب التنمية البشرية.

على سبيل المثال لا يوجد في المنيا سوى فندق خمسة نجوم وأربعة تتراوح بين ثلاثة نجوم ونجمتين، بل وسمالوط التى يوجد بها دير السيدة العذراء لا يوجد بها فندق واحد، ونفس الأمر بكل من ملوى وأبوقرقاص، باختصار المدن التى تعد المراكز الإدارية التسعة لا يوجد بها فنادق باستثناء مدينة المنيا التى تبلع فنادقها نحو عشرة تقريبا.

لا يوجد بالمنيا سوى متحفين بالمنيا وملوى، وهى للآثار الفرعونية ولا توجد متاحف للآثار القبطية أو الإسلامية، إضافة إلى ذلك لا يوجد بالمنيا سوى دار سينما واحدة في نادى القوات المسلحة ولا يوجد بها مسارح تعمل إلا في المحافظة حسب الطلب، وحتى قصر ثقافة المنيا لم يكتمل بناء مسرحه منذ أكثر من ثلاثين عاما. أى أن الحياة الثقافية في المنيا متعثرة منذ الإرهاب الماضى في منتصف ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضى، لذلك لا تتوافق الدعوة إلى العمل على رحلة العائلة المقدسة ومحافظة المنيا أولا ليست على خريطة السياحة العالمية، وثانيا لا توجد بها البنية الأساسية للسياحة.

كل ذلك لا بد أن يضع في الاعتبار لأن الأمر لا يجب أن يتوقف على الأماكن التى مرت بها الرحلة فقط، ومن ثم يجب إعادة النظر في رؤية كل المحافظات التى مرت بها العائلة المقدسة، سواء من البنية التحتية أو البيئة الثقافية