بقلم: بيتي منسى وهيب
عزيزي.. رأيت معي كيف بدأنا الدخول إلى مياه النهر ثم تعمقنا أكثر فبلغت مياهه إلى الركبتين، ثم خطونا فصارت مياهه إلى الحقوين.. هل هذه هي النهاية لهذا النهر الرائع والمثير؟
 
كلا.. بل هذه هي البداية، فالله لديه الجديد والمثير كل يوم، لديه الحب الذي يجعلك تغوص في معرفته، وتتوق نفسك إلى المزيد من غمر جديد، فتقول الكلمة "ثُمَّ قَاسَ أَلْفًا، وَإِذَا بِنَهْرٍ لَمْ أَسْتَطِعْ عُبُورَهُ، لأَنَّ الْمِيَاهَ طَمَتْ، مِيَاهَ سِبَاحَةٍ، نَهْرٍ لاَ يُعْبَرُ"حز 47: 5 هذه المرة تصل المياه إلى عدم استطاعة العبور، ويالروعة الإحساس بهذه السباحة.. فإنك وأنت تسبح تترك نفسك تماما للمياه، وتعطيها فرصة لتحملك.. هل اختبرت هذا؟!
هذة الآية تعني أن المياه قد ارتفعت حتى لا أستطيع أن أسير، بل لا يوجد حل آخر سوى السباحة.
 
هل تحب أن تدخل إلى هذا المستوى من النهر؟ هل تحب أن تشعر بغمر الروح القدس؟ هل تريد أن يملأك الله من روحه، فتشعر أن الروح القدس يجعلك محمولاً بين أحضان محبة الله الممتعة؟
هل شعرت قبلاً أنك تريد أن تسبح في نهر الحياة، النهر الذي يجعلك تشعر بالقوة، نهر المحبة الشافية، المحررة، الغافرة لكل الخطايا السالفة والتالية.
لما لا يكتفي الله بأن تصل المياه إلى الحقوين؟
 
لأن الله يريد أن يغمرك بنعمته وحبه، ويمنحك أمورًا ربما لم تدركها من قبل سوف نكتشفها سويًا بعد قليل.
دعنى أولاً أقول لك شيئًا.. إن كلمة (ثم قاس) تعنى في اللغة الإنجليزية (after word he measured) وهي تعنى أن القياس مستمر، والعبور إلى أعماق المياه متتابع، أي لا يوجد وقت بين قياس الألف ذراع وعبورها، ثم قياس الألف الأخرى وعبورها، وهكذا فالله يريد أن ننمو في محبته ونعمته دون توقف أو معطلات، الله يريد أن يأخذنا إلى أعماق المياه دون أن نتوقف، هو يريد أن يفعل بنا أمورًا عظيمة في وقت قليل، فهو يريد أن يشفينا سريعًا ويحررنا ويطلقنا لنعبده بحرية.. كما يريد أن يغمرنا بمياه كثيرة جدًا، وكلمة مياة في الترجمة (waters) ، ونادرًا ما تأتي هذة الكلمة في الجمع، لكنها تعني المياة الكثيرة جدًا.. يالها من محبة غامرة مثل المياة الكثيرة التي تحملنا فوق كل أحمال وأثقال.. فبامتلاء الروح القدس تجد نفسك محمولاً فوق كل أمواج عالية في حياتك، قد تواجه صعوبات أو تدخل مع العدو في حروب شرسة، لكن معونة الله بالروح القدس لا تدعك تسقط في فخ الصياد "الإِلهُ الْقَدِيمُ مَلْجَأٌ، وَالأَذْرُعُ الأَبَدِيَّةُ مِنْ تَحْتُ. فَطَرَدَ مِنْ قُدَّامِكَ الْعَدُوَّ وَقَالَ: أَهْلِكْ" تث 33: 7 ففي أوقات الحرب لا تجد سوى الله الذي يعينك "حَتَّى إِنَّنَا نَقُولُ وَاثِقِينَ: الرَّبُّ مُعِينٌ لِي فَلاَ أَخَافُ.
 
مَاذَا يَصْنَعُ بِي إِنْسَانٌ؟" عب 13: 6 ويقول لك لا تخف "هكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ صَانِعُكَ وَجَابِلُكَ مِنَ الرَّحِمِ، مُعِينُكَ: لاَ تَخَفْ يَا عَبْدِي يَعْقُوبُ، وَيَا يَشُورُونُ الَّذِي اخْتَرْتُهُ" اش 44: 2 هل تريد هذه المياه أن تغمرك وتلمس نعمة الله التي تشجعك وترفعك وتزيل عنك كل أحمالك؟ هل تشعر أنك تريد أن تمتلئ من روح الله القدوس الذي يعينك في حروبك مع العدو، يعين ضعفاتك وسقطاتك "وَكَذلِكَ الرُّوحُ أَيْضًا يُعِينُ ضَعَفَاتِنَا، لأَنَّنَا لَسْنَا نَعْلَمُ مَا نُصَلِّي لأَجْلِهِ كَمَا يَنْبَغِي.. وَلكِنَّ الرُّوحَ نَفْسَهُ يَشْفَعُ فِينَا بِأَنَّاتٍ لاَ يُنْطَقُ بِهَا" رو 8: 26 يعينك في فهم كلمة الله (الحق) الذي تواجه به إبليس في حروبك معه.. الروح الذي يخبرك بما في قلب الله لك، والذي يخبرك أيضًا بأمور مستقبلية.
 
وماذا بعد السباحة؟ هذا ما سوف نكتشفه معًا.
عندما ندخل إلى أعماق النهر ونسبح، نستطيع أن نرى ما لا نراه من قبل، وما لا نراه بعيوننا الطبيعية محدودة الرؤية، "وَعِنْدَ رُجُوعِي إِذَا عَلَى شَاطِئِ النَّهْرِ أَشْجَارٌ كَثِيرَةٌ جِدًّا مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَاكَ" حز 47 : 7
نرى أشجارًا كثيرة جدًا. فماذا تعني الأشجار الكثيرة؟ وهل كانت هذه الأشجار موجودة قبل الدخول في النهر؟ الأشجار تعني الثمر الكثير.. وهي كانت من قبل لكنها لم تر.. فالكلمة لم تقل إن أشجارا كثيرة نمت حديثا، لكنها تقول إن على جانبي النهر أشجارا كثيرة. فالرب يفتح عيوننا على أمور لم نكن نراها من قبل.
 
الدخول في علاقة مع الروح القدس
نعم.. فأحيانًا لا نستطيع أن نرى النفوس التي يعدها الله لملكوته ويريد أن يستخدمنا لربحها، قد نكون نحب الله حقًا، وقد نشتاق أن يكون للرب الأرض وملؤها كما يقول الكتاب "لِلرَّبِّ الأَرْضُ وَمِلْؤُهَا. الْمَسْكُونَةُ، وَكُلُّ السَّاكِنِينَ فِيهَا" مز 24: 1، لكننا نشعر أنه ليس دورنا أن نحدث النفوس عن الرب، وقد نشعر أننا نريد أن نتحدث عن ما فعله الرب معنا وكم صنع بنا ورحمنا، لكننا لا نعلم كيف نفعل هذا، أو ليست لدينا الجرأة كي نفعل هذا، لكن الروح القدس يستطيع أن يفعل كل ما يريد الله منّا أن نفعله، مهما كنا نشعر بالعجز وعدم الاستطاعة، فقط كل ما علينا فعله أن نترك له ذواتنا، ونجعله يتحرك فينا بحرية، ويدخل إلى أعماقنا ليشفينا من كل إحساس بالعجز، ليفتح عيوننا عما يريد الله منا أن نفعله؛ كي نشترك معه في بناء ملكوته.. هذا حق الله عليك كمؤمن مولود من الله كي تعمل أعمال الله.. فالرب يعطي لعبيده فهمًا آخر بعد الملء من الروح القدس، ويفتح عيونهم على أشياء لم يكونوا على علم بها من قبل.
 
"وَقَالَ لِي: هذِهِ الْمِيَاهُ خَارِجَةٌ إِلَى الدَّائِرَةِ الشَّرْقِيَّةِ وَتَنْزِلُ إِلَى الْعَرَبَةِ وَتَذْهَبُ إِلَى الْبَحْرِ. إِلَى الْبَحْرِ هِيَ خَارِجَةٌ فَتُشْفَى الْمِيَاهُ.." حز 47: 8
ألم تتساءل حتى الآن من أين ينبع، والي اين يذهب هذا النهر الذي يجعلنى أُشفي، وأنطلق، وأتحرر، بل وأربح نفوسًا كثيرة؟
 
أولاً: إلى أيـن يـذهـب الـنهـر؟!
دعني أخبرك أولاً إلى أين يذهب، وفي النهاية سأخبرك من أين يأتى.. هذا النهر خارج إلى الدائرة الشرقية متجهًا إلى العربة (وهي تعنى الغور أو المنطقة الجغرافية التي يقع فيها البحر الميت) ويذهب إلى البحر (والمقصود به البحر الميت)، وهو بحر شديد الملوحة؛ لذلك لا يعيش فيه أي كائنات حية (أسماك)..  فهذا النهر يسير حتي يصب في البحر الميت الذي لا يوجد بة حياة، لكن هللويا للرب الذي يحيي كل موت، عندما يصل نهر الحياة إلى هذه المياه شديدة الملوحة يشفيها من ملوحتها وتصير عذبة.
 
نعم.. هو الإله الذي أقام أجساد الكثيرين من الموت أثناء وجوده بالجسد على الأرض "وَكَانَ الْجَمْعُ الَّذِي مَعَهُ يَشْهَدُ أَنَّهُ دَعَا لِعَازَرَ مِنَ الْقَبْرِ وَأَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ" يو 12: 17، أيضًا عندما ذهب تلاميذ يوحنا المعمدان إلى يسوع ليسألوه إذا كان هو المسيا المنتظر أم لا فقال لهم.. "اذْهَبَا وَأَخْبِرَا يُوحَنَّا بِمَا رَأَيْتُمَا وَسَمِعْتُمَا: إِنَّ الْعُمْيَ يُبْصِرُونَ، وَالْعُرْجَ يَمْشُونَ، وَالْبُرْصَ يُطَهَّرُونَ، وَالصُّمَّ يَسْمَعُونَ، وَالْمَوْتَى يَقُومُونَ، وَالْمَسَاكِينَ يُبَشَّرُونَ" لو 7: 22 وقام يسوع أيضًا من الأموات كما شهد له بطرس أمام جمهور اليهود "وَرَئِيسُ الْحَيَاةِ قَتَلْتُمُوهُ، الَّذِي أَقَامَهُ اللهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، وَنَحْنُ شُهُودٌ لِذلِكَ" أع 3: 15.
 
ألا يستطيع هذا الإله الذي لديه القدرة على الإحياء من الموت أن يحيي كل موت فينا؟ في نفسياتنا.. في قلوبنا.. في أرواحنا.. ألا يستطيع أن يحول كل ما هو ذو ملوحة شديدة في حياتنا إلى عذوبة؟ كل ما يشعرنا بالموت في أرواحنا إلى حياة؟ نعم، يستطيع لأنه الإله الحي والذي يُحيي بل هو الإله الذي يخلق الأمور الجديدة؛ لأنه الخالق (أي الذي يخلق من العدم).. نعم هو المحيي لكل موت، والذى يحول الملوحة إلى عذوبة، فقط تعالى إلى هذا النهر لتُغمَر بمياهه، دع مياهه تسري إلى أن تصل إلى أعماق نفسك لتتحرر وتشفي وتحيا بداخلك كلماتة التي تطلقك لتخدمه.
فتقول الكلمة في سفر حزقيال "وَيَكُونُ أَنَّ كُلَّ نَفْسٍ حَيَّةٍ تَدِبُّ حَيْثُمَا يَأْتِي النَّهْرَانِ تَحْيَا. وَيَكُونُ السَّمَكُ كَثِيرًا جِدًّا لأَنَّ هذِهِ الْمِيَاهَ تَأْتِي إِلَى هُنَاكَ فَتُشْفَى، وَيَحْيَا كُلُّ مَا يَأْتِي النَّهْرُ إِلَيْهِ" حز 47: 9.
 
عزيزي.. هل تشعر أن هناك أمورًا ميتة في حياتك؟ هل تشعر أن هناك (في أعماقك) ما يحتاج إلى مياه هذا النهر الذي يأتى ليحرر ويشفي ويحول كل ما هو مالح في أعماقك إلى عذوبة؟ اكشف نفسك أمام الله وقل له ما هو ميت في حياتك؟ وما هو مالح؟
هل ماضيك لا يزال نصب عينيك ولا تسطيع الشفاء منه؟ هل تشعر بالخزي من هذا الماضي؟ هل لا تزال تشعر بالجراح من الآخرين أقارب أو أصدقاء أعزاء لديك؟ هل تركك أو تخلي عنك أحد أصدقاؤك وأنت في أشد الاحتياج إليه؟ هل شهد عليك أحد زورًا الأمر الذي أصابك بعدم الثقة والإحساس بعدم الأمان؟ هل تشعر بالمرارة بسبب عدم الغفران لأُناس افتروا عليك ظلمًا أو تعاني من الإحساس بالظلم؟ هل الموت يعني لك الإحساس بالرفض أو عدم الحب من الآخرين؟ هل يعني الإحساس بالذنب أو صغر النفس؟
 
ما هو معنى الموت في حياتك؟
أيًا كان معنى الموت في حياتك، فالرب قادر أن يشفيك بل ويحييك من هذا الموت.. تعالي إلى النهر الشافي.. دع نهر الحياة يجتاح أعماقك، ويأتى إلى كل ما هو ميت في داخلك بسبب الملوحة.. اسمح لروح الله أن يشفيك إلى التمام ويحيي كل موت بداخلك، وعندما تشفى من هذه الملوحة وهذا الموت، ستأتي بالثمر الكثير جداً ويستطيع الرب أن يستخدمك لربح النفوس. فالسمك في الكتاب المقدس عادةً ما يشير إلى ربح النفوس، فعندما دعا يسوع بطرس وأخاه أندراوس ليصيرا تلميذين قالا لهما يسوع "هَلُمَّ وَرَائِي فَأَجْعَلُكُمَا صَيَّادَيِ النَّاسِ" مت 4: 18, 19.
أنت أيضًا تستطيع أن تصطاد الناس ويكون صيدك وفيرًا جدًا، ويستطيع الرب أن يستخدمك لشفاء الآخرين أيضًا. إذا كانت مشيئة الله أن تنطلق وتأتي بالثمر الكثير. فماذا عنك أنت؟
 
هل تتوقع أن يستخدمك الله ويقيمك من هذا الموت؟ هل تنتظر الانطلاق والقوة والثمر الكثير وأنت تحمل على كتفك هذه الأمور التي تشعرك بالملوحة وتعرقل خطواتك؟ دعني أسالك شيئًا هل يصلح أن تضع رقعة جديدة على ثوب قديم أو توضع خمرًا جديدة في زقاق قديم؟
بالطبع لا "لَيْسَ أَحَدٌ يَخِيطُ رُقْعَةً مِنْ قِطْعَةٍ جَدِيدَةٍ عَلَى ثَوْبٍ عَتِيق، وَإِلاَّ فَالْمِلْءُ الْجَدِيدُ يَأْخُذُ مِنَ الْعَتِيقِ فَيَصِيرُ الْخَرْقُ أَرْدَأَ." مر2 :21 "وَلَيْسَ أَحَدٌ يَجْعَلُ خَمْرًا جَدِيدَةً فِي زِقَاق عَتِيقَةٍ، لِئَلاَّ تَشُقَّ الْخَمْرُ الْجَدِيدَةُ الزِّقَاقَ، فَالْخَمْرُ تَنْصَبُّ وَالزِّقَاقُ تَتْلَفُ. بَلْ يَجْعَلُونَ خَمْرًا جَدِيدَةً فِي زِقَاق جَدِيدَةٍ." مر 2 : 22 . أترك كل ما هو عتيق كي تنطلق وتجري مع الرب لتربح نفوسا كثيرة.. "وَيَكُونُ الصَّيَّادُونَ وَاقِفِينَ عَلَيْهِ. مِنْ عَيْنِ جَدْيٍ إِلَى عَيْنِ عِجْلاَيِمَ يَكُونُ لِبَسْطِ الشِّبَاكِ، وَيَكُونُ سَمَكُهُمْ عَلَى أَنْوَاعِهِ كَسَمَكِ الْبَحْرِ الْعَظِيمِ كَثِيرًا جِدًّا." حز 47: 10.
 
(عين جدي وعين عجلايم ) ما هما؟
عين جدي: اسم عبري معناه عين الجدي وهي عين وبلدة معًا على الشاطئ الغربي للبحر الميت مشهور بالكروم، هي على ارتفاع 400 قدم من سطح البحر الميت، ولا يزال نبع عين جدى يحمل الاسم ذاته حتى الآن، وهو نبع فياض تنحدر مياهه من علو شاهق على جبل صخرى وعند أسفله أرض خصبة لغزارة مياهه.
 
عين عجلايم: اسم عبري معناه عين العجلين، وهو مكان قرب البحر الميت، ربما كانت عين عجلة إلى الشمال من البحر الميت وإلى الغرب من نهر الأردن، أو عين فشخة إلى الجنوب من قرية قمران بميل ونصف. وهما أسماء عيون مائية.
يأتي معنى (العيون) فى دائرة المعارف بمعنى (ينبوع ماء)، وهي تلعب دورًا هامًا في حياة البلاد التي لا يستمر المطر فيها طول السنة، فهى تعد مكان انتظام المطر، وتروي السكان والمواشي والأرض.
 
هل المياه التي تعد للشرب والري تصلح هي ذاتها لصيد الأسماك الكثيرة؟ كيف هذا؟
أشعر أن حزقيال النبى يريد أن يؤكد أن الله يستطيع أن يخلق من العدم أمورًا لم نكن نتوقعها أو حتى تخطر على بال؛ فهو إله المستحيلات..!!
اسمح لي عزيزي القارئ أن أتجاسر فأقول عنه إنه إله كل الأمور التي لا تعقل.. كل الأشياء التي لا يستطيع العقل إدراكها أو تخيلها ولا حتى تصديقها.. فهو حقًا إله خالق من العدم. وربما يقصد أن الصيادين يقفون على مسافة بعيدة جدًا بقرابة نصف طول البحر الميت؛ لأن عين جدي تقع تقريبًا في منتصف البحر الميت، أما عين عجلايم فهي في شمال البحر، ويا لها من مسافة ممتلئة بالسمك الوفير الذي على كل الأنواع، ياله من ثمر كثير مثل سمك البحر الكبير أي البحر الأبيض.. (البحر العظيم ويقصد به البحر الأبيض المتوسط).!!
 
نعم.. سيكون السمك الذي نصطاده كثيرًا جدًا وعلى كل نوع مثل السمك الذي في البحر، سنتحول من ملوحة الموت إلى عذوبة مثمرة جدًا، وسنأتي بالنفوس من كل قبيلة وشعب وأمة ولسان.. سيتحول الموت إلى حياة، بل وتولد فينا أمور قد لم تكن موجودة من قبل، فالبحر الميت لم تكن به أسماك حية، لكن عندما أتت إليه مياه النهر وأصبح عذبًا، أصبح به كل أنواع السمك التي نجدها في البحر المتوسط أو البحر الكبير.. قد تُخلق بداخلنا أمور جديدة عندما ننفتح على روح الله، ونترك له الفرصة أن يشفي اعماقنا، يعطينا الله مواهبه التي يستخدمنا بها، يعطينا إمكانيات جديدة لم تكن لدينا من قبل.
 
هل تريد أن يستخدمك الله في جذب النفوس إليه؟ هل تريد أن تشترك في بناء ملكوت الرب الذي يستحق أن تعطيه كل حياتك؛ لأنه هو أعطاك حياته من قبل؟ هل لا يستحق هذا الإله أن تقدم له نفسك، جسدك، قلبك؟! هذا الإله الذي يحبك ويريد أن يحررك ويشفي أعماقك كي تحيا في ملء القوة والانطلاق والفرح؛ لتُشفى وتُشفى إلى التمام؛ كي يضع مواهبه وروحه فيك، في إناء جديد؛ لتخبر عنة كل أمة وقبيلة وشعب ولسان..
 
هيا قم لتتحول.. ابدأ بأن تأخذ قرارًا جديدًا بأن تحيا حياة كاملة للرب الذي أسلم ذاته للموت لأجلك، الذي بيع بالفضة لكي يشتريك لا بفضة ولا بذهب لا بأشياء تفني بل بدمه.. "عَالِمِينَ أَنَّكُمُ افْتُدِيتُمْ لاَ بِأَشْيَاءَ تَفْنَى، بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ، مِنْ سِيرَتِكُمُ الْبَاطِلَةِ الَّتِي تَقَلَّدْتُمُوهَا مِنَ الآبَاءِ، بَلْ بِدَمٍ كَرِيمٍ، كَمَا مِنْ حَمَل بِلاَ عَيْبٍ وَلاَ دَنَسٍ، دَمِ الْمَسِيحِ"1 بط 1: 18, 19.
 
افتح روحك لتمتلئ من فيض روحه.. لا تخفِ شيئًا في أعماقك؛ كي يستطيع أن يملأك بالخمر الجديد الذي يجدد داخلك فتطلق كسهم مبري في يده في يد جبار..!! هناك أمور قد نخفيها ولا نكشفها أمام الله كي تشفى، فلن تشفى لأن الكلمة تقول:
"أَمَّا غَمِقَاتُهُ وَبِرَكُهُ فَلاَ تُشْفَى. تُجْعَلُ لِلْمِلْحِ." حز 47: 11(والغمقات هي المستنقعات المائية)، والمستننقع كما جاء معناه فى دائرة المعارف هو المكان الذي يتجمع فيه الماء ويمكث طويلاً.. فقال أيوب أي 9: 31 "فَإِنَّكَ فِي النَّقْعِ تَغْمِسُنِي حَتَّى تَكْرَهَنِي ثِيَابِي" وقد جاءت في ترجمة كتاب الحياة "فإنك تطرحني في مستنقع نتن حتى تكرهني ثيابي"..
 
من هذه الترجمة يتضح أن المستنقعات أماكن ذات رائحة نتنة أي كريهة، والبرك هي الأماكن التي لم تدع مياه النهر تدخل إليها، وهما يشيران إلى الخطايا التي أكتمها ولا أقدم عنها توبة، فهي لن تُشفى وتظل مالحة، تظل فتسبب لي الألم وتقود إلى الموت والسقطات المتكررة، وهي التي تعطلني عن أن أكون مثمرًا. وهذا يتفق مع رأي الكتاب المقدس عندما شبَّه الخطية بالذباب الميت النتن "الذُّبَابُ الْمَيِّتُ يُنَتِّنُ وَيُخَمِّرُ طِيبَ الْعَطَّارِ." جا 10: 1.
يا له من أمر حقًا لا يجعلك تستمتع بكل البركات التي لك في المسيح الذي أحبك.. أرأيت ماذا تفعل بك الخطية النتنة كما وصفها الكتاب، فهي تجعلك لا تستطيع أن تحتمل نفسك.. فما أقوى الكلمات التي نطق بها أيوب "حتى تكرهني ثيابي"..
 
أدعوك الآن أن تجثو أمام الرب وتعترف بكل ما في قلبك من غماقات وبرك لم تزل تخبئها، تشجع وافضحها أمام الله الذي يحبك ويغفر جميع ذنوبك، بل ويكللك بالرحمة والرأفة، فهو يغفر جميع الذنوب مهما كانت، ولا يعد يذكرها ثانية بل يطرحها في بحر النسيان، ويرى دم ابنه يسوع بدلاً منها.. "الَّذِي يَغْفِرُ جَمِيعَ ذُنُوبِكِ. الَّذِي يَشْفِي كُلَّ أَمْرَاضِكِ. 4الَّذِي يَفْدِي مِنَ الْحُفْرَةِ حَيَاتَكِ. الَّذِي يُكَلِّلُكِ بِالرَّحْمَةِ وَالرَّأْفَةِ. " مز 103: 3-4
 
"مَنْ هُوَ إِلهٌ مِثْلُكَ غَافِرٌ الإِثْمَ وَصَافِحٌ عَنِ الذَّنْبِ لِبَقِيَّةِ مِيرَاثِهِ! لاَ يَحْفَظُ إِلَى الأَبَدِ غَضَبَهُ، فَإِنَّهُ يُسَرُّ بِالرَّأْفَةِ. يَعُودُ يَرْحَمُنَا، يَدُوسُ آثَامَنَا، وَتُطْرَحُ فِي أَعْمَاقِ الْبَحْرِ جَمِيعُ خَطَايَاهُمْ. مي 7: 18, 19. بل والأعظم من هذا يستخدمك بمجد ويعطيك روحه القدوس ليفعل بك العجائب."فَقَالَ لَهُمْ بُطْرُسُ :«تُوبُوا وَلْيَعْتَمِدْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَلَى اسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ لِغُفْرَانِ الْخَطَايَا، فَتَقْبَلُوا عَطِيَّةَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. لأَنَّ الْمَوْعِدَ هُوَ لَكُمْ وَلأَوْلاَدِكُمْ وَلِكُلِّ الَّذِينَ عَلَى بُعْدٍ، كُلِّ مَنْ يَدْعُوهُ الرَّبُّ إِلهُنَا" أع 2: 38-39 . يجعلك مثمرًا دائمًا في كل وقت، أما اذا لم تتب عن هذه الغماقات والبرك، فهي لن تُشفى ولن تُصبح عذبة بل ستظل للملح بعيدًا عن عذوبة الحياة، فلا تستطيع الانطلاق مهما كانت حالتك الروحية؛ لأنك لا تزال ترحب بخطية ما لم تتب عنها فأنت لا تزال تضع دائرة ما في حياتك في يد العدو إبليس الذي لا يريد لك التميز والتمتع بكل البركات التي أعدها الرب لك.
 
عُد معي إلى المشهد على جانبى النهر وعلى شواطئه الممتلئة بالمجد.. فيكتب حزقيال "وَعَلَى النَّهْرِ يَنْبُتُ عَلَى شَاطِئِهِ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَاكَ كُلُّ شَجَرٍ لِلأَكْلِ، لاَ يَذْبُلُ وَرَقُهُ وَلاَ يَنْقَطِعُ ثَمَرُهُ. كُلَّ شَهْرٍ يُبَكِّرُ.." حز 47 : 12 كل شجر للأكل تعني كل أنواع أشجار الفاكهة التي تؤكل..
 
نعلم أنه من الطبيعي جدًا أن يكون لكل ثمرة وقت أو موسم تنمو فيه وتصبح أشجارًا مثمرة، وهناك وقت للأشجار أن تزهو ووقت يذبل فيه ورق الشجر ويسقط، هذا هو المنطق والطبيعة التي خلقها الله، فهناك فصل الربيع حيث الأشجار مثمرة وورقها أخضر، وهناك فصل الخريف حيث نجد الأوراق تتساقط هاوية إلى الأرض، فنجد الأشجار عارية بلا كساء أخضر وبلا منظر نتطلع إليه وبلا ثمر أيضًا، لكن يا لروعة إلهنا الذي يستخدمنا بخلاف المنطق، هو يستخدمنا في كل أوقات حياتنا، يثمر بنا في ريعان الشباب والمشيب أيضًا، القوة لديه مثل الضعف، والأوقات التي نشعر فيها بالتشجيع والفرح، مثلها مثل التي نشعر فيها بالحزن والإحباط، يا لها من كلمات تأسرني حقًا، سنصبح مثمرين للأبد، لا ينقطع ثمرنا ولا يأتى علينا خريف فيذبل ورقنا، ولا يتأثر ثمرنا بنفسياتنا أو بأمزجتنا، ولا يستطيع أن يؤثر فينا حر الصيف ولا برد الشتاء، فكل عواصف الحياة التي يشنها إبليس ليحبط من تأثيرنا أو استخدامنا تفشل، فمسحتنا وإثمارنا مستمران، أشجارًا مثمرة، فلا يذبل ورقنا ولا ينقطع ثمرنا كل شهر يبكر هللويا لهذا الإله.
 
ثانيـًا: مصـدر ميـاه النهـر
تكلمنا عن إلى أين يذهب هذا النهر، والآن من أين يأتى هذا النهر.انظر إلى الجزء الثاني من الآية "لأَنَّ مِيَاهَهُ خَارِجَةٌ مِنَ الْمَقْدِسِ" حز 47 :12
هل علمت الآن مصدر هذا النهر الرائع الذي يريدنا الله أن ندخله ونتعمق ونسبح فيه ونستمتع بكل ما فيه من أمور ثمينة جدًا، فالمقصود بالمقدس هنا الله نفسه.. لم أجد الكلمات التي تعبر عن روعة هذا النهر العظيم الذي ينبع من عند الله نفسه؛ ليروينا ويجعلنا نسبح في الروح، إلى أن نستطيع أن ننمو لمعرفة مجده، وتُشفى أعماقنا؛ لنستطيع أن نأتي بثمر ونحقق له خطته في حياتنا، التي ستمتلئ بالمجد والمسحة لتعظمه وتمجده، بل والأكثر من هذا أننا نستطيع أن نساعد آخرين للشفاء سواء الجسدي أو الروحي أو النفسي، فالكلمة تقول في حز 47: 12 "وَيَكُونُ ثَمَرُهُ لِلأَكْلِ وَوَرَقُهُ لِلدَّوَاءِ".. فمن خلال اختباراتنا لمراحل الشفاء التي نمر بها ونحن نغوص في تلك النهر، نسطيع أن نُعلِّم آخرين عن الشفاء ونساعدهم لينالوا هم أيضًا شفاء لنفسياتهم، التي شوهها إبليس..
 
من الرائع جدًا أن هذا المنظر ذاته قد شاهده يوحنا ورواه لنا في سفر الرؤيا.. "وَأَرَانِي نَهْرًا صَافِيًا مِنْ مَاءِ حَيَاةٍ لاَمِعًا كَبَلُّورٍ، خَارِجًا مِنْ عَرْشِ اللهِ وَالْخَرُوفِ. فِي وَسَطِ سُوقِهَا وَعَلَى النَّهْرِ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَاكَ، شَجَرَةُ حَيَاةٍ تَصْنَعُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ ثَمَرَةً، وَتُعْطِي كُلَّ شَهْرٍ ثَمَرَهَا، وَوَرَقُ الشَّجَرَةِ لِشِفَاءِ الأُمَمِ" رؤ 22 : 2-3 يا له من أمر مزهل وإله لا يُوصف..!!