الأقباط متحدون - ليس لي أب!
أخر تحديث ٠٧:٥٣ | الاثنين ١٧ يونيو ٢٠١٣ | ١٠ بؤونة ١٧٢٩ ش | العدد ٣١٦٠ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

ليس لي أب!

بقلم: ليديا يؤانس
تُشيرعقارب  الساعة إلى الخامسة بعد الظُهر مَوعِد وصول "دونا" مِنْ المدرسة.  دق جرس الباب فهرولت الأم مُتهلِلة لتفتح الباب مُشتاقة إلى أن تحتضِن فَلذة كبدها بين ذراعيها.  صوفيا كُل حياتها تدور في فَلَكْ دونا التى طِلعت بها مِنْ الحياة.

دونا ذات الخامسة عشر ربيعاً، فتاة جميلة بِكُل المقاييس برغم صِغر سِنها، ذكاءها فوق العاده،  متفوقة دائماً في دراستها وكل الأنشطة التى تشترك بها،  تتكلم مَعَك بحكمة ورزانة وكأنها مُختبرة الحياة.

دخلت المنزل ولكن ليس كعادتها،  تجاهلت ذراعي أُمها المَفتوحتان لإحتوائِها وهرعت إلى حُجرتها وهمت بغلق الباب فبادرتها صوفيا: ماذا حدث ياحبيبتي؟ هل هُناك مُشكلة في المدرسة؟ هل شخص ما ضايقك بالطريق؟

نظرت بعيونها ذات اللون البندقي المترقرقة بالدموع ووجها المُكفهِرْ،  وانفجرت كالبُركان قائلة: أنا بَكرهه!   لا أحبه!   لماذا تحتفِلون "بعيد الأب"؟   أنا أكره كلمة "أب.... بابا.... دادي"!   لا أُريد أبي!   أُريد أن أمحو إسمه مِنْ بطاقتي الشخصية وأوراقي الرسمية!  أُريد إسمي يكون "دونا" فقط وليس "دونا دون!"   أنا "ليس لي أب!!!"

اليوم معظم دول العالم يحتفلون بما يسمى "عيد الأب" مِثل العديد مِنْ الأعياد الإجتماعية الإنسانية المُبهِجة مِثل عيد الأُم وعيد الحُب وغيرهُم مِنْ الإعياد التي تجمع الناس حول المشاعر الإنسانية الرقيقة.  هذة الأعياد قد تكون مصدر فرح وسعادة وترابط إجتماعي للكثيرين، وقد تكون ذكريات مؤلمة للبعض الآخر. 

أصحاب دونا في المدرسة، يُعبِرون عن فرحتِهم وسعادتهِم بآبائِهم،  يتكلمون عن هدايا عيد الأب وأين سيذهبون للإحتفال بالعيد  إلا  دونا! 
مُنذُ نشأت دونا لم تقل "دادي أو بابا أو أبويا" لأنهُ ليس بموجود مع أنه موجود بنفس المدينة.  دونا لو صادفت أبوها في الشارع سوف لا تعرفه لأنها لم تلتق به من قبل.  دونا لم تتلقى هدية مِنْ أبوها.  دونا لم تَخرج للِتنزه واللِعب مع أبوها مثل باقى الأطفال.  دونا لا تقدر أن تقول بابا إشترى لي فستان أو لعبه مثل أصدقائها بل دائماً تقول "مامي" عملت كذا وكذا.

منذ نعومة أظافرها بدأت تسأل عن أبوها فعرفت مِنْ أُمها الحكاية، أنهُ كانت تُوجد عِلاقة حُبْ قوية بين أمها وأبوها إنتهت بالزواج السعيد وطفل فى الطريق، ولكن لن تستمر سعادتهُما طويلاًً فتكالبت مشاكل الحياة مما أدى إلى إنفصالهما قبل ولادة "دونا" بشهرين.
إستقبلت "دونا" الحياة مع أمها فقط لإن الأب رفض أن يرى طِفلتهُ نِكاية في الأم وحتى الآن يرفُض أن يراها وكأنها هي السبب فيما حدث بينه وبين زوجته. 

كثيراً ما يحدث هذا في أيامنا هذة، فهناك الآلاف من الأسر تعيش مأساة إنفصال الزوجين ولكن للأسف الأبناء هُمْ الذين يدفعون ثمن التفكُك الأُسري. كثيرُ مِنْ الأبناء إنخرطوا في مشاكل إدمان وسُكرْ وعربده نتيجة التفكُك الأُسري.  كثيرُ مِنْ الأبناء فشلوا في حياتهم الدراسية والإجتماعية بسبب التفكُك الأسري.  كثير من الأبناء دخلوا السجون بسبب التفكُك الأُسري.  وبعض الأبناء وصلوا إلى حالة الإنتحار بسبب التفكُك الأُسري.

ليس ِموضوعنا الآن مناقشة أو بحث المشاكل الأسرية،  ولكنني أتساءل مِنْ أى نوع مِنْ الآباء هذا ال "دون"؟     وما ذنب هذة الطفلة أن تُحرم مِنْ عاطِفة الأبوه وأبوها موجود؟   لو كان مات كان الوضع سيكون أخف وطأة على البنت، فَكثيرُ مِنْ الأطفال أيتام.  هل هذا ال "دون" إحساسه مات وليس عِندهُ شفقة أو رحمة بإحساسات طِفلة بريئة لم تقترِفْ إثماً سِوى إنتماءها لهذا الأب مِنْ خِلال الأوراق.  "دون"  قاتِلْ لأنه قتل طِفلتهُ التي مِنْ لحمهِ ودمهِ.   هذا ال "دون" صَلَبَ مشاعِر وأحاسيس طِفلة جاءت للحياة بسبب لذة عابرة ليست هي المسئولة عنها.  من يُحاسب هذا ال "دون" الذى قتل طفلته؟   "دونا"  لها كُل الحق في أن تكره عيد الأب والآباء كُلهم ومِنْ حقها أن تقول "ليس لي أب!"

منذ حوالى سبعة عشر عاماً قرأتُ في الجرائد المصرية عن حادثة تَقشعِر لها الأبدان وكُلما تذكرتها أشعر وكأن ظلام العالم كله أمام عيوني.  فتاة صغيرة لم تتجاوز السابعة مِنْ عُمرها تعيش في إحدى القُرى الفقيرة مع أسرتها.  البنت خرجت مثل الأطفال تلعب في الشارع.  رجع الأب وعرف أن البنت خرجت ويبدو أنه إستشاط غضباً مع أنها طفلة صغيرة ولكنه صمم على أن يؤدبها.   ليس هُناك ما يمنع أن يؤدبها بالضرب مثلاً ولكن سوف لا تصدقون ماذا فعل هذا الأب؟  إنتظر إلى أن جاءت الطفلة وأخذها على الغيط وربطها فى شجرة وبصوابعه فقع عينيها الأثنتان.

لو كان ذبحها أو خنقها يمكن كان أرحم مِنْ أن يحرمها مِنْ نور عينيها مدى الحياة.  أنه قتل طفلته بجحوده وجنونه وغباوته.  أنه لا يقل غباوة عن "دون" والِد "دونّا."  هل تعتقدون أن الطفلة التى فقدت نور عينيها مع سبق الإصرار والترصد بواسطة أبوها ستَحِبْ في يوم من الأيام "عيد الأب" أو كلمة "أب"؟   بالتأكيد لا!   بالتأكيد ستقف بجانب "دونا" وغيرها من الأبناء الذين تعذبوا وتألموا بسبب آبائهم  ويقولون "ليس لنا أب!".     
     
بالتأكيد الأبوه عاطفة مُقدسة ولذا يُشبِه الرب نفسه بالأب الأرضي فيقول في الأمثال "لأن الذى يُحبه الرب يؤدبه وكأب بابن يُسَرْ." وحينما طلب التلاميذ من المسيح أن يُعلِمهُم كيف يُصلوا قال لهم قولوا هكذا "ياأبانا الذى في السموات." 

الأبوه تعنى محبة ورعاية لإن الأبناء إمتداد للآباء،  يحمِلون أسماءهم مِنْ جيل إلى جيل،  يحملون ضعفهم وإحتياجاتهم في الكِبر.  بالتأكيد مُمكن للأب أن يؤدب أبناؤه وذلك للتعليم وليس للتدمير.

مطلوب من الآباء بِناء جُسور الصداقة بينهُم وبين أبناؤهم سواء أكانوا أولاد أو بنات. 
أيها الآباء ستجنون ما تزرعونه مِنْ حُبْ ورعاية سواء في حياتكم أو بعد مماتِكم فالمحبة لا تسقُط أبدأ.  

لن أنسي ماحييت وإلى أن أنتقل للعالم الآخر محبة أبي وحنانه.   لن أنسي حينما أكون مريضة يسهر هُوّ لكى يوقِظني في الميعاد ويضع شِماله تحت رأسي وفي اليد الأُخرى كوب الماء والدواء.   لن أنسي إصطحابه لي سواء في التَنزُه أو شِراء مُستلزمات المنزل.  لن أنسي سَهرهُ بجانبي أثناء إستذكار دروسي وعمل الواجبات المدرسية.  لن أنسي حينما كانت تطلب مني أُمي مُساعدتها بعمل بعض الأعمال المنزلية أجده يقول لي أنا سأعمِلهُم بدلاً مِنكِ.  لن أنسي إنتظاره لي بعد العودة مِنْ المدرسة أو الجامعة وحتي بعد ما إشتغلت لكي نجلس سوياً كأصدقاء أحكي له عن يومي وهُوّ كذلك.   لن أنسي قبل خُروجي مِنْ المنزل أسأله ما رأيك في ملابسي وماكياجي.

بالتأكيد هناك فرق بين آباء يقدرون واجبهم ومسئولياتهم وآباء تجردوا مِنْ الأُبوه فأصبحوا لعنة لأبناءهم والمجتمع.
أنا آسفة على الأباء الذين لا يُقِدرون نِعمة الأبناء التى وهبها لهم الله، فهناك الكثيرين الذين يتمنون بنت أو ولد مثل "دونا".  
 


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter