بقلم : سعيد السني
موقعة الشوم التى جرت بوسط مدينة دمنهور عاصمة محافظة البحيرة , وما تلاها من تداعيات ووقائع .. تستحق الوقوف أمامها قليلاً , وتفكيكها , لقراءة معانيها ومؤشراتها , ونتائجها .. فهى ليست كما يبدو من ظاهرها ,
مجرد غارة هجومية من تلك الغارات التى تشنها جماعة الإخوان المسلمين, غدراً وغيلةً , على النشطاء والمتظاهرين , السلميين والعُزَّل من أى أسلحة , اللهمَّ سلاح (الإعتراض) بالشعارات والهتافات الرافضة لحكم (الجماعة) , وقراراتها , بل و(جرائمها ) فى حق الوطن , التى لم يعد حصرها بالأمر السهل , رغم أننا نتحدث عن عام واحد فقط , يكتمل فى 30 يونيو المقبل , إذ أن العام فى عمر الشعوب , هو مجرد ومضة , لاتتسع ولا تحتمل صناعة كل هذه الكوارث الأمنية والإقتصادية والسياسية والإجتماعية التى حلت بالوطن وأهله المصريين, على يد الجماعة التى تكره مصر وطناً وشعباً .. لكنه الإعجاز الإخوانى , الذى دفع المصريين بالملايين إلى توقيع إستمارات حملة (تمرد) , متوعدين ( إلإخوان) بإسقاط حكمهم (جماعة وحزبا ورئيساً) , بنهاية الشهر الحالى.
لمن لايعرف ولم يتابع (موقعة الشوم) بوسط مدينة دمنهور .. فقد جرت مساء يوم الخميس الماضى ( 6 يونيو ) , أمام مقر نقابة المحامين , وأمتد مسرح الإشتباكات إلى (ميدان الساعة ) الشهير على مقربة خطوات , وهو الميدان الذى شهد قيام صاحب الجلالة الملك فؤاد الأول , يوم8 نوفمبر عام 1930 , بوضع حجر الأساس لمبنى (مكتبة وسينما البلدية ) , وهو نفسه المبنى الذى صار منذ سنوات قليلة داراً ل ( الأوبرا) .. هذا عن المسرح الذى جرت عليه الموقعة أو بالأصح الغارةالإخوانية .
أما عن الاحداث وبحسب ما أفادنى بها ( شهود عيان ) .. فقد كان مقرراً مساء الخميس , أن يعقد الكيان ( تحت التأسيس), المسمى "إتحاد النقابات المهنية" الإخوانى بالبحيرة ، مؤتمر ( المساواة مبدأ دستورى) , بمقر نقابة المحامين التى يقودها إخوانى أيضا , مما أستنفر مجموعة من المحامين المناهضين للإخوان, و تصادف أن كان مجموعة من النشطاء يستعدون لوقفة إحتجاجية أمام النقابة إحياء لذكرى خالد سعيد , وعلى بعد خطوات منها , وقفة أخرى أمام دار الأوبرا إحتجاجاً على وزير الثقافة .. قبل المؤتمر ظهر نحو 70 -80 إخوانى , بعدها جاءت سيارة نقل صغيرة تحمل (الخوذ) والعصى الطويلة الجديدة ( الشوم) , ليتم توزيعها على أل 70 -80 إخوانى , الذين إنهالوا ضرباً على الشباب أمام النقابة , ثم الأوبرا, والمحامين المعترضين ,وأوسعوا الجميع , ضربا مبرحا لنحو ساعة كاملة , بما أسفر عن إصابة 24 شابا بينهم فتيات ناشطات , إلى أن حضر الامن المركزى , لينسحب المعتدين .. توالت ردود الأفعال يومى الجمعة والسبت ( 7 , و8 يونيو) .
ونصل إلى قراءة المعانى والدلالات والنتائج :
1- أن السيناريو الذى جرت به الموقعة وتوحد شكل ولون الشوم والخوذ , وطريقة تسليمها لمن قاموا بالغارة , ثم تجميعها وإزالة الآثار,والإنسحاب .. إنما يؤشر على عملية منظمة وليست عشوائية , ولا وليدة للصدف , وهذه المهارة التنظيمية هى من سمات الجماعة الإخوانية .
2 – أن الهدف من الغارة الوحشية أو موقعة الشوم ,هو إيصال وتسليم ( إنذار) شديد اللهجة إلى الشعب المصرى بعمومه , من (الجماعة) تتوعده بأنها ستتولى التاديب لن تتسامح أو تتهاون مع من تسول له نفسه بالخروج يوم 30 من الشهر الجارى , لإسقاط مرسيهم الرئيس, وقد أختارت الجماعة دمنهور لتوصيل الرسالة والوعيد إلى الشعب.. ولأن العنف لايولد إلا العنف .. فإن الرد على هذا الإنذار, جاء سريعاً , بعد ساعات قليلة , هجوماً على منزل الدكتور جمال حشمت أكبر الرموز الإخوانية , فضلا عن مسيرات لمدة يومين تنديداً بالإخوان وفضحاً لهم .. بما مفاده أن الشباب الدمنهورى أختار أن يرد هو نيابة عن الشعب المصرى , على الجماعة, ردا أشد فى لهجتة , وبنفس العنف الإخوانى , وإن بدون خوذ وشوم ,و بنفس المدينة البحراوية , تطبيقاً للمثل القائل :" السن بالسن والعين بالعين والبادى أظلم" , وتأكيداً على غباء الجماعة وعدم فهمها لطبيعة المصريين وما طرأ عليهم من تغيرات , فقد باتوا غير مستعدين لتقبل الظلم او الجبروت والفرعنة .
3 - أن دمنهور التى شهدت الموقعة , وبحسب موقع "ويكيبيديا الإخوان" على الإنترنت .. فإن لها خصوصية ومحبة لدي إمامهم وشيخهم حسن البنا مؤسس الإخوان , الذى ولد وتربى فيها ، ونهل من علم علمائها،وأتخذ منها صديقه أحمد السكري , وتمثل نقطة هامة في حياته , وبها نشأت الجمعيات التي تطورت لاحقاً إلى (الجماعة) .. فهل هذه الغارة هى رد لجميل دمنهور على إمامهم البنا وجماعتة ؟
4 – فى السياق ذاتة .. فهذه هى دمنهور التى كانت من أكبر معاقل الجماعة , ولطالما إحتضنت الدكتور جمال حشمت ودافعت عنه بجسارة , وخاض شعبها من أجله المعارك مع الأمن المركزى ,عندما كان يترشح , فى التسعينات , وعام 2000 فى مواجهة الدكتور مصطفى الفقى , وفى كل مرة أصيب وأعتقل العشرات من أبنائها دفاعاً عنه , فلماذا وصل به الحال إلى ماهو عليه الآن..سيما وأنه ومنذ شهور لايستطيع السير فى شوارع المدينة , بعد أن صار مكروها من ناخبيه ؟ , بعد أن كانوا هم أنفسهم يحملونه على الأعناق ؟..ولماذا لم يمنع الإخوانيين الذين أغاروا بالشوم على الشباب والفتيات ؟ , .
لاجدال أن هذه الموقعة لابد وأن تكون مُدَبرة ومُرَتبة مركزياً من قيادة الجماعة, لكنها فى كل الأحوال رسالة خطأ , كاشفة عن حماقة زائدة , ومن ثم فقد أنتجت مزيداً من السخط على الإخوان , وأكسبت حملة تمرد المزيد من المؤيدين .. وليت الجماعة ترحل فى هدوء .. فالرحيل بات قادماً لامحالة , ولم تعد مثل هذه الغارات مجدية ..نسأل الله السلامة لمصر.
( كاتب وصحفى)
Saidalsonny2@gmail.com