الأقباط متحدون - أنا
أخر تحديث ١٢:٠٠ | الاثنين ١٠ يونيو ٢٠١٣ | ٣ بؤونة ١٧٢٩ ش | العدد ٣١٥٣ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

أنا


بقلم: ليديا يؤانس
 
أنا أنظُر لِنفسي بخيلاء الطَاووس كُل مرة أعدي أمام المِرآة...   مَنْ أجمل مِني!
أنا أُجبِرْ كُل الناس على أن تَصمُت (تِخرسْ) وتسمع لي...   كلامهُم تافه وركيك!
 
أنا أُعزِزْ نفسي في كُل مُناسبة،  وآخُذ مكاني في الصدارة...   الكُل لابُد أن يأتوا بَعدي لأنهُم ليسُوا على مُستوايا!
أنا أوقفتُ مُتحدِثاً كان يتحدث بِبُطء شديد جداً لكى أقول ماأريد...   أنه يفتقد لأسلوب الحديث ومخاطبة الجماهير!
أنا واثقة في نفسي جداً ولا أعتبر الآخرين أفضل مِني...  أنهُم ليسُوا على مُستوايا الفِكري والعِلمي والإجتماعي!
أنا قاطعت كل الذين أحببتهُم وأحبوني....    أنهُم لا يستحقون مَحبتي!
 
أنا وضعت كُل أصدقائي تحت....  أنهُم ليسُوا بِمُستحقين أن أُصادقهم!
أنا أولادي ليس لَهُم مَثيل في الجمال والكفاءة والأخلاق....   لا يوجد أُم عَرَفت تربى أولادها مِثلي!
أنا بأموالي أشترى الناس مِثل العبيد وأسخر الكُل لتنفيذ ما أُريد حتي لو كانت لا تتفق مع المبادئ...   أصل المال لهُ سُلطان!
أنا أهم شئ بالنسبة لنفسي....   لا يوجد في الدُنيا أهم مِني!
 
أنا الأُستاذة الدُكتورة الباشمهندسة....   كُلهُم ليسوا مثلي...   لا يستحقون هذة الألقاب! 
أنا أُلقي اللوم على الآخرين حينما أُخطئ...   أنا إستحالة أن أُخطئ! 
أنا أفهم في كُل شئ وليس هُناك أمر يعصى علي....   نادراً ما تجد شخصاً عِندُه إمكانياتي!  
أنا لا أهتم بالفقراء والمتشردين والشحاذين والعجزة والأميين والمرضى والأرامل والأيتام....    ليس لدى وقت لمثل هؤلاء!
أنا لا أُصلى ولا أصوم ولا أُقدم قرابين مثل هؤلاء السُذج الذين يُحاولون إرضاء الله....  بإمكانياتي أعمل كل شئ ولا أحتاج لله! 
هل هُناك مَنْ هو/هي مثلي؟ 
هل هُناك مَنْ يُريد أن يُصبِح عُضواً في نادي "الأنا"؟ 
هل هُناك مَنْ يُريد أن  يَعترِفْ؟ 
 
رجُل غير عادى،  الكُل يَحترِمهُ ويُقدره بِحُكم سِنهُ،  إناء مُختار للخدمة،  قوى في إيمانه ومحبته لِلكُل وخاصة إلهه،  ولكن كانت ثِقتهُ في نفسه أكثر من اللازم.   وضع نفسه في مَوقِع القيادة والإندفاع بالحديث نيابة عن الآخرين.  تحدث يسوع مع تلاميذه قبل الصلب  وقال لهم "كُلكُم تشُكُون فيّ في هذة الليلة."  تجاسر هذا الرجُل،  سمعان بطرس تلميذ يسوع المسيح ووقف بجرأة وكبرياء ليوجه كلامه إلى سيده قائلاً "وإن شك فيك الجميع فأنا لا أشُك أبداً."  أنه تجاسر مُبيناً محبته لسيدهِ وفي نفس الوقت مُميزاً نفسه بأنه أفضل مِنْ الجميع،   بل أنه إستطرد قائلاً "ولو أُضطررت أن أموت مَعك لا أُنكِرك."   وهذا ما حدث بسبب كبرياؤه وثقته الزائدة في نفسه أنكر يسوع عند الصليب ثلاث مرات.  ولكن بعدما تعلم من سقطته وندم، غفر له يسوع كبرياؤه ولأنه كان يعلم محبته له. 
 
واحداً آخراً كان كَوكَباً عظيماً،  كان من أعظم ملائكة الله،  ومرموقاً بين السمائيين "زهرة بِنت الصُبح."  بغباءه وكبرياؤه قال في قلبه أصعد إلى السموات وأرفع كرسيّ فوق كواكب الله. أصعد فوق مرتفعات السحاب أصيرُ مِثل العلي.  قال له السيد الرب: من أجل أنه إرتفع قلبك وقُلت أنا إله،  سيكون مصيرك السُقوط والخروج مِنْ السماء،  فطرحه الله هُوّ وملائكته إلى الأرض.
 
حقاً أنهُ قبل الكسر الكبرياء!
عزيزى إذا كُنت مِما يعشقون كلمة "أنا"  فأنت مِثل الشيطان الذى سقط بسبب كبرياؤه،  وتوقع سقوطك إن عاجلاً أو آجلاً!  
أن تكون أنانياً مُتكبِراً يعني ذلك أنك لا تَصلُح لشئ سِوى الحياة في دائرة نفسك وإنفصالك عن العالم.  أن تكون أنانياً يعني أن تتوقع أن ينفَضْ الناس من حولك لإن المثل يقول: من أحب نفسه كرهته الناس.  فالسعادة تأتي مِنْ حُبْ الآخرين و الشقاء يأتى مِنْ حُبْ الذات. الأنانية مِثل رياح الصحراء فإنها تُجفِْف كل شئ.  الإنسان المُتَكَبِر الأناني المُحِب لذاتهِ تجد ملامحه جافة جامدة تفتقد للمشاعر الإنسانية وبالتالي لا يأنس به الآخرون فيجد نفسه معزولاً ووحيداً.
 
أحبائي الله يقاوم المُستكبرين وأما المتواضعون فيعطيهم نعمة.  الله يُعطى نعمة للمُتواضعين وليس للواثقين بقوتهم وإمكانياتهم، الذين يقولون لك بإمكانياتنا نخضع العالم لرغباتنا، بإمكانياتنا وكفائتنا نشترى أجدع شنب ونعمله خاتم في إصبعنا.  هذا صوت إبليس وليس صوت الله فلنتضع تحت يد الله لكى يرفعنا في حينه،  لأنه يصنع قوة بذراعه يُشتِتْ المُستكبرين بفِكر قلوبهم، لإن الناس يكونون مُحبين لأنفسهم، مُحبين للمال، مُتعظمين مُستكبرين مُجدفين غير طائعين لوالديهم، غير شاكرين دنسين.    
 
الله يُشتِتْ المُستكبرين كما فعل مع فرعون مصر عندما تَكبَر وارتفع قلبه على الله وقال لموسى النبى "من هو الله حتى أسمع لقوله؟"  وبعدها غرق هو وجنوده ومركباته في البحر.
 
الله يُشتِتْ المُستكبرين كما فعل مع نُبوخذنصر.  نُبوخذنصر كان مَلِكاً عظيماً ذو جلال وجبروت وبهاء في عصر دانيال النبى، ومن عظمته كانت ترتعد وتفزع قُدامه الشعوب والأُمم والألسنة،  فأياً شاء قتل وأياً شاء إستحيا وأياً شاء رفع وأياً شاء وضع. فلما إرتفع قلبه وقست روحه تجبراً عاقبه الله بأن إنحط عن كرسى مُلكه ونزعوا عنه جلاله وطُرِد مِنُ بين الناس وتساوى قلبه بالحيوان وكانت سُكناه مع الحِمير الوحشية فأطعموه العُشب كالثيران وإبتل جِسمه بِندى السماء حتى علم أن الله العلي له سُلطان في مملكة الناس.   
 
الله يُشتِتْ المُستكبرين ويُحطم حُكام ورؤساء ومُلوك مِنْ على عروشهم وبلادهم بسبب كِبرياؤهم وجبروتهم كما حدث في الآونة الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط مِنْ توالي الثورات ضد الرؤساء والمُلوك المُتكبرين المُتجبرين.
 
الله يُنزل الأعزاء مِنْ على الكراسى ويُقيم بدلاً مِنهُم المُتواضعين والمساكين بالروح.  الرب يُسكِب هواناً ومذلة على رؤوس المُتكبرين.  التواضع هُوّ أن نُركز الأنظار على الله الساكن فينا فنُدرِك أننا بنعمته نُنعِم بِكُل شئ وبدونه نصير كلا شئ.
الله لا يُسر بالواثقين بقوتهم والمُعتمدين على ذواتهم المحدودة بل يُريد أن نطلب معونته وقوته هُوّ بإستمرار.  قُلْ لهُ إنقذني مِنْ نفسي ومن تكبُر ذاتي.
 
يقول القديس أُغسطينوس:  لاحظ كيف أن الشجرة في بداية نِموها تجدها تميل بساقها وفروعها إلي أسفل تجاة الأرض (كأنها تستمِد قوتها مِنْ الجذر) لكى تتمكن من أن تتجه إلى أعلى وترتفع بِقمتها نحو السماء.  أليس مِنْ خلال التواضع نسعى لكى نقوم ونرتفع مثل الشجرة؟  فبدون تواضع لن نبلغ العلويات.
عزيزى أنك تُريد أن تنمو في الهواء بدون جذر!   مِثل هذا ليس نِمواً بل هو إنهياراً!

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter