بقلم : القمص أثناسيوس چورچ
تعتمد مراكز الأبحاث والدراسات اللاهوتية على إتباع منهج البحث العلمي في الأسلوب المنظم (المنهجي) لجمع المعلومات عبر محركات البحث؛ تجميعها وتدوينها وتحليلها موضوعيًا (researches)؛ بعد الاستعلام والاستقصاء المنظم، بغرض تكوين رؤية شاملة لمواضيع البحث من أجل (دراستها وتطويرها).. وذلك من خلال البحث المستمر والسعي وراء المعرفة، للوصول إلى فكر أعمق ورؤية أوسع، تُستخدم كوسيلة إبداع تعليمية، تبدأ من التعليم الذاتي وتتطور لتشمل طرق التعليم في المؤسسات المدرسية اللاهوتية.. وبها تتضاعف المعرفة الإنسانية واللاهوتية.
وقد بات من اللازم والواجب على الكنيسة في القرن الواحد والعشرين؛ أن تُولي تحديث مراكز البحث اللاهوتي الاهتمام اللائق؛ لتواكب التطور المذهل في الثورة المعلوماتية الجديدة، وتلحق بمسيرة الأبحاث والإصدارات اللاهوتية الصادرة عن والمعمول بها في الجامعات اللاهوتية المسكونية حول العالم، بادئة بوضع استراتيجية لجدولة خطة الموضوعات الحيوية المراد بحثها ودراستها؛ والتي تشكّل لها ضرورة احتياج وأولوية. وبهذا تنفتح معاهدنا اللاهوتية لتواكب ما هو متبّع في غيرها؛ وتصير معاهدنا (مصانع) تصنيع للمعلومات؛ أو بحسب تعبير أحد اللاهوتيين المعاصرين؛ نصير (منتجين) لا (مستهلكين) فقط، وعندئذ أيضًا يكون لمراكزنا البحثية دورها المنوط بها؛ في معالجة خلل المشهد العلمي؛ وقصور المنظومة التعليمية في مؤسسات التعليم الكنسي؛ أو على الأقل (عدم مواكبتها وملاءمتها) للمستجدات المعاصرة، بداية من مدارس الأحد؛ مرورًا بالكلية الإكليريكية؛ بلوغًا للمعاهد المتخصصة.
فهل آن الأوان لتأخذ المراكز البحثية مكانتها في كنيستنا العظيمة؟؟!! كنيسة مدرسة الأسكندرية؛ كنيسة الآباء العلماء القديسين؛ بنتينوس وكليمنضس وأوريجانوس وديديموس الضرير وأثناسيوس الكبير وكيرلس عمود الدين.. وهل حان الوقت لوضع خرائط وخطط بحثية لها مناهجها ونتائجها؟!! تهتم بمهارات البحث العلمي في التتبُع والتحرّي والتقصّي والوصف والتفسير والتطبيق؛ نصل بها إلى وسائل مقنعة ومُشبعة تجذب الدارسين، كتلك التي يتمتع بها البحث العلمي في الغرب؟؟!! فإن كانت المقارنة غير متكافئة الأطراف بين رصيد البحث العلمي الصفري لدينا؛ وبين موازنة المعاهد في الخارج؛ إلا أن نقطة البداية يمكن أن نعوّل فيها على التشجيع والاقتناع عند القادة المتنورين المحبيبن للعلم والتجديد تارة؛ ثم عند محبي الدراسة والتلمذة والشغوفين بالمعرفة اللاهوتية تارة أخرى.
إن خطوات الاهتمام بهذه المراكز البحثية؛ لا بُد أن تبدأ من الآن؛ حتى تتدرج وتتكامل لتدعم علماء وباحثين للحاضر والمستقبل، وتساهم كذلك في تطوير منظومة عمل التربية الكنسية لتنقلها من الأداء التلقيني السردي؛ إلى مزيد من الإعداد والتحديث الابتكاري المتجدد والصالح لمخاطبة جيل يحيا في محيط مجتمعات سريعة ولحظية التغيير.
وتتلخص الأهداف الأربعة التي تضبط إيقاع المراكز البحثية في هذه المحاور:
١_ معلوماتية: تقوم برصد وجمع وتوثيق كافة المعلومات المعنيّة؛ مع تصنيفها وفهرستها وتسهيل استرجاعها؛ لتقديمها للباحثين والمطّلعين.
٢_ دراسية: تقوم بتحليل المعلومات والبيانات والربط بينها؛ وتفسير الظواهر والروابط واستكشاف مضمونها.
٣_ بحثية: تقوم بتوفير المراجع ومصادر المعرفة والمعلومات للباحثين؛ مع توفير قنوات للتبادل المعرفي؛ وصور من أوعية المعلومات المرئية والسمعية والمقروءة.
٤_ إعلامية: تقوم بالإعلان عن الأنشطة والأعمال السابقة (سابقة الأعمال) والأعمال الحالية (قيد الدراسة) والأعمال المستقبلية؛ كنتاج طبيعي توافي به المهتمين والدارسين بكل ما يتوافر لديها من معلومات بحثية مع تقديم توصيات وحلول بديلة أو خطط مقترَحة حسبما اقتضىَ.
إن مجهودات كثيرة وجبارة تبذلها كنيستنا في كل هذه المجالات؛ إلا أن الأمل معقود على عمل وتفعيل هذه المراكز البحثية؛ من أجل مراجعة ووضع المناهج والمعايير والطرق والوسائل والسياسات والأهداف والخطط التعليمية؛ لكل المراحل السنية بالكنيسة.. الأمل معقود عليها لتقوم ببرمجة جديدة للأعمال التعليمية؛ لتتناسب مع عقليات واحتياجات وشكوك وتساؤلات هذا الزمان.. كذلك الأمل معقود عليها في المساهمة بتكوين كفاءات متخصصة في العلوم الكنسية العديدة؛ وفي إعداد كوادر تدرس الظواهر المرغوب في بحثها ودراستها ميدانيًا؛ واستقصاء حقائقها الواقعية لجمع البيانات والمعلومات عنها؛ من أجل خدمة وحياة أفضل.. كقضايا (الإلحاد – الأسلمة الجبرية – الارتداد – البطالة – الإدمان – الأُمّية – الفتيات الجانحات – الأنشطة الكنسية – العمل الاجتماعي – التنمية – المهمشين – أطفال الشوارع – شباب الحوش).. بروح التدبير الرعوي في الكنيسة.. فيكون لنا الثمر المتكاثر.