الأقباط متحدون - رءوف عباس حامد والقضية القبطية(1939-2008م)
أخر تحديث ٠٣:٤٤ | الجمعة ٧ يونيو ٢٠١٣ |   ٣٠ بشنس ١٧٢٩ ش   |   العدد ٣١٥٠ السنة الثامنة  
إغلاق تصغير

رءوف عباس حامد والقضية القبطية(1939-2008م)

د.ماجد عزت إسرائيل



 

رءوف عباس حامد هو مفكر  ومؤرخ مصرى عربي، متميز عميق الانتماء إلى الوطنية المصرية والعروبة والحضارات فى شتى بلدان العالم،ولذا سعى فى حياته لتقارب الحضارات، وأندماجها من خلال دراساته وأبحـــاثه أو زياراته للبعض منها ،أو من خـلال تشجيعه طلابه بتسجيل الرسائل العلمية حولها،ولكن ظلت حضارة مصر وتراثهــا الثقافي،وشعبها هـم الشغل الشغال فى حياته،وكان يدرك أن أقبـــاط مصر هم جـــزء لا يتجزأ من شعــبها الأصيل و حضاراتها العريقة.

  ورءوف عباس حامد ولد" فى 24 أغسطس 1939م،فى مدنية بورسعيد الباسلة،ثم أنتقل مع والده إلى مدنية  القاهرة فالتحق في الرابعة من عمره بكتاب يُعرف باسم "مدرسة الفتوح الجديدة الأولية" " بـ"شــــبرا ، ثم التـحق في المرحلة الابتدائية بمدرسة السيدة "حنيفة السلحدار"، واستكمل دراساته بالمرحلة الإعدادية بذات المـــدرسة ( 1952-1953م)، ثم حصل على الثانوية العامة من "شـــبرا الثانوية" عام 1957م،وتخــــــرج فى كلية الآداب جامعــة "عين شمس" عام 1961م، وحصل على درجة المـاجستير عام 1966م، وكانت أطروحـته"تاريخ الحركة العمالية المصرية 1899-1952م "،وحصل على الدكتوراه فى عام 1971م،وكانت أطروحتــه"المـــلكيات الزراعية الكبيرة فى مصر" وعين فى كلية الآداب جامعـــة القـاهرة،وتدرج فى الســـلم التدريسي الوظائفي،حتى حصل على  منصب أستـــاذاً فى عام 1981م،ثم رئيساً لــقسم التاريخ،ثم وكالة الكليـــة لــشئون الدراسات العليا،وعند وفـاته فى 26 يونيه 2008م،كان يشغل منصب رئيس الجـــمعية المصرية للــدراسات التاريخية مابين عامى(1999ــ2008م).

 كان لنشأة رءوف عباس حامد  فى  حى شبرا ـــ كلمة شبرا تعنى باللغة القبطية العزبة أو القرية،وهى تقع شمال مدنية القاهرة،وزادت شهرتها ببناء محمد على باشا (1805-1809م) قصره الشهير،وبها العديد من المناطق الأثرية مثل الخازندار،ومارجرجس الجيوشى،وسانت تريزا،وغالبية سكنها من الأقباط ــ تأثير كبير على علاقاته وإدراكه بالقضية القبطية،ففى حى شبرا نشأ كطفل وألتحق بمدارسها  وتصادق ولعب،ودخل كـــنائسها مع بعــض زمـلائه من الأقباط،دون أدنى تميز طائفى أو تفرقه،فمن خلال أحتكاكه المباشر مع العديد من الأقــــباط عرف العديد عن مشاكلهم وقضاياهم بمصر،ولذا سعى من خلال وظيفته بالجامعة إلى الفك العـــديد من شفرات المسألة القبطية،لأيمـــانه الشديد بحقوق المواطنة المصرية دون تميز أو تفرقه.

 على أية حال،سعى رءوف عباس  كمؤرخ وأستاذ بالجامعة على وضع حلول للقضايا القبطية عن طريق البحث العلمى،من أجل أن  يتقبل الآخر شريكه فى الوطن دون تمـــــــيز أو عنصرية، من خلال تخريج طلاب من الجامعـــة يؤمنون بحقوق المواطنة  ومبدأ المساواة بين جـــميع الأفراد،دون تفرقة عرقية أو دينية، ففى مجال الدراسات القبطية بالجامعة المصرية، لا يوجد كرسى (قسم) لها، مع العلم أن  شتى جامعات العالم يوجد بها أقسام وفروع لدراسة اللغة القبطية وتراثها الثقافى، فسعى رءوف عباس بتوجيه أحد طلابه"محمد عفيفى عبد الخالق" ــ حاليا رئيس قسم التاريخ بجامعة القاهرة ــ بتسجيل أطروحته للدكتوراه حول القضية القبطية تحت اسم"الأقباط فى العصر العثمــــانى"،وهـذه الدراسة تعد من بين الدراسات الفريدة، التى تضع حلول علمية لمشاكل الأقباط وعلاقاقتهم  بالسلطة الحاكمة،كمـــا أن كاتب هذه السطور شجعه على "دراسة الأقباط والحياة الاقتصادية والثقافية.

وكان لرءوف عباس مواقف وطنية من القضية القبطية يسجلها لنا التاريخ نذكر بعض منها،ففى مقاله بجريدة "الأهالى" بتاريخ 10 نوفمبر 1993 م،تحت عنوان خطاب مفتوح إلى وزير التعليم"حسين كامل بهــاء الدين""حــذار إنهم يتلاعبون بمستقبل الوطن ويشكون فى أمانة الأقبـــاط بالجامعة" فذكر قــــائلاً" المسألة التى أكتب لك عنها تتعلق باتجاه فى وزارتك يمس سلامة هذا الوطن وأمنه ومستقبله،ويتصل بدور التعليم فى مصر،وما يقع على عاتقه من تأمين غدا أفضل للمصرين دون تميز".

 و خلاصة ما جاء فى نص الخطاب الذى ارسله رءوف عباس حامد" اتصل بى صباح الخميس 28 أكتوبر 1993،أحد مستشارى الوزارة يدعونى إلى إعــــــداد امتحان الثانوية العامة لمادة التاريخ،فاعــــتذرت، عن عدم قبول المهمة لظروفى الخاصة،فاقترح على ترشيـــح آخـر، فرشحت الدكتور"يونـــان لبيب رزق" ولكن الـــمستشار ضحك ضحكة صفراء ذات مغزى،وطلب منى ترشيح آخر،ولما سألته عن السبب قال" إن تعليمات الأمن تقضى بعدم إشراك (أهل الذمة) فى وضع الامتحانات العامة" وفى خاتمة خطابه عبر عن تأيده لحقوق المواطنـــة، وحرصه على سلامة وحدة هذا الوطن حيث ذكر قــائلاً" لقد تابعت بإعجاب شديـــد،وتقدير عظيم مواقفــك الجسور فى مواجهة من يريدون إعادة مصر إلى عصور التخلف،ويسعون لشق الصف الوطنى،بالعـمل على تطهير التعليم منهم،ولكنى لا أخفى عليـك مخاوفى من دلالات هذه الواقعة،وما تبشر به من سوء يهدد هذا الوطن".

وكان لرءوف عباس الفضل فى تعين أول معيدة قبطية فى قسم التاريخ كلية الآداب جامعة القاهرة، تدعى"مرفت صبحى" ــ حاليا دكتورة بذات القسم ــ  فقد اعترض بعض الأساتذة و على رأسهم الدكتور"حسنين ربيع" أستاذ تاريخ العصور الوسطى، بل الأدهش من ذلك قـــاموا  بترشيح آخرين، رغم تفــــوق الطالبة القبــــــطية  عليهم،وهذا ما دفع بـ"رءوف عــباس لتقديم استقالة مسببة إلى  عـــميد الكلية "عبد العزيز حمــــودة"،ومن هنا سوف يتم التــــحقيق فيها ويظهر التعصب الدينى لدى هولاء وينفضح آمرهم فى الجامعة،وهذا ما ذكره "رءوف عباس فى مذكـــــراته"مشيناها خطى" قائلاً"هنا قرر صاحبنا  أن يلقن العميد دراساً قاسياً،فكتب على الفور خطاب استـــقالته  تحت عنوان، التعصب وراء ستار الصالح العام من خدمة جامعة،،دينها التعصب الأعمى،و مبدأها التميز بين المصريين على أساس الدين ".

    كما ذكر رءوف عباس فى مذكراته"مشيناها خطى،أن التعصب الأعمى والعنصرية الدنية،كانت السبب فى تخلص قسم التاريخ عام 1944م، من الدكتور"سوريال عطيــة"أستاذ تاريخ العصور الوسطى بنقله لجامــــعة الإسكندرية، ثم هجرته بعد ذلك إلى الولايات المتحدة الأمريكية،وتفوقه وإنشائه مركزأ للدراسات القبطــية بولاية يوتا،وهـــذا ما ذكره الدكتور "حسنين ربيع "وكتبه  بأمانه ووطنية رءوف عباس فى مذكراته قائلاً"إن القسم تخلص من هؤلا ــ  يقــــصد الأقباط ــ  منذ أكثر من خمسين عاماً،فلا يجب عودتهم مرة آخرى..".

 وأخير، كان رءوف عباس يؤمن كل الأيمان بالقضية القبطية، ويضعها فى مقدمه أعماله وتصرفاته فى الحياة اليومية،و كان  إنسانيا عميق الالتزام بقضايا وثقـافة وطنـه،ودائما ما كان  يسعى لتحقيق العدالة الغـــائبة لأقباط مصر،وخاصة فى مجال عمله بقدر ما يمتلك، وبعد خمس أعوام على رحليه، هل تجد القضية القبطية من ينصفها؟
 


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter