بقلم : مدحت بشاي
بعد جلسة «ونسة الاتحادية» الأخيرة كما يطلق على مثل تلك الجلسات أهل السودان، والتى كانت فى نفس ذات الوقت «وكسة» أزمنة أهبلة الدولة لمناقشة هى فى النهاية «سد خانة»، لتفنيد ومناقشة تبعات إنشاء «سد النهضة»، ولأن «النهضة» شعار المرحلة الفنكوشية على الطريقة السريالية العبثية الإخوانية، فقد قدمنا للعالم عرضاً ساخراً مميزاً وبشكل حصرى على مسرح الاتحادية (وهو البناء العتيد)، الذى لم يشهد عبر تاريخه تلك التوليفة المثيرة لأى فريق يمثل «وطن فى أزمة» عبر أى مرحلة مهما كان لون وطبيعة أى نظام حاكم.
مع دقات إعلان بداية العرض، وبداية الإظلام التدريجى يسقط الحائط الرابع الذى هو فى ذات نفس الوقت الستار الحاجب بين صالة الجماهير وخشبة المسرح، وتنطلق فى تصاعد دراماتيكى أغنية «قلنا هنبنى وادى إحنا بنينا السد.. يا استعمار بنيناه بإيدينا السد العالى.. من أموالنا بإيد عمالنا.. تسمحولى بكلمة (إيه) الحكاية مش حكاية السد.. حكاية الكفاح اللى ورا السد.. حكايتنا إحنا حكاية شعب للزحف المقدس قام وثار.. شعب كافح وانكتبله الانتصار تسمعوا الحكاية؟..
بس قولها من البداية.. وهنا يصل راوى العرض إلى منصة الحديث تصاحبه دائرة ضوء، ليكتمل تنوير المسرح ويخفت صوت الأغنية، فيتحدث الراوى الذى اختفى وجهه تقريباً خلف ميكروفونات قنوات تليفزيونات الدنيا، ويتحدث ببرود وكأنه يُكمل الأغنية «أيوه نقول الحكاية من البداية.. إنها الستينيات، وما أدراكم ما الستينيات».. قهقهات ضحك الحضور فى الصالة، ويواصل الراوى «نعم يا سادة إنها ستينيات السد العالى وما أدراكم ما السد العالى».. تتعالى ضحكات الحضور أكثر.. يواصل الراوى سائلاً الجموع «نقول إيه لشعب إثيوبيا يا ناس دلوقتى بالذمة والأمانة بتاعة ربنا، نقول لهم بنينا سد عالى وانتم ممنوع عليكم تبنوا سد النهضة، وتنعموا بالكهرباء زينا، يعنى همه عجبة يعنى ولا مؤاخذة من دون الناس».. ينفجر الحضور بقهقهات وهمهمات يختفى معها صوت الراوى، وفى مفاجأة ينقطع التيار الكهربائى، وتعلو صيحات الغضب، وبينما يهم الناس بالانصراف يعود التيار لينير خشبة العرض.. ويعلو من جديد صوت أغنية الستينيات «هى حكاية حرب وتار بينا وبين الاستعمار.. فاكرين لمّا الشعب اتغرب جوه فى بلده.. آه فاكرين.. والمحتل الغاصب ينعم فيها لوحده.. مش ناسيين..» يقطع صوت الراوى مواصلة الغناء، ويواصل «أيوة هيه حكاية حرب وهسيبكم يا سادة قرب غرفة عمليات إدارة الحرب، وهسمعكم اللى بيقولوه من غير ما يدروا ولا يحسوا بينا، أصله اجتماع أمن قومى سرى معلن شفاف كاشف فضائحى شفتشى عريان، لكن عايز أقول لكم إن الشعب المصرى «لن يغفر» لمن لم يحضروا الحوار الذى دعا إليه الرئيس رموزا وقوى سياسية لبحث أزمة سد النهضة الإثيوبى».. وتنساب كلمات الحضور فى وجود الرئيس..
صوت (١) «أزمة بناء سد النهضة خطر وهمى، وهمَّا بيلاعبونا، وعلى فكرة يمكن الحل عن طريق لاعب كرة، أو فنان رغم تقديرنا لهم، أو إرسال لاعب النادى الأهلى محمد أبوتريكة، فى زيارة إلى إثيوبيا».
صوت (٢) «مرة شاب إثيوبى قال لى إنت بتشوف عادل إمام، فقلت له لأ، فقال لى ابقى سلم لى عليه، وده يبين لنا ضرورة الاستعانة بالفنانين، همه القوة الناعمة لتعميق العلاقات المصرية الإثيوبية. وعلى فكرة كل حاجة ممكن تتظبط».
صوت (٣) «الحل الأمثل لأزمة سد النهضة، هو استخدام الاستراتيجية التى تم التعامل بها مع أحداث سيناء الأخيرة»!
صوت (٤) «محتاجين فريق عمل سياسى مخابراتى فى إثيوبيا مش سفارة، المجتمع الإثيوبى مهترئ لأقصى درجة».
صوت (٥) «لابد يا ريس توافق الجبهة الداخلية، ومعلهش ياريس المعارضة غلسة».
صوت (٦) «ممكن التلويح بإرسال فرقاطات بحرية من القوات المسلحة إلى مضيق باب المندب، وتوجه الفريق أول عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع لزيارة مثل هذه المواقع».
مع ذكر فرقاطات بحرية ترتفع موسيقى المارشات العسكرية، بينما تخبو أضواء الاجتماع، لتضاء الصالة بالكامل ليدخل من الصفوف الأخيرة فى صالة العرض شباب وفتيات يرفعون شعار «تمرد» ليشغلوا كل مساحات الفراغ، بينما يصفق الحضور وترتفع زغاريد النسوة، وصولاً لخشبة المسرح وقبل الصعود، خرجت أنا كاتب السطور لأصعد لأمامية المسرح مناشداً إياهم أن يسمعونى قبل الصعود لتقديم عرضهم، وأنا أشاركهم رفع لافتة «تمرد».. أقول لأروع شباب مبدع ووطنى:
■ أما وقد رأيتم الحال فى بلادى على هذا النحو الصعب (نظام ومعارضة فى خصومة مع الرشادة والفهم).. أرجوكم لا تستسلموا لعواجيز الكلام والميادين وتسلموا لهم راياتكم، فهم من قفزوا على ثورة شباب ٢٥ يناير، ولا تدعوهم يتحدثوا باسمكم.. إن مشهد تخصيص بعضهم صالة ووضع طاولات عليها استمارات واستضافة شخصيات عامة للتوقيع أمام الإعلام فى غير وجودكم بداية لتكرار أحداث الأيام الينايرية.
■ اطلبوا من كل مُوقع على استمارة «تمرد» أن يضع شعار تمرد أو يقوم بتعليق علم أحمر رمز رفض «تمرد» على شرفة أو شباك مسكنه وعلى باب بيتكم، ليذهب الإعلام ليوثق حالة شعب قرر الرفض والتمرد.
■ اطلبوا من إدارات الصحف المساندة أن تضع شعار الحركة أعلى صفحاتها الأولى، وأن يضع كل صاحب عمود ومقال قرر التمرد شعار الحركة بجوار اسمه.
■ لابد من وضع شعارات «تمرد» على مقدمة السيارات وعلى أبواب المنشآت والمحال والمصانع.
■ الفكرة من وراء كل تلك المقترحات تأييد مظهرى كاشف لحالة رفض جماهيرية واسعة على مدى الشهر فى مقابل ما يطلقون عليه «تجرد»، وحتى لا يقال إن هناك ملايين مقابل ملايين بشكل نظرى.
وفى مشهد الختام، كان صعود شباب «تمرد» إلى خشبة المسرح، بينما تنزل لافتة ضخمة كخلفية لوقفة شباب «تمرد» مكتوب عليها (موعدنا ٣٠ يونيو ٢٠١٣ والمكان: كل ميادين التحرير فى بلادى).
medhatbe@gmail.com