الأقباط متحدون - الكوميدية الإثيوبية
أخر تحديث ١٣:٥٨ | الخميس ٦ يونيو ٢٠١٣ | ٢٩ بشنس ١٧٢٩ ش | العدد ٣١٤٩ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

الكوميدية الإثيوبية

بقلم : إسماعيل حسني

لو كان الشاعر الإيطالي دانتي يعلم الغيب لما اقتبس من تحفة أبو العلاء المعري "رسالة الغفران" ليصنع ملحمة "الكوميديا الإلهية"، ولآثر أن ينتظر سبعمائة عام ليقتبس من الكوميديا المصرية التي تزدهر هذه الأيام، والتي بلغت قمة الإثارة بإذاعة إجتماع الرئيس مرسي مع السياسيين بخصوص سد النهضة الإثيوبي على الهواء مباشرة.

لقد استطاع الرئيس مرسي بكوميدية سوداء أن يبز ملوك الكوميدية من شعراء وكتاب وممثلين من عصر المعري إلى عادل إمام مرورا بجحا وشارلي شابلن واسماعيل ياسين، إذ لا أحد يمكنه تصور أن تحكم دولة في القرن الواحد والعشرون بهذا القدر من الإستهتار والخفة والمراهقة.

لو أن عادل إمام صنع فيلما يتضمن قيام رئاسة الدولة بإذاعة إجتماعا لإدراة أزمة ساخنة على الهواء مباشرة لما صدقه أحد، ولاتهمناه بالمبالغة ومحاولة إضحاكنا بالعافية، ولكن الرئيس مرسي استطاع إضحاكنا إلى حد البكاء على حالنا وحال بلادنا وهو يجلس على عرشها.

أصبحنا أضحوكة العالم وهو يرى صغارنا وسفهاؤنا يتصدرون مشهدنا السياسي، ويتناولون على الملأ أخطر القضايا بمزيج من الجهل والإستسهال والعشوائية، فهذا يهدد بحرب، وذاك يدعو إلى التدخل في الشأن الإثيوبي الداخلي، وثالث يقترح إطلاق شائعات عن امتلاك مصر لأسلحة وهمية من أجل تخويف إثيوبيا، وكأننا في روضة أطفال، أو في إحدى المصحات النفسية.

إلا أن أخطر ما أوضحته هذه المهزلة هو الإعاقة الذهنية أو العاهة الثقافية المستديمة التي يعاني منها الإخوان المسلمين جماعة وأفرادا، فمن نشأوا في كهوف العمل السري المتصارع مع الدولة والقانون والمجتمع، ومن جبلوا على السمع والطاعة، ومن ترعرعوا على الخلط الفكري والمعرفي بين الدين والسياسة، ومن اعتمد ارتقائهم في مراتب الجماعة على حفظ واجترار الكتب القديمة والمفاهيم القديمة والمصطلحات القديمة، بل وعلى معاداة وانتقاد قيم الحداثة التي تعيش بها اليوم سائر الدول والمجتمعات، لا يكونوا قادرين على استيعاب مفردات الحياة المدنية الحديثة كالإنسان والحرية والوطن والدولة والديموقراطية والقانون، أو إدراك الفرق بين إدارة الدول وإدارة التنظيمات السرية، فضلا عن التعامل مع شركاء الوطن والدول والمجتمعات الأخرى.

لقد بلغ السيل الزبى، وما اكتوى المصريين بناره خلال العام المنصرم أكد للجميع أن الإخوان وأضرابهم من خريجي الكهوف والمعتقلات والسجون غير مؤهلين حاليا (ولأجيال قادمة) لحكم أي دولة من الدول، ولقد عقد الشعب المصري بكل طبقاته وفئاته وطوائفه العزم على الخروج يوم 30 يونيو في اعتصام مفتوح لإنهاء حكم الرئيس مرسي من أجل إنقاذ البلاد من الإنهيار، واستعادة الأمل في الإصلاح.

لم يعد لدى الرئيس مرسي ما يقدمه أو يفعله ليتجنب مصيره المحتوم في آخر هذا الشهر، ولم يعد أمامه سوى خيارين لا ثالث لهما، فإما أن يأمر بإطلاق النار على المتظاهرين وفض اعتصاماتهم بالقوة، وهذا سيقوده حتما إلى نفس الزنزانة التي يقبع فيها اليوم الرئيس المخلوع حسني مبارك، وربما إلى حبل المشنقة، أو أن يثبت أنه ليس أقل وطنية من سلفه المخلوع الذي رغم فساده آثر السقوط على إراقة دماء أبناء شعبه، فيدعو إلى انتخابات رئاسية مبكرة حفظا لماء الوجه، وتسليما بقضاء الله وقدره.
 
 
 


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter