الأحد ٢ يونيو ٢٠١٣ -
٢٥:
١٠ م +02:00 EET
بقلم منير بشاى
فى غفلة من الزمن حدث ما لم يكن يتوقعه انسان، بما في ذلك الاخوان أنفسهم، وهو تسلل قيادات الاخوان من سجون مصر الى حكم مصر. لو تحدثت مع احد قيادات الاخوان قبل ثورة 25 يناير 2011 عن مدى أحلامهم فى مصر فى ذلك الوقت ربما قال لك: ان تزول عنهم وصمة (المحظورة) وتعترف بهم الدولة كتنظيم شرعى أن يسمح لهم بالعمل السياسى فى مصر دون ملاحقات أمنية..ان يصبح لهم تمثيل قوى فى البرلمان..أن يزيد نفوذهم داخل مؤسسات الدولة الهامة مثل الجيش والشرطة والتعليم والقضاء..ان يصلوا الى قلوب وعقول الناس فى القرى والنجوع عن طريق تقديم الخدمات الاجتماعية والمنتجات الغذائية بأسعار رخيصة... ولكن ان يحكموا مصر؟ فهو أمر كان أقرب للخيال منه للواقع.
نعم كانت للاخوان خطة تعبر عن أملهم فى أن يحكموا مصر فى يوم من الأيام. ولكن فى تلك اللحظة من الزمن لم تكن الخطة قد وصلت، أو حتى قاربت، من الهدف. كانت خطتهم هى البدء بأسلمة المجتمع المصرى. كانوا يعتقدون انهم اذا نجحوا فى تحويل المجتمع الى نوع الاسلام الذى يؤمنون به فان المجتمع سيصبح من السهل عليهم حكمه. بل ان احدهم قد صرح انهم بعد ان ينجحوا فى أسلمة المجتمع فان المجتمع سيأتى اليهم من تلقاء ذاته متوسلا ان يحكموه.
ولم يكن هذا التخطيط مجرد استحسان بشرى ولكن له ما يؤيده فى الفكر الاسلامى. فقد جاء فى أدبياتهم ان "بناء مجتمع الدولة يجىء قبل بناء دولة المجتمع". وكان هذا فى نظرهم الوضع المناسب للظروف الحالية التى يمر بها المجتمع المصرى. وان كان هذا عكس ما حدث فى وقت الفتوحات الاسلامية حيث كان المسلمون يفتحون البلاد ويحكمونها بالمنهج الاسلامى مع ان غالبية اهلها كانوا ليسوا بمسلمين. ولكن الاخوان اقتنعوا ان الظروف الحالية تملى ان يكون البدء ببناء المجتمع ويستشهدون فى ذلك بأن الرسول عندما عرض عليه ان يكون حاكما لقريش رفض لأنه كان يعلم أن المجتمع غير مهيأ لقبول تعليماته. ولكن بعد ان هيأ الرسول مجتمعا يقبل دعوته حدث قبول للحجاب عندما امرت به النساء، واستجاب الناس لتحريم الخمر عندما انزل ما يحرمه.
ولذلك عندما قامت الثورة فى 25 يناير 2011أعلن الاخوان فى البداية انهم ليسوا طرفا فيها، وكان ذلك خوفا من بطش النظام الذى لم يكونوا وقتها متأكدين من هشاشته. وعندما فتحت سجون وادى النطرون ووجد اعضاء مكتب الارشاد أنفسهم أحرارا لم يصدقوا أنفسهم فى البداية، وتحسبا من الاصطدام مع النظام الحاكم، اتصلوا باذاعة الجزيرة ليثبتوا الحالة ويعلنوا انهم موجودون جميعا الى جانب بوابة السجن المفتوح فى انتظار قدوم السلطات. وبعد قيام الثورة انتظروا ثلاثة أيام قبل ان يقرروا الاشتراك فيها. وحتى بعد اشتراكهم أعلنوا انهم لا يهدفون للوصول لكرسى الحكم. ومن المرجح انهم كانوا صادقين لأن سقف أحلامهم فى ذلك الوقت لم يكن يرتفع الى هذا المستوى، ولم يكونوا مهيأين لهذه المرحلة التى جاءت لهم بمحض الصدفة. وجاءتهم الفرصة عندما سقطت الأنظمة الديكتاتورية بعد ثورة الشعوب عليها فيما سمى بالربيع العربى. وكان الغرب ممثلا فى الولايات المتحدة يبحث عن بديل يمثل الاسلام المعتدل لاعتقادهم انه القادر على السيطرة على الشارع، وقدم الاخوان أنفسهم على انهم ذلك البديل وأعطوا الغرب كل ما يحتاجه من ضمانات وأكثر. من هذا المنطلق يمكن أن يقال ان الأخوان عندما غيروا رأيهم وقرروا اغتنام الفرصة بالقفز على حكم مصر لم يقوموا بهذا لأنهم كانوا يعتقدون انه التوقيت المثالى، ولكن لأن الفرصة فرضت نفسها عليهم، واضطروا ان يأخذوها، لأنهم لم يظنوا ان القدر سوف يقرع على بابهم ليقدم لهم نفس الفرصة مرتين.
فى الوقت الذى اعطيت لهم فرصة حكم مصر لم يكن لديهم الكوادر القادرة على ادارة بلد فى حجم مصر يعانى من مشكلات خطيرة فى كافة مرافقه. بل لم يكونوا مدربين حتى على كيفية الاستعانة بالخبراء كل فى مجال تخصصه لأن هذا فى ذاته خبرة لم تكن متوفرة لهم وهى مقدرة الجالس على كرسى الحكم ان يستمع الى آراء الخبراء ويحللها ثم يتخذ من بينها القرار السليم.
ولكنهم، سواء عن جهل بمتطلبات الحكم، أو محاولة لكسب تأييد الناس، صوروا لهم انهم قادرون على حل مشاكل مصر المستعصية بعد ان ساءت كثيرا فى عهد مبارك. ووعدوا بحل أخطر مشاكل مصر فى المائة يوم الأولى مثل أزمة رغيف العيش والامن والمرور والغاز والنظافة والقمامة وغيرها. ونعلم طبعا انه لم يتحسن شىء من هذا بل زادت الأمور سوءا. ومع ذلك يقف واحد منهم فى بجاحة ليبرر الفشل بالقول ان الرسول نفسه لم يحقق شيئا يذكر خلال المائة يوم الأولى من حكمه (فبأى حق ننتظر هذا من مرسى؟) ونحن طبعا لا نجرؤ على مطالبة د. مرسى ان ينجز ما لم يستطيعه الرسول، ولكن أيضا لنا كل الحق ان نسأله عن أسباب وعوده بانجازها ان كان يعلم انه لن يستطيع ذلك؟ أم ترى انه لم يكن يعلم؟ الأولى مصيبة والثانية مصيبة أعظم !
ولكن، من الناحية الايجابية، ربما كان حكم الاخوان شر لابد منه، فلعله سيكون السبب فى التخلص منهم الى الأبد. فمنذ ان قامت هذه الجماعة وهم يعدونا بما لا قدرة للبشر عليه. كانوا يرفعون شعارات "الاسلام هو الحل" و "نحمل الخير لمصر". كانو يوصمون الجميع بالبعد عن الله، أما هم فهم "ناس بتوع ربنا" وسيحكموننا بكتاب الله. ولوحوا لنا بمشروعهم الشهير" النهضة" الذى ثبت انه مثل "الفنكوش" يصورونه على انه علاج "سحرى" ثم نكتشف انه ادعاء "دجلى". وفيما عدا هذا لم ينجح الأخوان فى تبنى مشروع قومى يلتف حوله الشعب المصرى ويبعث فيهم الأمل بان الحل قادم فى الطريق. لقد اعطيت للاخوان الفرصة ان يثبتوا صدق وعودهم، والنتيجة كانت فشلهم الذريع وعجزهم عن حكم مصر وبالتالى عليهم ان يفهموا أنهم غير مؤهلين لحكم مصر ويتحتم عليهم ان يرحلوا.
ومع ذلك لا أتوقع ان يترك الأخوان حكم مصر بسهولة ومن تلقاء ذاتهم. فالأخوان يعرفون ان هذه أول وآخر مرة يحكمون فيها مصر. فلابد انهم سيقاومون بكل جهدهم محاولة اقتلاعهم من كراسى الحكم. ولكن لن تستطيع قوة ان تقف فى وجه 90 مليون مصرى اذا تمردوا.