الأقباط متحدون - الحب الحقيقى للوطن والمواطنة
أخر تحديث ١٩:٤٨ | الأحد ٢ يونيو ٢٠١٣ |   ٢٥ بشنس ١٧٢٩ ش   |   العدد ٣١٤٥ السنة الثامنة  
إغلاق تصغير

الحب الحقيقى للوطن والمواطنة

الحب الحقيقى للوطن والمواطنة
الحب الحقيقى للوطن والمواطنة
بقلم :    سمير    حبشــــــــــى

أننى أعتبر يا إخوتى أن حب الوطن جزء من مكونات الإيمان بالخالق ، والإعتراف بنعمه على الإنسان .. وحب الوطن هو الوجه الحقيقى للإنتماء لهذا الوطن ، فهو شئ ينهله الانسان مع كل قطرة من حليب أمه منذ أيامه الأولى ، ويَكتَمِلُ إيمان الإنسان بحبه لوطنه ، والإنتماء إليه وينمو معه مع تقدم أيام عمره ، فللأرض قيمة معنوية لدى ساكنيها والحاصدين  لخيراتها . ومن تكريم الإنسان الذى يموت بسبب الدفاع عنها - على الأرض وفى الآخرة - نطلق عليه شهيدا  ، ولذا يتسابق أبناء الوطن المخلصون ببذل الغالي والنفيس دفاعا عن أرضه ومائه وسمائه .
 
ومن المؤكد أن العمق الحقيقى لمعنى الإنتماء الوطني لم يعد مجال اختلاف أو ارتياب ، إلا لدى من في قلبه مرض أو في عقله شيء مختلف عن مصطلح الإنتماء للإوطان . فالإنتماء الوطني هو شعور معنوي ، وممارسات وسلوكيات يومية ،  يمارسها الإنسان في حياته , في عمله ، في تعاملاته مع الناس .. وموروث ثقافي يورِثهُ الأباء والأجداد لأبنائهم وأحفادهم ، هو حب وتقديس واحترام وعطاء ، وهذه المشاعر مجتمعة تكوّن منظومة إنسجام الكلمة مع المعنى والصدق .. ولأننى أحد أقباط مصر أى أحد أبنائها الشرعيين الذين يحملون همومها بين جوانحهم أينما ذهبوا .. وتعتبر مصر لهم بالذات أم شديدة الخصوصية ، ولها نداء سريع مستجاب فى النفس ، وليس له عوائق ولا ممنوعات ولا تأجيلات ، أجد أن عيناى دائما تتصيد العمل أو الإسلوب ، أو النموذج الحضارى الجيد الذى أتمنى أن أجده فى وطنى مصر ، ويبدأ صراع المقارنة بين هذا وما آلت إليه مصر التى كانت تسمى " أم الدنيا " ، فيغزو السأم نفسى ويعشش الحزن داخل قلبى كلما احتدم صراع المقارنة .. 
 
يا إخوتى أنا عائد اليوم من رحلة إثنى عشر يوما قضيتها مع مجموعة من كبار السن فى تايلاند .. وتايلاند بلد شعبها فقير ، ولكنه شعب غنى جدا بحبه وانتمائه لبلده وخوفه عليها ، يتفننون جميعا فى طرق جذب  السائحين ، وجعلك كزائر منذ أن تطأ قدماك أرض بلادهم وحتى تغادرها ، وأنت محاط بالإبتسامات والترحاب فى أى مكان ، حتى البائع البسيط الذى لا يعرف كلمة واحدة بالإنجليزية يحاول إرضاءك ولو بالإشارة والإبتسامة والإنحناءة المهذبة .. 
ما زلت أتذكر كلمات المرشد الخاص بنا ، والذى صاحبنا فى الرحلة منذ وصلنا وحتى غادرنا البلاد ، عندما حاولت شكره على صبره ومحاولاته المتعدده لإرضاء كل فرد فى المجموعة ، وخاصة أننا شعب كثير الشكوى وكثير الإنتقاد وكثير الطلبات ، فنظر إلىّ وقال : يا صديقى أنا أريد أن أجعل كل إنسان يحب تايلاند .. فقلت له : طبعا فهذا من صميم عملك كمرشد سياحى .. قال : ليس هذا بالضبط ولكن تايلاند هى بلدى ، وأنا أحبها ، وعندما يحبها السائح سيحضر مرة أخرى ، ويعيش أهلى وأقاربى فى بحبوحة من العيش ، ويظل ميزان الإقتصاد بها معتدلا .. 
 
هنا يا إخوتى خطفتنى الذكريات السوداء ، وألقت بى على أرض الدموع ، والدماء ، والبلطجة ، والإجرام ، ومحاربة كل أنواع السياحة ، وغلق كل روافدها . مصر التى يذبحها المسلمون كل يوم ، ووجدت نفسى أمام معبد الملكة حتشبسوت والسائحات مذبوحات وقد مَثّل بأجسادهن الإرهاب الإسلامى وصرخات الله أكبر النصر للإسلام .. وطنين صرخات المشايخ والأئمة يدوى فى أذناى " السياحة حرام " .. 
أتذكر لهذا المرشد أيضا عندما جاء فى  اليوم الثانى وكنا سنسافر إلى بلد أخرى ، تبعد عن بانكوك ساعة ونصف بالطائرة ، ومن المقرر أن نمكث بها أسبوعا كاملا ، جاء إلى مطأطأ الرأس ، والخجل يأكل كل قطعة فى وجهه وقال : سمير ، سأضطر لترك أمى كبيرة السن وحدها حتى نعود .. فقلت له : لماذا لا تحضرها معنا .. هنا قال وقد تبدل الخجل فى وجهه إلى كل معانى الفرح : هل أستطيع ؟ !! .. فقلت له : بكل تأكيد فنحن أولا لسنا أستراليين ، بل أصلا أقباطا مصريين ، ونحترم كبار السن جدا .. وهنا ظل يشكرنى طوال اليوم ، ولكن طريقة أدبه وهو المرشد والرائد والمفروض أنه هو الذى يأمرنا بالتحرك والتصرف قد آسرتنى . ودخلتُ فى صراع المقارنة مرة أخرى بينه وبين المرشد السياحى الذى يتكلم من أطراف أنفه ،  ويزيف ويفبرك التاريخ حتى يتمشى مع شريعته الإسلامية .. 
 
بالرغم من فقر الشعب الملموس ، إلا أنك لو سرت فى أضيق الأزقة والحوارى فلن تقع عيناك على ورقة أو بقايا سجائر على الأرض ، ولكن الشوارع نظيفة وكأنها تُغسل كل ساعة .. فنظافة البلاد جزء من حب البلاد والخوف عليها والإنتماء إليها .. فللوطن معاني كبيرة ، وأحاسيس مختلفة ، وشعور بالانتماء ، وسيادة وإحترام وتضحية منقطعة النظير ، ومثال لعطاء المواطن الصالح .
يا إخوتى لا يوجد بالعالم بأكمله شعب يضر وطنه بالقدر الذي ضر به المسلمون مصر  ، ولا يوجد بالعالم وطن أعطى ويعطي لشعبه أكثر مما أعطت مصر للملايين من مسلميها ومن الشعوب الأخرى . ولكن وا مصراه !!!  فالعيب ليس بمصر ولكن العيب بمسلميها الذين لا يخلصون لها ولا ينتمون إليها .. ومن ينسى تصريحات مرشدهم الذى قال : " طظ فى مصر وشعب مصر والماليزى أقرب لى من جارى القبطى " ، وعلى هذا النوع من الإيمان وعدم الإنتماء ، أصبح النهب المنظم للخيرات التي تجود بها الأرض المصرية من معادن وغاز وثروات ، وحتى السرقات المستمرة للآثار ، يكفل كل ذلك ويستبيحه الإسلام والشريعة ، 
فليس من حب الوطن معاداة الوطن وأهله ، وليس من حب الوطن نهب خيراته وأمواله ، وليس من حب الوطن العمل على الفرقة بين أبنائه ، وغرس ونشر ثقافة الكراهية والحقد والبغضاء والمذهبية بينهم ، وليس من حب الوطن أن نبتز الوطن من أجل مصالح أنانية أو ذاتية ، ومصالح ما يحلمون به أى الأمة الإسلامية  .. إن الفارق بين حب الوطن وخيانة الوطن أمر واضح جلي لا يحتاج منا إلى إجهاد فكر حتى نتوصل إليه ، وما يفعله الإخوان والسلفيون فى مصر ، ومحمد مرسى العياط وعشيرته لهو جريمة ترتكب كل دقيقة فى حق الوطن والمواطنين ،  وكل شبر من أرض مصر التى باتت ترتوى بدماء أبنائها هذه الأيام  .. 
فى تجوالنا إكتشفت سرا غريبا فى حياة الشعب التايلاندى ،  وعرفت سر هذا الأدب الجم فى تعاملهم مع الزائرين ، وكيف يغرسون فى نفوسهم حب الوطن .. ففى زيارة أحد المعابد الكبيرة لبوذا هناك وجدنا أكثر من مئة شاب فى عمر الزهور وهم راكعون فى زى الرهبان وأمامهم راهب يبدو عليه رتبة عالية فى الرهبنة ، وبجانبه إثنان يبدو عليهما أنهما مساعدان وهم يقومون بمراسيم سيامة الرهبنة لهذا العدد الكبير من الشباب .. وعندما سألت المرشد لماذا يترهبن هذا العدد الكبير من الشباب .. قال : الرهبنة هنا فرض على كل شاب فى البلاد فلابد ، أن يقضى ثلاث سنوات من عمره راهبا متعبدا ثم بعد ذلك يمارس حياته الطبيعية ، غير الذين يحبون الرهبنة فينتظمون فيها .. وفهمت كيف يغرسون الأدب والأخلاق فى تكوين شخصية الشباب .. وليس كمصر يشوهون كل معاني الوطنية لدى الشباب ، و يقومون عن عمد بإزالة الفرق بين الحرية والفوضى ، ويقومون بالعبث بعقول الشباب ، ويزرعون فيها بذور الهدم والكراهية  والجريمة ، ولذا فهم يتعاملون مع الوطن بنكران لم يسبق له مثيل .. فلا يريدون ديمقراطية ولا مساواة ولا يريدون عدلا ، ولكنهم يريدون شيئا آخر ، يتمشى مع الشريعة الإسلامية قاتلة كل حقوق الإنسان .. أفيعقل أن نثق بصدق رجل ترعرع بهذه الطريقة ،  فخان حبه الاول "وطنه" وتنكر لبلده ؟؟؟ !! .. لا أظن .. 
فحب الوطن ليس مجرد قصة أو حكايه .. أو كلمة تكتب شعرا في أعذب أسلوب 
بل حب الوطن هو إخلاص ومبدأ وغاية  .. ترى به العيون وتنبض به القلوب .
 
 
 
 
 
 
 
 
.
 

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع