الأقباط متحدون - مُدْخَلاتٌ مَوْضُوعِيّةٌ لِوَضْعِ لاَئِحَةِ مَجْلِسِ الكَنِيسَةِ
أخر تحديث ٠٤:٠٤ | الأحد ٢ يونيو ٢٠١٣ |   ٢٥ بشنس ١٧٢٩ ش   |   العدد ٣١٤٥ السنة الثامنة  
إغلاق تصغير

مُدْخَلاتٌ مَوْضُوعِيّةٌ لِوَضْعِ لاَئِحَةِ مَجْلِسِ الكَنِيسَةِ

بقلم: القمص أثناسيوس فهمي جورج
عندما كان السيد المسيح منظورًا على الأرض كانت الكنيسة مختفية فيه؛ يعمل كل شيء لحسابها؛ لكن بعد أن صعد إلى السماء صار هو مختفيًا في كنيسته، تعمل هي كل شيء بإسمه ولحسابه.. لذلك كل عمل وكل خدمة كنسية إنما لا بد أن تقدم وتعلن المسيح. من أجل هذا تشكيل مجلس كنيسة هو عمل يجسّد حقيقتها؛ كتحقيق عملي للشركة والجموعية ومجالاً لتطبيق ما يسمى الآن ب (الديمقراطية).. فلا يُرضى أن يترك الكهنة خدمة كلمة الله؛ أي ليس من الحسن أن يتركوها من أجل المهام الإدارية والمالية والاجتماعية. ومن هنا جاء الانتخاب لمن هو لائق للعمل بمجلس الكنيسة؛ وجاء التعيين بحكمة الله لتكميل خدمة الكنيسة في غربتها على الأرض من أجل تدبير أعواز الزمان؛ إلى أن يأتي صاحبها ويأخذها للوطن الأبدي.

وعند النظر إلى مؤهلات أعضاء مجلس كل كنيسة؛ لا بد أن يكونوا من المشهود لهم؛ مملوئين من الروح القدس والحكمة حتى يُقاموا على هذه الحاجة بصفة رسمية (أعمال ٣:٦)؛ مع أخذ التنوع والتمايز والتعدد في التخصصات والمواهب والخبرات والخدمات النوعية والوزنات الموكولة الموزَعة من الروح القدس. إذ أن الكنيسة مؤسسة إلهية في أصلها؛ بشرية في فروعها؛ وكل الأعضاء اتحدوا وتطعّموا فيها؛ وأصبحوا شركاء يكوّنوا الكنيسة معًا. أساسها ليس من هذا العالم؛ بل في الإيمان بتدبير الخلاص الذي أكمله مخلصنا محب البشر الصالح. وبنيان الكنيسة يرتفع إلى السماء ولا ينحصر؛ لكنه يشمل خدمة الإنسان؛ كل الإنسان؛ بخدمة وعمل الأعضاء جميعًا؛ الموسومين للبنوة والمكرمين كجنس ونصيب إلهي؛ فيظل مجد الله ممتدًا؛ ويزداد بإمتداد الزمن؛ تمتد فيه الأجيال - (تتكاثر) - امتدادًا رأسيًا عبر الدهور الممتدة أفقيًا؛ من جيل وإلى جيل وإلى دهر الدهور كلها.
 
وما دامت هذه هي طبيعة الكنيسة؛ إذن لا بد أن يكون أعضاؤها وخُدامها العاملون في مجلسها عارفين كيف يجب أن يتصرفوا؛ مبنيين على الإنجيل؛ وكيف هي كرامة العمل الذي تشرفوا بالخدمة فيه؛ ليكونوا مثمرين في كل عمل صالح بأنواع الخِدم، وتكون خدمتهم خدمة ضم وتقوية وبناء وتكميل ونمو بالإيمان العامل بالمحبة، فيما يشبه برصّ الحجارة وبنائها، فكثيرون تعبوا ونحن ندخل لنكمل على أتعابهم، فنمتد نحو الهدف النهائي في تماسك مربوط بمفاصل مُحكَمة تتحرك مرتفقة لبلوغ ما نرجوه.
 
وتحسب الكنيسة كل أعمالها مقدسة؛ ولا تتم إلا بالبركة التي تحتاج إلى تدبير الروح القدس.. أهدافها إلهية غير محمولة بالتشويش ولا بكل ريح بحيلة الناس.. أهداف تخدم مجد الله؛ وخلاص النفوس هو غايتها؛ إذ أنها ليست مؤسسة ربحية أو تجارية أو ترفيهية، وهي أيضًا ليست تجمعًا بشريًا في حد ذاته، ولا تسعى للربح القبيح بكل صُوره، لذا لا تطلب ما هو للناس بل إياهم، برضاء اختياري؛ لا بالافتخار ولا بنفاق ورشوة العالم المقنَّعة؛ لكن بالموضوعية الروحية التي تحقق صلاح الخدمة ونجاحها وسلامها؛ لأن خدمة الكنيسة في استقامتها لا تعرف أنصاف الحلول ولا توجد مساومة فيها ؛ بل محاربة حسنة من أجل التتميم.
هنا تكون لزومية اختيار أعضاء مجلس الكنيسة كي تترافق مواهبهم على بعضها ويتكامل العمل؛ وتكون الكنيسة في النهاية لها ما يكفيها لخدمة الإيمان ورعاية النفوس عبر الإصلاح والتصليح والتصحيح والتقويم والتكميل في كل عمل صالح لما هو ناقص.. ومجلس الكنيسة يمثل صوت ضمير الشعب المميِز والقادر على أن يفرز بتعقل، ومن المفترض فيه أن يمنع مخاطر التفريط أو الإفراط اللذين هما عدوّان للكنيسة على مدى الأجيال، فلا سلطان مطلق في تدبير الكنيسة الأرثوذكسية؛ لأن ترتيبها التدبيري قائم على الشركة وتعظيم روح الجموعية وعدم إسباغ العصمة الشخصية على أحد (الأوتوقراطية).
 
فإذا جاء تشكيل مجلس الكنيسة ليكون تمثيلاً حقيقيًا للشعب؛ تكون قراراته وتدابيره قريبة من الموافقة العلنية، وتصبح الكنيسة كلها حاضرة عاملة متوافقة مع نفس طبيعتها اللاهوتية؛ بمزيج متبادل ومكمِل بعضنا للبعض كالأوتار بالنسبة للقيثارة؛ خاصة أن كل مجلس كنيسة محلية يتألف من المجال الجغرافي لها (Parish) يخدم احتياجاتها اليومية الحتمية؛ كأداة جماعية في يد الروح القدس؛ يجمعهم الاهتمام المشترك والحكمة والمشورة الجماعية.
 
ولا بد أن يدرك الجميع أهمية فتح المجال لقبول كل خدمة صادقة وأمينة في بيعة الرب؛ حتى ولو كان من يقدمها غير مفتون بالأسقف أو بالكاهن أو قليل المجاملة لهما؛ حتى لا يتعطل عمل الرب إرضاءًا للبشر الذين هم مع الكل إلى زوال. فقد ثبت أن الحكمة الجماعية الناتجة عن حضور الله في وسطنا؛ وعن الحوار الهادف وتبادل الآراء الأمينة ووجهات النظر المختصة هو أكثر أمنًا ونفعًا من الآراء الشخصية الأُحادية المنفردة.
 
استبداد الرأي إذا ساد فينا يُضعفنا ويؤزِّمنا، كذلك كثرة الكلام وقلة العمل تؤخرنا، أما ضعف المحبة الإنجيلية يُفقدنا معرفتنا بدورنا وطبيعة خدمتنا، لكن الإلهام والمشورة وغيرة الرب الآكلة تنمينا وتبنينا، فلا نزدري بالآراء التي لا تصدر عنا، ولا نرفض الأعمال التي قام بها خدام غيرنا أو من قبلنا، ولا نكدس الأموال كالغني الغبي؛ بينما بيننا جياع وعرايا ومرضى ومهمَشون وإخوة على قارعة الطريق، فلنحدد جدول أعمالنا بإستنارة؛ ونقيّمها ذاتيًا ومركزيًا؛ ونحسب أن خدمة الكنيسة هي التي تشرفنا؛ لا نحن. 

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter