بقلم: صبري جوهرة
تسارعت وتيرة "جهاد" الإرهاب و العنف المعلن مؤخرا و انتشرت بين حقول متباعدة شملت بوسطون و لندن و باريس بل ولم تنجو منها أيضا السويد, ذلك البلد المضياف الكريم الوديع. يقال أن هذا الالتهاب الدماغي شبه المفاجئ جاء كمحاولة "لإحياء" "ذكرى" إلقاء جيفة الشيخ أسامة بن لادن في مياه المحيط الهندي, و ان كان الإرهاب قد علمنا انه بطبيعته لا يتوخى الأسباب و لا يتبع المنطق و لا ينتظر المناسبات لشن ضرباته العبثية العشوائية القاتلة.
عند محاولة الوصول إلى أسباب هذا الهياج الاسلامى العارم على الغرب خاصة, نجد انه ربما يعود إلى شعور الإرهابيين المحبط بميل دول الغرب عامة إلى مساندة دولة إسرائيل ومحاباة اليهود, و التصدي لمحاولات القضاء عليها و عليهم. ذلك بينما لا يتفهم الإرهابيون آن هناك اسبابا عديدة لهذا "الانحياز" و انه لا يرجع بالضرورة لعداء كامن للإسلام و المسلمين الأبرياء.
يرجع التعاطف الغربي نحو الدولة اليهودية لمعطيات عدة سأسعى إلى تناول البعض منها فيما يلى من سطور.
أولا: ليس من أهداف اليهود, المعلنة على الأقل, ما يوحى بضرورة فرض قتال الامميين (غير اليهود) حتى يشهدوا جميعا أن لا اله الا يهوا و أن موسى (أو اى نبي آخر من أنبيائهم) رسوله. لا تهديد أو وعيد و لا تهويد أو جزيه أو قتل!
ثانيا: اندماج اليهود التام فى المجتمعات الغريبة دون محاولة لقلبها من الداخل او تهويدها, بل أن نتاج هذا الانصهار السلمي جاء مجديا إلى ابعد الحدود, بل لا يقل عن ان يكون مبهرا و قد افاد منه اليهود و العالم بأسره. و الدليل واضح للعيان: نظرة سريعة لأسماء الفائزين بجائزة نوبل من قوم لا يتعدى تعدادهم 16 مليون نسمة فى العالم ترى ان عدد اليهود فى قائمة نوبل يفوق اى عدد من الاثنيات اواتباع المعتقدات الأخرى بمن فيهم المسيحيين الذين يفوق تعدادهم البليونين. اما المسلمون ببليونهم فلم يقدموا للعالم الحديث سوى عدد لا يتجاوز العشرة من الفائزين. و هنا يجدربنا عدم الانخداع بالمقولة المبتذلة التي يحاول بها البعض انتزاع الفضل مذكرين الجميع بإسهامات العلماء المسلمين في الماضي السحيق. فنحن نحيا في هذا العصرالذى خطى بالإنسان سريعا نحو اعلي قمم الحضارة و الرخاء و التقدم و لا نجد فيه اثر يذكر لمشاركة المسلمين. و ألا وجب علينا ألا نسقط من الحسبان ما قدمت شعوب و امم قديمه عظيمة اخرى من مصريين و إغريق و رومان و هنود و صينيين و غيرهم.
ثم قارن هذا الانصهار العبري السلس بمحاولات المهاجرين الجدد من المسلمين لفرض شريعتهم المغايرة تماما لمقاييس و توقعات الإنسان المتحضر, خاصة فى الغرب, على الشعوب التى استضافتهم سواء بالسماح لهم بالهجرة القانونية او "السلبطة" و البقاء فى بلاد الغرب الكافرة خلسة و عنوة بل و العمل الخبيث على اسلم مستضيفيهم! و لن أتحدث هنا عما أصاب مدن الغرب الجميلة من تشويه و قذارة و إخلال بالأمن أو عن محاولات النصب و الاحتيال و استغلال فرص الافادة غير المشروعة احيانا من العطاء المالي و الخدمات التعليمية و الاجتماعية الأخرى التى تقدمها دول الكفر البلهاء المستضيفة. قد يطلع واحد او اثنين يهود نصابين بين جماعتهم, و لكن لم نسمع ان شكت الدول المستضيفة من سلوك يهودي جمعي معيب او عدواني مثلما يحدث من اخواننا المسلمين. و من المحتم أن يشعر الإنسان بالقرب ممن يشابهه في الفكر و السلوك و المظهر عن استئناسه بمن يخالفه بشدة. و من ثم كان تعامل الإنسان الغربي مع اليهود و السلوك نحوهم لا يختلف عن تعاملهم و سلوكهم مع اى إنسان "عادى" آخر بينما بدأ الأمر يختلف تجاه المسلمين.
ثالثا: ينتج عن الانصهار اليهودي فى مجتمعات الغرب المتحضر بالمقارنة بالتنافر والابتعاد الاسلامى الذى كثيرا ما يقود الى العدوان و الإرهاب, و بالتالى الى تخوف المجتمعات المضيفة من المسلمين. و هو ما يحلو لبعض المسلمين الشكوى منه بمرارة و مسكنه و يسمونه "الاسلاموفوبيا" اى الخوف من الإسلام! بالله عليكم, إلا يتوجس اى خواجا غلبان الشر, كل الشر, اذا ما صادف و سار خلفه فى احدى طرقات لندن او باريس او امستردام اوغيرها من مدن الشرك و الإلحاد ولمح واحد ماشى وراه يطرقع ب"زنوبه" و يتهادى بجلابيه باكستاني "ترواكار" و مربى دقن يعشش فيها النسر. طبعا سيتوجس الخواجا ما لا تحمد عقباه و يرتعب و يجيله فوبيا! ده لو ما جالوش يبقى معاق ذهنيا! و لكن, و بالرغم من ذلك, ستجده يعامل هذا الشخص الاخر, غريب المظهر و ربما الأطوار, بالذوق و العدل اذا ثبت له انه لا ينوى ذبحه حتى لو كان الذبح حلال. هنا يجدر بى ايضا ان الفت نظر القارئ الكريم الى انه بالرغم من كل ما سبق, فهناك بعض الفارق بين الفوبيا (الخوف) و الكراهية و ان كان ترسخ الفوبيا بسبب تكرار الأحداث الدامية سيؤدى حتما الى الكراهية بدرجة أو أخرى فلا عجب أن يكره الإنسان من يصر على قتله خاصة و أن كان القتل بلا سبب يعقل.
رابعا: الغرب يحركه المال و يتبع البراجماتيه فى معاملاته. و ما محاولات التعامل والتعايش مع العرب و المسلمين الا للحصول على نفطهم. أما ما عدا ذلك لما أعاروهم اى اهتمام و تركوهم لحالهم يتمرغون فى الرمال بين هواجس و هلوسات الخلافة و هجمات الكانيباليه المتتالية. و لا تظنوا ان الغرب محتاج إليكم بقدر حاجتكم إليه فلن تستطيعوا ان تشربوا النفط لو قاطعكم الكفرة و المشركين و الملحدين. ولكن, في مقدور هؤلاء , بما لهم من علم وفكر, الاستغناء عن نفطكم متى وجدوا أن ثمن الحصول عليه "ما يسواش تعب القلب" من الجري وراه.
من أسباب حماية الغرب لإسرائيل, ببساطة و صراحة مؤلمة, والاقتناع التام بان اليهود أكثر نفعا و فائدة للعالم المتحضر من المسلمين.
خامسا: الأمل الباقي للإسلام هو الإصلاح. نظره عابرة للتاريخ تظهر للجميع ان الفكر الاسلامى في عصوره الأولى لم يأت مطلقا من "المركز" (شبه جزيره العرب التى لم تجلب للإسلام و العالم سوى التخلف الوهابي) بل جاء الفكر و القيادة (أئمة التفسير و جمع الحديث و الفلسفه) من "الأطراف" حيث كان التوسع الاسلامى في أسيا الوسطى و فارس و الأندلس. أما فى عصرنا هذا, فقد انتقلت "الأطراف" الى الغرب. و من ثمة فان خلاص الإسلام اليوم من محنته يقع على عاتق مسلمي الغرب. لعلهم ينجحون في القضاء على شياطين بوسطون و لندن و باريس و إحالتهم إلى بشر يفكرون و يسلكون و يعملون بأساليب العقل و العلم و التحضر حسبما تعلموا و تعاملوا مع الآخرين في مجتمع صحي قويم. و لن يكلل السعي للإصلاح إلا إذا تسلح بالاقتناع التام بحتميته و ضرورته و ان يتم ذلك بوعي و إخلاص و عمل دائب حتى ينصلح الحال المايل الذي أصبح مصدر لدهشة و إزعاج و نفور العالم بأسره.