الأقباط متحدون - دميانة!
أخر تحديث ٠٥:٠٨ | الاثنين ٢٧ مايو ٢٠١٣ | ١٩ بشنس ١٧٢٩ ش | العدد ٣١٣٩ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

دميانة!

بقلم منير بشاى

بين يوم وليلة تحولت الفتاة البسيطة دميانة عبيد عبد النور (24 سنة) مدرسة التاريخ والجغرافيا فى مدرسة قرية نجع سلطان الابتدائية بالاقصر من حديث القرية الى حديث المدينة الى حديث مصر كلها.  والآن أصبحت دميانة حديث العالم، تتناول قصتها وكالات الانباء وتصدر بشأنها بيانات من منظمات حقوق الانسان الدولية ويناقش حالتها برلمانات وحكومات.
 
قالت عنها وكالة الأسوشيتدبرس "ان اعتقال مدرسة مسيحية على اثر مزاعم بعض الطلاب بالاساءة للاسلام يدل على تزايد التوترات الطائفية فى مصر".  وأشارت الوكالة الى شكوى الأقباط طويلا من التمييز والعنف الطائفى.  ودعت منظمة العفو الدولية الى الافراج عن دميانة قائلة "انه أمر شائن ان تجد مدرسة نفسها خلف القضبان بسبب درس.  اذا وقعت المعلمة فى بعض الاخطاء المهنية أو انحرفت عن المنهج الدراسى فان المراجعة الداخلية كافية".
لم تكن تظن دميانة الفتاة القبطية التى تعيش فى احدى قرى الأقصر النائية بصعيد مصر انها ستتحول يوما من نمط حياتها القروية الرتيبة لتصبح رمزا للمعاناة التى يعيشها الملايين من أقباط مصر. قصتها تعكس ما يعانى منه الاقباط من الحقوق المهدرة، والآن تطور الأمر مع الاقباط لتصبح حياتهم ذاتها مهددة.  أى قبطى أصبح معرضا ان يتهمه آخر بازدراء الاسلام ويقدم بلاغا مؤيدا بشاهدين زور لتنقلب حياته رأسا على عقب.  والغريب انه فى الوقت الذى تحول الازدراء بالاسلام الى سيف مسلط على رقبة كل قبطى فان حالات ازدراء الدين المسيحى التى يقشعر لها البدن من قبل متشددين اسلاميين ضد المقدسات المسيحية غالبا لا تلقى اهتماما من قبل السلطات.
الاتهامات الموجهة ضد دميانة تحمل فى طياتها دليل سخفها وعدم معقوليتها، وما كان يجب على وكيل النيابة التعامل معها بجدية بتحويلها للقضاء.  الاتهامات تتركز فى ثلاثة ادعاءات.  الاول: ان دميانة ازدرت الاسلام بقولها ان البابا شنودة أفضل من النبى محمد.  وثانيا: انها بشرت  بالمسيحية.  وثالثا: انها اسهمت فى تقويض أساسات المجتمع المصرى.
هل يعقل ان مدرسة مسيحية تقارن بين البابا ونبى الاسلام؟ وهل هناك وجه للمقارنة أساسا؟ لو كانت المقارنة بين البابا وشيخ الازهر أو بين المسيح ونبى الاسلام لكانت الاتهامات أكثر منطقية.
 
ثم هل يعقل ان معلمة  منتدبة لمدة اسبوعين تدخل نفسها فى امور شائكة مثل التبشير؟ خاصة ان معظم التلاميذ ينتمون الى عائلات اسلامية صوفية متشددة؟  واذا كان التبشير بهذه الاهمية بالنسبة للمعلمة فلماذا لم يشتكى أحد فى مدرستها الأصلية انها قامت به خلال كل فترة خدمتها؟
أما موضوع تقويض اساسات المجتمع المصرى بواسطة معلمة فى مدرسة ابتدائية فى قرية نائية فهو يدعو للضحك.  ترى هل اصبح المجتمع المصرى هشا بهذا المقدار؟
شهادة مدير المدرسة مصطفى مكى المسلم الديانة كانت تماما لصالح دميانة.  وهو لا مصلحة له فى الوقوف مع دميانة الا لأنه يعتقد انها الحقيقة المجردة.  بل ويمكن ان يقال انه كان من مصلحته ان يشهد ضدها فشهادته بتبرئة دميانة كلفته النقل من المدرسة.  وقد شهد مدير المدرسة ان بعض المتشددين حرضوا بعض التلاميذ.  وان المشتكين ضد دميانة كانوا مجرد ثلاثة طلبة من مجموع 43 انكروا جميعا ما قاله هؤلاء الثلاثة.  كما قال ان هناك فصل آخر فى نفس المدرسة تدرسه دميانة ولم يشتكى أحد فيه بشىء.  بل ان مدير المدرسة هذا كان قد أرسل رسالة للمحافظ يشكو وجود 15 مدرس متشدد فى مدرسته دون ان يتلقى أى رد.
 
بالمثل شهد مدير الادارة التعليمية أحمد عبد المحسن أحمد أنه ذهب الى المدرسة وحقق بنفسه مع الفصل ولم يحصل على دليل يدين المعلمة.  وأضاف ان الواقعة كادت تنتهى الى ان فجرها من جديد صحفى طرده مدير المدرسة لدخوله المدرسة بطريقة مرفوضة.  ونكاية فى مدير المدرسة نشر الصحفى خبرا كاذبا يدعى ان رئيس مجلس أمناء المدرسة تقدم بشكوى تفيد ازدراء الأديان.  ويقول مدير الادارة التعليمية "ولكن عندما قمت باستدعاء رئيس مجلس الامناء نفى انه تقدم بشكوى وأخذت اقرارا عليه بأنه لم يقدم أى شكوى".
 
المؤسف ان قضية دميانة قد خرجت عن مسار التحقيق القضائى المتجرد الى تحريضات وتشنجات لا صلة لها بوقائع القضية.  ففى تصرف غير مقبول قام أحد محامى المشتكين ضد دميانة واسمه حازم أبو الوفا متجلى بالتحريض على قتل دميانة فى مرافعته أمام القاضى قائلا "المعلمة ارتكبت جريمة بازدراء الاسلام فى معقل مدرسة اسلامية بنجع سلطان وهو ازدراء واضح ونحن لها بالمرصاد ونتمسك بطلباتنا وندعى بدمائها".
ويرى محامى دميانة ثروت بخيت ان "كلمات ابو الوفا تحريض واضح على اباحة دم دميانة بهدف اثارة الرأى العام وكسب التعاطف الدينى للبسطاء تجاه قضية خرجت عن اطارها القانونى الى اطار التسييس". ومن المؤكد ان هذا االتحرض هدفه أيضا ارهاب القاضى والتأثير على قراره.
وفى كلمات بدوى أبو شنب محامى دميانه المسلم "هذه القضية مثال لاختلاق جريمة".
Mounir.bishay@sbcglobal.net

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter