بقلم / رامى حافظ
يعرف فى الفقه والقضاء ان هناك مدرسة تهتم كثيراً بقصد المشرع وتعتبره قرينة من القرائن القوية فى فصل نزاع معروض عليها بين طرفين ، وتعتمد هذه المدرسة فى الفقه والقضاء على المناقشات التى دارت اثناء اعداد الدستور والقوانين والتى توضح معنى النص المعروض الذى يعالج النزاع ، فاذا طبقنا هذه الرؤية على النص الدستورى الذى منح مجلس الشورى سلطة التشريع وهى المادة (230) من باب الاحكام الانتقالية والعامة ، فسنجد ان المشرع الدستورى ( الجمعية التأسيسية ) حينما منح هذه السلطة كان فى اطار رفض جمع رئيس الجمهورية د.محمد مرسى السلطات الثلاثة ومعها السلطة التأسيسية فى الاعلان الاخير الذى اصدره قبيل الاستفتاء على الدستور .
 
فالقصد الدستورى فى منح سلطة التشريع لمجلس الشورى هو استثنائى وفى اضيق الحدود كذلك حالة المنح جاءت فى ظل مناخ رافض ومعادى لهذه السلطة وكان النص حلاً سياسياً لازمة طاحنة ، يظهر الجانب السياسى بقوة فى هذه الحالة والذى انتهى بهذا الوضع ، يترتب على ذلك نتجية اساسية هى ان القوانين التى ستقر من مجلس الشورى تخص وجود مجلس النواب صاحب الاختصاص الاصيل والذى سيمارس دوره الطبيعى فى اقرار القوانين كافة ، وبالتالى ان مناقشة قوانين مثل الضرائب والجمعيات الاهلية والسلطة القضائية ليس لها محل من الاعراب بل انه تحسب علبه بان المجلس يمارس دوراً سياسياً كاداة فى يد السلطة التنفيذية للتعامل مع اصحاب المصلحة على انهم خصوم وليسوا جزء من الوطن تعرض للكثير من المضايقات فى ظل النظام السابق ويبحث الآن عن دوره الطبيعى والمنطقى فى خدمة وطنه .
 
والسؤال هنا لماذا قانون السلطة القضائية والجميعات الاهلية على وجه الخصوص ؟
تأتى الاجابة نظراً للدور الذى تلعبه السلطة القضائية ومنظمات المجتمع المدنى فالاولى هى التى تدير الانتخابات والثانية هى التى تراقبها وبالتالى هم فى حاجة الى معرفة مواقف مكونات الطرفين حتى يتم وضع خطة لكيفية التعامل معهم ، وهى مسألة فى غاية الخطورة والحساسية فمن المفترض ان السلطة التنفيذية والتى يقودها حزب الحرية والعدالة لا تعمل او حتى تفكر بهذه الطريقة فطبيعة الامور لا مجال لمعرفة ذلك وان المجال الطبيعى هو اجراء انتخابات حرة ونزيهة هذا عن الامر الاول .
 
اما الامر الثانى معرفة مدى اتصال هذه الاطراف بالظرف الدولى وهو بالنسبة للاخوان العامل الحاسم فتواصل المنظمات المحلية مع مثيلتها الاوربية والامريكية كان له بالغ الاثر فى اصدار بيان الخارجية الامريكية الذى حسم مسألة قانون الجميعات الاهلية وكذلك موقف نادى القضاة الذى تحدث صراحة فى هذه المسألة ، وهو الأمر الكاشف لموقف الاخوان المصيرى من مسألة الظرف الدولى فحديث المستشار الزند كاملاً لم يتم التعليق عليه وتم التركيز على الاستدعاء الدولى للتدخل لحسم الموقف مع السلطة القائمة والتى تسيطر عليها الاخوان .
 
وللتدليل على مسألة التحليل ففى قانون السلطة القضائية فحزب الحرية والعدالة لا يتحدث عن استقلال القضاة بل يتحدث عن الاطاحة بـ 3500 قاضى تحت ذريعة السن ، وفى قانون الجميعات الاهلية لا يتحدثون عن الدور المهم للمنظمات فى الدفاع عن الفئات المهمشة ولكن يتحدثون عن المجالات التى يجب ان يعملون بها وطريقة تنفيذ هذه الاعمال ، وقد ظهرت بالفعل منظمات فى الاستفتاء على الدستور فى ديسمبر الماضى تلعب الدور الذى تريده السلبطة القائمة والمشكلة مع المنظمات الاخرى التى ترفض مثل هذه التصرفات .
 
أذن ان مجلس الشورى يعد فى هذا الاطار مخلب القط او الوجهة الديمقراطية لحسم صراع سياسى واضح الهدف منه معرفة مواقف الاطراف الفعالة فى مسألة الانتخابات ، وهو هنا يصنع أزماته وخاصة ان سبب وجوده اجراء كان غير متعارف عليه دستورياً او قانونياً ولا تحدثت عنه اى مدرسة فقهية قبل ذلك فقد كان بقرار من سلطة المفترض هو المراقب عليها ويعمل على محاسبتها ولكن العجيب اصبحت هى الآن صاحبة الفضل عليه ويرد لها الجميل بتنفيذ قراراتها ، ان الاغرب فى مسألة ان الممارسة التى يستخدمها المجلس ليست فقط خارج اختصاصه ولكن ايضاً بنفس اسلوب النظام السابق فطريقة اقرار القوانين هى طرح العديد من المسودات على القوانين حتى تشتت الجهود وتنظر بشكل مفاجئ ويتم اقرارها باغلبية مستعدة وجاهزة للتنفيذ .
 
ان مشكلة مجلس الشورى الحالى ليست فقط فى مسألة الثقة فى وجود المؤسسة ودورها الطبيعى فى العملية السياسية الديمقراطية السليمة ولكن ايضاً يضاف اليها ممارسات المجلس ونوابه من تطاول على السلطات والمؤسسات الاخرى اثناء القاء الكلمات وحالة التربص لكل يتحدث عن اى انتهاكات لحقوق الانسان فى ظل حكم د.محمد مرسى ، قد نتفهم ان حالة التحول الديمقراطى احد ابرز مظاهرها تخبط المؤسسات ولكن ايضاً من المفترض انه هذه المرحلة قد انتهت وان المرحلة الدستورية قد بدأت ، وهذا هى الازمة ان الدستور الذى كانت وظيفته الاساسية هى انهاء مرحلة ضبابية وبداية مرحلة مستقرة ودستورية هو السبب فى حالة التناحر والتناطح بين مؤسسات الدولة بل انه يهدد كيان الدولة التى تعيش فى مرحلة اقتصادية طاحنة .
 
ان البداية تبدأ من الدستور فى حل المسائل الخلافية حتى تستقر المؤسسات ، وايضاً ان يبدا مجلس الشورى فى ممارسة دوراً اكثر حيادية ويبحث عن استقرار المؤسسات ودعمها بالتشريعات اللازمة وليست بتطويعها لصالح الرئيس والحزب الحاكم .