الأقباط متحدون - عن خرافة التحصين الدستورى لمجلس الشورى
أخر تحديث ١٩:٢٢ | الأحد ٢٦ مايو ٢٠١٣ | ١٨ بشنس ١٧٢٩ ش | العدد ٣١٣٨ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

عن خرافة التحصين الدستورى لمجلس الشورى

بقلم: دكتور وجدى ثابت غبريال
 
بعد أيام قليلة ستفصل المحكمة الدستورية العليا فى الطعن على دستورية قانون مجلس الشورى و بهذه المناسبة يعن لى ان اسرد نوعين من الحقائق التى تتعلق بالموضوع و ما تردد حوله . و اول هذه الحقائق سياسي و الاخر قانونى. 
 
اولا الحقائق السياسية المرصودة واقعيا :
الحقيقة الاولى : فى عهود التخلف الدستورى -التى تقوم عليها انظمة قمعية تساندها طرة من رجال القانون - تتبارى الجهود فى تحصين العمل غير المشروع و تتفنن قرائح " ترزية القوانين" الجدد فى وضع القرارات المعدومة بمنأى عن الرقابة القضائية. 
 
الحقيقة الثانية : طرة من أصحاب الرأى الغريض من الذين نالوا مكافأة التخلى عن الضمير العلمى منصبا أو مكانة، وكأن وظيفة أستاذ جامعى لا تكفى لإشباع نهم لا يرضى (بضم الياء) فيرضى ( بفتحها)، قرروا تزييف أبسط مبادئ القانون العلمية التى نقوم بتدريسها لطلاب الحقوق منذ السنة الأولى حتى يساندوا أوضاعا باطلة قانونا وغير مقبولة سياسيا. و أشفق أن أرى علم القانون فى مصر و قد أخرسه الوهن وأسكته دوى الغوغاء و هواة المناظرات الاعلامية التى يتبارون فيها بين جاهل بدرجة ضعيف و جاهل بدرجة ضعيف جدا. و هكذا نتحول من الرأى الغريض إلى الفكر المريض ويفتقر علم القانون إلى الموضوعية والعلمية والسداد. و من هنا كان الواجب بالتذكير ببعض الحقائق العلمية التى يجب الا تغرب عن البال اذا كان لكلمة " علم القانون " فى مصر اى معنى
 
ثانيا الحقائق القانونية : 
 
الحقيقة القانونية الاولى : 
ان تحصين مجلس الشورى الحالى بالمادة ٢٣٠ من الدستور التى اسندت له مؤقتا و على سبيل الاستثناء القيام بالوظيفة التشريعية هو هراء لا اكثر و لا أقل. بل لا علاقة لهذا الادعاء بالاختلاف فى وجهات النظر لانه خطأ علمى جسيم او خزعبلات تثير السخرية او الشجن. و ذلك للاسباب الآتية: 
اولا . ليس فى الدستور الجديد بالفعل اى نص صريح يمنع المحكمة الدستورية من نظر دعوى دستورية مقامة امامها قبل العمل بالدستور ذاته و الفصل فيها كما تشاء حيث لا يجوز التدخل فى شئون العدالة
ثانيا ليس بالدستور الحالى ما يحظر على وجه الخصوص القضاء ببطلان تشريع سبق القضاء ببطلانه فى حالة اخرى و هى حالة مجلس الشعب فى ١٤ يونيو الماضى.
 
ثالثا . ليس فى نص المادة ٢٣٠ اى عبارة مانعة من القضاء ببطلان التشريع الذى تشكل الشورى على اساسه لان مهمة المحكمة الدستورية ليس القضاء بحل المجلس و انما القضاء فى دستورية او عدم دستورية نص تشريعى . و الحل ليس الا نتيجة منطقية لازمة لعدم الدستورية اذا ما قضى بها.
رابعا . لم تنص الماده ٢٣٠ من الدستور إلا على " تولى مجلس الشورى بتشكيله الحالى سلطة التشريع" و لم تحصن بأى حال من الاحوال هذا التشكيل الحالى (و يقصد بكلمة "الحالى" فى النص لحظة بدء العمل بالدستور) بدليل ان رئيس الجمهورية تدخل لاحقا على ذلك التشكيل ( الذى كان قائما لحظة نفاذ الدستور) و قام بتعيين ٩٠ عضوا ( حوالى ثلث الاعضاء من اتجاه سياسى واحد !!!) 
 
خامسا . ليس فى هذا النص ( م ٢٣٠) الا اسناد لمهام مجلس الشعب الى الشورى لحين انتخاب مجلس النواب اللهم الا اذا تدخل ظرف اسثنائى كالقضاء ببطلان قانون مجلس الشورى قضائيا مما يترتب عليه حله لبطلان تشكيله (كاثر مترتب على بطلان و عدم دستورية قانونه). و من المستحيل ان نتصور ان السلطة التاسيسية كان يمكنها ان تورد نصا خاصا فى حالة بطلان قانون انتخاب الشورى لانه يكفى الرجوع الى المبادئ العامة فى القانون لمعرفة ان الدعاوى المنظورة امام القضاء يعمل فيها بالقانون الواجب التطبيق لحظة رفع الدعوى و ليس لحظة الحكم فيها. 
 
الحقيقة القانونية الثانية:
الدستور الجديد ( و هو القاعدة القانونية الجديده) ليس له اثر رجعىعلى المراكز القانونية و الدعاوى القضائية المرفوعة قبل نفاذه ولم يصدر فيها حكم بعد ( و فقا لنظرية الاثر الكاشف فى دعاوى الالغاء و فى دعاوى الدستورية )، هذا اذا كانت تلك المراكز صحيحة قانونا فما بال لو كانت هذه المراكز باطلة و قائمة على نصوص يعتورها البطلان القانونى لمخالفتها للقواعد الدستورية التى نشأت فى ظلها . فقانون انتخاب مجلس الشورى يقضى فيه بحالته التى كان عليها وقت رفع الدعوى او وقت الاحالة الى المحكمة الدستورية و العبرة بلحظة اتصال علم المحكمة به. و الا زال الاثر الكاشف للاحكام فى الدعاوى الدستورية. و هو امر لصيق بالدعاوى العينية كالالغاء و الدستوريه. 
 
الحقيقة القانونية الثالثة 
حتى لو نحينا الحقائق القانونية و العلمية جانبا و اخذنا بالنصوص الدستورية الحاليه و حسب فقانون انتخاب مجلس الشورى يجب ان يقضى ببطلانه أيضا لانه يعتمد قاعدة الثلث و الثلثين بدون النص على امكانية الثلث ( المستقلين) من منافسة الثلثين ( قوائم الاحزاب) على المقاعد. و هذا النص التشريعى المطعون عليه حاليا امام المحكمة الدستورية العليا مخالف فى ذاته لنص المادة ٢٣١ من الدستور الحالى التى تكفل للاحزاب و للمستقلين على حد سواء امكانية المنافسة و الترشح على جميع المقاعد بينما يقصرها النص الطعين على الاحزاب فقط دون المستقلين . 
و هذا يعنى انه حتى بمعيار الدستور الحالى قانون انتخاب الشورى غير دستورى.
 
الحقيقة القانونية الرابعة : 
من الأقوال الشائعة و المغلوطة التى تتردد بجهل ، أنه يكفى أن نحيل للاستفتاء أى عمل قانونى باطل فيطهره الاستفتاء من البطلان. و هذا لا يعدو أن يكون بلها لا علاقة له البتة بعلم القانون، لأن سلامة الإجراء ودستورية التشريع أوصحة القرار هم شروط سابقة على الإحالة للاستفتاء. فلا يجوز عرض عمل باطل قانونا على الاستفتاء ولا يجوز أيضا إحالة قانون غير دستورى على الاستفتاء. و اذا تم الاستفتاء فى هذه الحالة فهو غش نحو الطستور لذا لا يطهر الاستفتاء العمل القانونى الباطل من اوجه بطلانه و من عيوب تكوينه.
 
إن الآراء التى نادى بها البعض لترقيع بطلان أو إحياء معدوم هى من الشذوذ إلى درجة أنه يمكن أن نقارنها بالزعم القائل بعرض أى عمل إجرامى : سرقة، قتل، اغتصاب، نصب، احتيال، على الاستفتاء لتحليلها أو لإضفاء الشرعية عليها. الإجراء غير الدستورى لا يصححه الاستفتاء كما أن الجريمة لا تستحيل عملا مشروعا بالاستفتاء. لان أوجه المخالفة الجنائية والإدارية ليست أعلى ولا أسمى من أوجه المخالفة الدستورية. وتبعا فإذا كان الحظر القانونى والتشريعى أو الجنائى لا يطهره استفتاء فإن الحظر الدستورى والقضائى لا يطهره استفتاء أيضا. 
 
فى النهاية : تساؤلات ! 
لماذا لم يفكر أولا من يريدون تحصين العمل القانونى غير المشروع فى الالتزام بقواعد المشروعية بدلا من محاولات الالتفاف عليها وبذل كل هذا المال والجهد لإنقاذ عمل فاسد ومعدوم قانونا؟
كيف يقبل ترزية القانون الجدد ترديد خزعبلات التحصين المصابه بالهوى السياسى البين او بالهوى الشخصى الجامح ؟ 
 
استاذ القانون الدستورى و الحريات العامة
بكلية الحقوق و العلوم السياسية
جامعة لاروشيل -الجمهورية الفرنسية
عضو الجمعية الفرنسيه للدستوريين 

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter