بقلم مهندس عزمي إبراهيم
العظماء القياديون ذوو السِيَر السامية، الذين حاربوا الظلم وناصروا الحق ونادوا بالحرية والعدل للمظلوم في العصر الحديث كالمهاتما غاندي أو مارتن لوثر كنج أو نيلسون مانديلا، لو كانوا ظهروا في العصور الماضيات، لدعاهم الناس أنبياء ولكان لهم تابعون. ولو أمكن لأحد هؤلاء زيارة مصر اليوم لخرج المصريون عن بَكرة أبيهم، مسلمين ومسيحيين، إلى مطار القاهرة وميادين وشوارع مصر له تكريماً لشخصيته وإجلالا لسيرته ومبادئه الإنسانية الرائعة. وحقاً هم مستحقون للتكريم والتقدير. هذا مجرد خاطر رشيق يراود فكري بين الحين والحين. ما علينا.. فلندخل في موضوع المقال.
المسيحية هي إيماني وعقيدتي. ومن تعاليم عقيدتي أن أحب وأحترم كل البشر حتى من لا يؤمن بعقيدتي. فإلى أخي المُسلم، الذي هو طبعاً لا يؤمن بما أؤمن به، أقول: رغم أنه من واجبي الروحي أن أتمَـنى أن تؤمن بما أومن به، إلا أني أؤمن أيضاً بأن الله لحكمته خلق الوجود بكل ما فيه من أديان وعقائد ومذاهب متناثرة في أرجائه. كما أني أؤمن تماماً أن لك ولكل إنسان على سطح الأرض كامل الحرية في تحكيم العقـل والمنطق اللذان ميزنا الله نحن البشر بهما دون الحيوانات والهوام في إختيار وتقدير ما نعتقد.
وهذا هو الشق الجميل النابع من إيماني وعقيدتي، وهو حرية الآخرين فيما يعتقدون. لأن الاقتناع والاختيار الحُـر هما أقوى دعائم الإيمان السليم، وأكرم لِعِزَّة المعبود. و كتابُك يا أخي المسلم يؤكد ذلك المبدأ في قوله " لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ " (البقرة:256)
ما أوردت أعلاه كانت مقدمة للمقال موجهة لأخي المُسلم "الإنسان"، الذي هو مؤمن بعقيدتة وفي ذات الوقت لا يهدِر إنسانيته وعقلانيته. أي المسلم الذي يؤمن بأن اختلاف العقيدة هي الفارق الوحيد بينه وبيني، بل بينه وبين كل البشر حتى من نفس دينه. وأن العقيدة أمرٌ روحيّ وعلاقة خاصة بين الإنسان وخالقه أو معبوده، وليس لأيّ إنسان آخر أو لهيئة أو جماعة أو حكومة دخلا به. لكني أوَجِّـِه مقالي أساساً إلى المسلم "المتأسلم" الذي يلقي عَليَّ الوَحل لأني مسيحي. الوَحل العفن النابع من جهله بدينه.
أوَجِّـِه مقالي أساساً إليكم أيها المسلمين لقباً والمتأسلمين قلباً وفكراً ومظهراً وأفعالا، مُدّعي الفقه والتدين وطبعاً إلى البؤساء التابعين لكم. وكلكم جاهلون بما جاء بكتابكم وأقوال نبيكم. حيث تقذفون السباب والانكار على السيد المسيح له المجد، وتلفقون الاتهامات والاهانات والتكفير على المسيحيين الأبرياء المسلمين جزافاً.
أسألكم: من هو المسيح أو عيسى النبي، أوعيسى ابن مريم كما تعرفونه؟؟
أولا: من هو المسيح من واقع كتابكم، وأحاديث نبيكم؟؟
مَن قيل عن أمِّـهِ أنها عذراء مُقدَّسة ومُطهَّرة ومُكرَّمة. وخاطبها الله وملائكته، وذكرها إلهكم مراراً بأفضل الذكر. بل خصَّصَ لها سورة كاملة باسمها، أفاض عليها فيها وفي غيرها تقديراً عظيماً. ووضعها في مرتبة فوق نساء العالمين طرة، حتى أمهات وزوجات وبنات الأنبياء جميعاً. حيث قال:
** "وإذ قالت الملائكة: يامريم إن الله إصطفاكِ وطهركِ، واصطفاكٍ على نساء العالمين" (آل عمران 42)؟؟
ومن الذي قال عنه إلهُكم:
•• "قـَول الحـق" (مريم 34)
•• روح من اللـه "روح منـه" (البقرة 87) و(سورة النساء 171) و(المائدة 113) و(مريم 17) و(الانبياء 19) و(الحريم 12)
•• كلمة من اللـه "كلمة منـه" (آل عمران 45)
•• "وجيـهاً في الدنيـا والآخـرة" (آل عمران 45)
•• "إني متوفيـك ورافعـك إليَّ" (آل عمران 55)
•• "وآتينـاه بالبَيِّنـات" (البقرة 87)
•• "وأيدنـاه بالـروح القـدس" (البقرة 253) و(المائدة 110)
وكلها صفات وسمات بَيِّنات واضحات لم يُلقب بمثيلها أي نبيّ.
ومَن مِن الأنبياء جميعاً قام بمعجزات ليست من سلطة بشـر، بل من هي اختصاصات الله وحده، من بينها المقدرة على الكلام في المَهْد، ومقـدرة الخَلـْق، وإحياء الموتى، وشفاء المستعصى من الأمراض كشفاء الأبرص والأكمَه أي المخلوق مولود أعمى:
•• "تُـكلِـِّم الناس في المهد وكهلاً" (المائدة 110)
•• "تخلـُق من الطين كهيئة الطير فتنفـخ فيها فتكون طيرا" (المائدة 110)
•• "وتبرئ الأكمَه والأبرص" (المائدة 110)
•• "وتخرج الموتى" (المائدة 110)
ومَن قال إلهـكم عن كتابه المقدس وعن المؤمنين به:
•• "وآتينـاه الإنجيل فيه هُـدى ونـور" (المائدة 46)
•• "وجعلنـا في قلـوب الذين اتبعـوه رأفـة ورحمة" (الحديد 27)
•• "ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنـَّا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون" (المائدة 82)
وأسألكم أيضاً: من قَصَدَ نبيُـكم في حديثه (صحيح البخاري، جزء 3، صفحة 107): •• "والذي نفسي بيده، لن تقوم الساعة حتى يأتى فيكم ابن مريم حَكَماً مُقسِطاً"، أي حَكَماً عادلاً يوم البعث. ومن البديهي أن سُلطة الإقساط وإقرار العدل بين العالمين يوم القيامة سُلطة إلهيـة عالية لا يملكها إلا الله ذاته.
وأضيف إقراراً للحق ومدعاة للعجب: لم يُذكر في كتابكم ولم يَصدر من نبيِّكم تبجيلأ وتكريماً لأي نبيّ من الأنبياء عُـشرَ ما ذكِر من تبجيلٍ وتكريمٍ للسيد المسيح، عيسى النبي كما تدعونه، ولأمِّه السيدة العذراء. ورغم ذلك فأنتم أيها الإسلاميون المتأسلمون مُدَّعو التدين والمتخذزن الإسلام سلطة وتجارة، وطبعاً البسطاء الجهلاء، لم تقوموا بسَبِّ وقذف واهانة وتقليل أي نبي وتابعيه مثلما تفعلون ليلاً ونهاراً، علناً جهاراً، تجاه المسيح والمسيحيين!!.. وأسأل نفسي:
أهذا عن حِقـدٍ، أم عن صَلفٍ، أم عن غباءٍ، أم عن جهـلٍ.. أم عن مزيج كريه من كل تلك الموبقات؟؟
بناء على ما جاء بمقدساتكم أطرح سؤالي الأول:
أليس المسيح، بإيجاز، هو من لم يُولـَدُ كما يُولـَدُ بشـر، وقيل عنه روح الحق، وروح من الله وكلمة من الله كما لم يقال عن بشر، ولم يُدفن جسده في تراب الأرض كما يُدفن البشر ويأكل أجسادهم الدود ويؤولون إلى تراب وعظام رميمة. بل هو موجود الآن بالسماء حيـاً، وهو الذي سيأتي في اليوم الأخير ليحكم بالعدل بين العالمين ومِنهم الأنبياء والرسل لأنهم بشر، وتلك سلطة عالية لم تمنح ولا تمنح لبشرٍ مهما علت سلطاته وروحانياته، حتى أنه لم يُوًكَّل بها نبي أو رسول.. لأنها سلطة الله وحـده جَلَّ جلاله؟؟
ثانياً: من هو المسيح من واقع المراجع العالمية ومنها الاسلامية والعربية؟؟
إذا نظرنا من زاوية أخرى إلى سيرة السيد المسيح كما يعرفه العالم بعيداً عن الكتب الدينية، فمن واقع الحقائق الثوابت بالمراجع التاريخية العالمية ومنها الإسلامية والعربية طبعاً، نجد أن السيد المسيح عاش طاهراُ نقياً لم تمْسُسْه شائبة أو شائنة من شهوات وخطايا البشر. لم يحمل أو يشهر سلاحاً، ولا أباح لأتباعه إشهار السلاح، بل نشر الطيبة والوداعة وبشر بالسلام ونادى بالأخوة والتسامح والمودة والمحبة للجميع حتى للأعـداء. ولم يملك درهماً واحداً في يـده أو في جيبـه طوال حياته. وكان رمزاً للأتضاع والبساطة والوداعة والمروءة والبراءة والعطاء والسماحة، وأوصى أتباعه أن يكونوا ودعاءً كالأطفال. وعَلـَّم أتباعه أن من ينظر إلى إمرأة واشتهاها فقد زنى بها في قلبه، وأوصاهم بعمل الخير ومجازاتهم على ذلك يوم القيامة بحضرة َ الله القدوس في ملكوته الطاهر.
ومن هنا أطرح سؤالي الثاني:
رجوعاً إلى افتتاحية مقالي بالخاطر الرشيق الذي يراود فكري بين الحين والحين. من واقع سيرة السيد المسيح، في حياته على الأرض كبشر.. فرضاً. أي لو افترضنا أنه ليس هو، ليس إلـهاً ولا نبياً أو رسـولاً، وكان مجرد رجلاً مثل غاندي ومارتن لوثر كنج ونيلسون مانديلا. وحاشا له أن يُساوَى بهؤلاء مهما عظموا. فهم بشر، وكل البشرٍ خطـَّاءون، أما هو فكان "بلا خطيـة". أسألكم: أليس السيد المسيح بتعاليمه وسيرته العاطرة بل المقدسة مستحقاً للتكريم والتقدير والإحترام والتقديس، بدلا من قذفه بالسباب والإهانات والانكار، ومتابعة المؤمنين به بالظلم والعنف والتهجير والتكفير والاتهامات الظالمة والمفتعلة؟؟
أترك لكم يا أخوتي المسلمين "المتأسلمين" الحرية أن تجاوبوا هذين السؤالين محتكمين إلى عقولكم وحكمتكم وإلى الجميل الكريم من دينكم. وأن تحتفظوا باجاباتكم لأنفسكم ولضمائركم. فبهذه المدونة لم أهدف إلا أن أقدم لكم عيسى ابن مريم، لا من واقع عقيدتي، بل من واقع مقدساتكم التي تؤمنون بها، ومن واقع حقائق التاريخ الذي لا يَكذِب ولا ينسى. هذا هو السيد المسيح الذي تكرهونه وتحاربون أتباعه وتكرهونهم وتظلمونهم خلافاً لما أقره دينكم ونبيكم والمباديء الإنسانية النبيلة. عسى أن تروا النور من الظلام، والطيِّب من الباطل... فتعـدلـوا وتكتسبوا رضـاء اللــه تعالى.
وكما أوصاني ربي.. لكم مني محبة وسلام.