بقلم : سمير حبشــــــــــــى
خرجت تلملم جـراح أحـزانٍ وفــــــــية ، أتكلم يا إخوتى عن مريم المجدلية .. بعد أن رضعت الحزن من ثدي الزمان الغاشــم ، وتجمَع الدمع في مقلتيها ، و تجمدت مشاعرها ، و تحولت أحزانها الى جبل من الجليد ... جُرحها أكثر عمقا من أن تواجهه ، و أكثر نزفا من أن تجرؤ على البوح بمقدار أحزان قلبها المعصور والجريح ، ودموع وآلام وأشجان ، لا تستطيع أن تصدق والموت كان أمامها ، موت قاسي صريح ، وفى الظلمة وسوادها العنيف ، سارت وأشباح أشجار حفيفها مخيف ، والحداد يسربل كل الأجفان ، وصمت الطبيعة يُعبر عن كل الأشجان ، والكون مسربل بعباءة من الأحزان ، و الشمس فى موات ينقصها الأكفان ، هل يعقل ؟ !! . هل فعلا الله فى القبر طريح ؟؟ !! .
مريم المجدلية يا إخوتى .. التي أخرج منها الرب سبعة شياطين ، والتي غسلت رجليه ونشفتهما بشعرها .. لم يقبل قلبها ، ولم يرض أن يكون الموت هو نهاية يسوع .. يسوع المسيح الذي أحبها .. تحركت حسب هوى قلبها الذى إحتلته الشياطين ، قبل أن يحررها يسوع ، جال بخاطرها كيف من زجر الشياطين ، وأمرهم ففى الحال تركوها خوفا منه .. يموت ؟ !! .. جاءت الى القبر ودموعها تسبقها ، ورأت الحجر مدحرجاً .. والختم مكسورا .. والقبر فارغا .. لم تدرك أن يسوع المسيح قام ، وصرخ فؤادها أين أجد جسده الميت ؟ لتدهنه بالطيب ، لم تدرك أنه القيامة والحياة . هناك قال لها الملاك : ما بالك تطلبين الحيّ من بين الأموات .
عند الآه الأخيرة لرب المجد التى زلزلت ، العالم وسمع الكل بعدها كلمات " قد أكمل " التى كانت الإمضاء والختم الأخير على كتاب الخلاص ، الذى منحه الله لكل من يؤمن بصفحات هذا الكتاب .. بعدها أسلم المخلص الروح ، وتعجبوا جميعا لسرعة موته ، كما تعجب بيلاطس عند سماعه بموت المسيح سريعاً ، ولم يسمح بإنزال الجسد عن الصّليب إلاّ بعد التّأكُّد من ذلك ، بسؤال قائد المئة الذى خلع عن رأسه الخوذة إحتراما ، عندما رأى غضب الطبيعة على الإنسان الذى صلب خالقها ، وأظلمت الدنيا ، واكتسحت الرياح كل ما هو فى طريقها حتى الجبال تشققت ، وقال حقاً كان هذا الانسان ابن الإله. (مرقس15/39). كما أضاف معلمنا لوقا أيضا عن الحاضرين النص التالي : - وكل الجموع الذين كانوا مجتمعين لهذا المنظر لما أبصروا ما كان رجعوا وهم يقرعون على صدورهم. (لوقا23/48) .. تعبيرا مجسما عن الحسرة وعدم استيعاب الحقيقة قبل فوات الأوان .
ودفن يسوع .. و قمطوا إبن الإنسان بالطيب والأكفان .. بينما ما زالت الريح تُزمجر فى الزوايا ، والأرض تتمايل كالسفن بين الأمواج .. وترقُب العيون الجسد المحمول إلى القبر، وهى مزمُومة ينفجر منها الدمع المدرار بلا توقف ولا سيطرة عليه .. أشعر يا إخوتى أنهم كانوا يتمنون لو صنعوا قبرا من لحم أجسادهم .. أو يقفوا فى وجه الموت حتى لا يطول المعلم الذى كان يجول بينهم ليصنع خيرا . يشفى مرضاهم ، ويقيم موتاهم ، ونسوا أنه " مكتوب " .. ودُفن يا أبناء يسوع ، الممجد فى صمت جليل فى قبر جديد .. ودحرجت القوة الحارسة من العسكر الحجر الكبير، وسد به باب القبر ، و في حضور الجنود الرّومانيّين الذين خُصِّصوا لحراسة الشعار الروماني الذي يمثِّل قوة ونفوذ روما وُضع " الختم " .. وتقول كتب التاريخ أن الختم كان يوضَع ، ولا يمكن فتح الباب بدون كسر الختم ، وهذا يمثِّل جريمة شنعاء في حقّ مالك الختم أى الإمبراطور الرومانى . والشخص أو الأشخاص الذين يتجرأون على كسر الختم سوف يكونون مسئولين أمام الحاكم المحلّي ووكلائه .. في الحقيقة كان كسر الخَتم الرّوماني في زمن قيامة المسيح أمراً يخشاه الجميع.
إخوتى لقد انكسر الختم عندما تدحرج الحجر، وقام المسيح فى اليوم الثالث كما فى الكتب .. وحالة وجُود القبر فارغاً كُتِبَتْ فى جميع الأناجيل .. لقد كُتبَتْ بإرشاد الروح القدس ليعرف كل العالم الحقائق التي يريدون معرفتها عن القيامة ..
ونحن فى الخماسين المقدسة أى فى أيام الفرح ، حتى فى حالة إنتقال عزيز علينا ، لا تأخذ الصلوات عليه الرتم الحزين لأن الموت المحزن الذى يعتصر القلوب ، ويدر الدموع الساخنة من المآقى قد هُزم وإندحر ، فالعريس معنا وأفراح القيامة مازالت ترفرف أعلامها على أبواب قلوبنا - والختم قد إنكسر - .. وبنظرة مستفيضة بالتمعن داخل كل قبر لو قدر لنا هذا ، سوف نجد كل القبور مشغولة وليست خاوية ، بها بقايا الجسد الفانى مهما كان شاغلــــه عظيما أو ذا سطوة ، قبر أينشتين مشغول ، قبر بيتهوفن مشغول ، قبر كونفشيوس مشغول، قبر بوذا مشغول ، قبر هتلر مشغول ، قبر محمد صاحب الآيات الشيطانية مشغول ، وكل قبور القادة العظماء مشغولة ، وحتى كل قبور الأنبياء والرسل مشغولة .. لكن قبرا واحد ظل فارغا هو قبر السيد المسيح ، خال لانه قام وتركه خاليا ليشهد بالقيامة .. فبالحقيقة المسيح قام ، وبدون القيامة لايكون لنا رجاء ولا امل ، فالمظلوم والظالم يموتان ولا فرق بينهما في الارض او في الابدية ، والقاتل والمقتول يموتان لايكون هناك عقاب للقاتل في النهاية ولا عزاء للمقتول .. وهكذا تصير الحقيقة المرعبة والمخيفة .. والتى يعيشها البعض الذين يُنكرون حقيقة صلب وموت وقيامة السيَد المسيح من الأموات .. فلقد أعماهم الشيطان ، وأوصد أبواب المعرفة فى وجوههم .. وساروا وراء أكذوبة إسمها الإسلام " وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم " وأصبحوا كالعميان فاقدين البصر والبصيرة ، وحجتهم الهزيلة هى كيف يكون هو الله ؟ !! وفى نفس الوقت يرضى أن يجلد ويبصق على وجهه ويصلب ويهان ، !! وقد خفى عن مفهومهم " المكتوب " .. لم يدر بخلدهم يوما أن الذى أمر لعازر أن يقوم من الأموات .. بعد أن أنتن .. أليس كان قادرا أن يشير بإصبعه على الذين حضروا للقبض عليه فيسقطون جثثا هامدة .. ألم يفكروا فى أن الذى خلق أعين للمولود بلا عينين كان قادرا بنظرة من عينيه أن يفقدهم نور أعينهم فلا يعودوا يروه .. ولكن وهم فى دهاليز ظلام الإسلام غير مؤهلين ولو لمرة واحدة أن يفكروا فى أن صاحب هذه الأعمال الخارقة كان يقدم نفسه كشاة صامتة سيقت إلى الذبح لأن هذا هو " المكتوب " .. فباتوا والختم ما زال على قلوبهم ، وفى عقيدتهم القتل مشاع ، والظلم مشاع ، والفساد مشاع ، فليأكلون ويشربون ويظلمون ويقتلون ... لان غدا يموتون ولا علامة ولا بصيص من الضوء للأبدية ولا الرجاء .
ونحن فى الخماسين المقدسة يا إخوتى لا ننسى أن أفراح القيامة مدلولها وتأثيرها يظهر فى تعزية للمظلوم والفقير والمضطهد والمريض والمهموم والمتألم ، فلنعش القيامة ونفرح . فالمسيح هو الباكورة لقيامة الاموات فلم يعد للموت شوكة ولا للهاوية غلبة.. فلنا رجاء وأمل في المسيح بقيامته المجيدة .. ولا تسمعوا يا إخوتى لمن يدفعون بنا لنعود إلى عهد الفريسيين .. يريدون لنا أن نعيش متفرقين نبحث عمن سنصلبه بعد رب المجد ..