الأقباط متحدون - عايزين نِفرَح!
أخر تحديث ٠٨:٢٧ | الثلاثاء ١٤ مايو ٢٠١٣ | ٦ بشنس ١٧٢٩ ش | العدد ٣١٢٦ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

عايزين نِفرَح!

بقلم: ليديا يؤانس

قالت لي: عَايزين نِفرَحْ!   ضَحكت وَقُُلتُ لها:  نِفرَحْ!!  وهل هُناك ما يمنع؟
إستدارت نحوي بوجهها الجميل المُتوَج بِشعرٍ مخمليّ بِلون ظِلْ الليل المُنسَدِلْ على أكتافِها ويَتَراقصْ خلف ظَهرها ويُلامس بداية أردافها.  أنها صديقتي الحميمة ذو الثالثة والثلاثون ربيعاً التي تتَمتع بذكاء يُساعدها على أن تَحَيا حياة راقية بِمُستوى إجتماعي جيد جداً ؛ وأُم لِطفل يحمل الكثير مِنْ ملامِحها وجمالها.  نظرت إليّ بِعيونها التى تَتَلون كَقوس قُُزحْ الجميل وزفرت نفس مِنْ الأعماق وقالت:  في عالمنا هذا المؤلِم فين ربنا؟  إذا كان هُوّ حنوناً ورحيماً لِماذا الحياة تبدو مأساوية إلى هذا الحد؟  هل هُوّ فقَد سيطرتهُ على العالم أمْ  أنهُ مازال ضابِط الكُل؟  ماالذى يُحاول أن يعملهُ مَعي ومعكِ؟

مفهوم الفرح قد يختلف مِنْ شخص لآخر وقد يختلف بالنسبة للشخص الواحد مِنْ وقتٍ لآخر.  ولو عملت إستطلاع رأى بالنسبة للفرح والسعادة في حياة الناس سَتجد الغالبية العُظمى مِنهُم غير فرحين والقليلين سيقولون لك الحمد لله ولكن...!

كثير من الناس مُفتقدين لِلفرح لإن كل واحد يُفكر في الشئ الناقِص عِندهُ ويُريد تحقيقه وطالما لم يتحقق فهو غير مبسوط أو غير فرحان وإذا تحقق ما يُريده يفرح للوهلة ثم يبدأ يفكر في شئ ثانى وهكذا.  

فمثلاً تجد شخص يقول لك الشئ الذى يُسعدني ويُفرحني أن أجد الحب الحقيقى في شخص ما ؛ وعندما يجد ما يتمناه يقول لك الحمد لله ولكن هو الحب سيدفع الفواتير ويجعلني أعيش عيشة رغدة ؛ ياحبذا لو ربحت ورقة يانصيب ؛ بالتأكيد سَأكون فرحان وسعيد جداً لإن المال له سُلطان يفتح لك كل الأبواب المُغلقة ويجعل لك قيمة في وسط الناس بغض النظر عن إمكانياتك وكفاءاتك وأخلاقياتك.   

ولذا نجد اليوم الناس يلهثون وراء الكُتب والوُعاظ  الذين يتبارون بتقديم مُفتاح السعادة والفرح للناس. ولكن بالنسبة لكثير من الناس مازال هذا الباب مُغلق لإن السعادة أو الفرح شئ لا يباع ولا يشترى. 
 
إسمحوا لي أن أطرح عليكم سؤالاً سريعاً:  كيف يُمكِننا أن نفرح في ضوء الصُعوبات التى نواجهها في الحياة؟
قد تقولون الأحداث والصراعات التى نعيشها الآن أقوى مِنا وكبيرة جداً بالنسبة لإحتمالنا...كيف نفرح!

قد تقولون ماذا عن الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال الذين قُتِلوا بسبب قنبلة إرهابي؟  كيف نفرح!

قد تقولون ماذا عن طفل عُمره سنتان وعِندهُ سرطان في الدم؟ كيف نفرح! 

قد تقولون ماذا عن شاب يُعاني مِنْ إصابة شديدة بالمُخ بسبب سائق مخمور؟ كيف نفرح!  

بالتأكيد الفرح مُهِمْ وشئ حيوي في حياتنا وخاصة الروحية ؛ ولكن الفرح ينبُع مِنْ داخِلنا ومن مواقِفنا الإيجابية بالنسبة للحدث.

إذن ما هو تعريف الفرح أو السعادة؟
البعض بالخطأ يُعرِفُون الفرح على أنهُ المشاعِر الإنسانية البحتة ؛ ولكن الفرح ليس إحساس أو مشاعر ولكنه عُمق الثقة في أن الله هو ضابط كل شئ وهو المُتحَكِم في الظروف التى يمُر بها الإنسان أولاً لصالح الإنسان الذى يُحبه وثانياُ لمجد الله.  ولذلك كلمة الله تأمرنا قائلة "إفرحوا في الرب كل حين وأقول أيضاً إفرحوا" (فيلبى 4:4).

أسألكم:  ماهو عكس الفرح؟  ستقولون الحزن. 

حقيقى أن الإنسان في كثير مِنْ الأحيان لا يُمكِنهُ أن يَجِد سبباً للفرح في وسط الظروف التى يمُر بها وخصوصاً إذا كانت مؤلمة. بالتأكيد الشر بشكل عام في العالم ؛ الحزن ؛ البؤس ؛ والموت تكون سبباً لعدم الفرح. 

لاحظوا معي أن الله لم يُعطينا أى نظريات أو أفكار عن لِماذا الألم؟  لم يقل إنها مشيئتي أن تتألموا  أو أن تُجربوا أو يجب أن تهربوا من الألم ولكن على الجانب الآخر يأمرنا بأن نفرح.  يقول لنا لا تهتموا بشئ ؛ لا تقلقوا من أجل شئ ؛ بل في كل شئ بالصلاة والدعاء ؛ إفرحوا وأشكروا لكى أستجيب لطلباتكم.
الذين يعرفون حقيقة محبة الله مِنْ السهل أن يكونوا فرحين. أما الذين عندهم معرفة قليلة عن الله مِنْ الصعب عليهم أن يفرحوا. الفرح ليس شيئاً يمكنك الخروج والحصول عليه وإنما الفرح هو شئ تَخرُج لِكى تُعطيه للآخرين.

إذن معرفة الله هي مفتاح الفرح  ولكن أحبائي كيف نفرح؟
الفرح الحقيقى هو الذى يقوم على الرضى بما أعطاه لك الله وليس بما أعطاه للآخرين.

الفرح الحقيقى هو الثقة بأن الله يعرف إحتياجاتك ويعطيها لك في وقته هُوّ وبطريقته هُوّ.

الفرح الحقيقى هو الثقة في وعود الله الذى قال لن أترككم لن أنساكم.  إن نسيت الأم رضيعها أنا لا أنساكم.

الفرح الحقيقى هو الإيمان بأن إلهك قريب منك يرى دموعك ويسمع تنهُدات قلبك ويستجيب لطلباتك.

الفرح الحقيقى هو الإيقان بأن الحزن أو الألم الآن هو حزن العالم الذى سينتهى يوما ما وسيتحول إلى فرح فى الرب.

الفرح الحقيقى هو عندما تضع الله أولاً والناس ثانياً وأنت ثالثاً سوف لا تقلق على أى شئ.

الفرح الحقيقى هو ألا تفكر في الغد بل ضع الغد في يد الدائم إلى الأبد. فلا تهتموا للغد لأن الغد يهتم بما لنفسه يكفى اليوم شره.

الفرح الحقيقى هو أن تُصلى وتشكُر الله في كل حين ومِنْ أجل كل شئ لأنه قريب ممن يطلُبونه.

الفرح الحقيقى هو أن تضع نفسك في يد الله بدون قلق على أى شئ لإن القلق يقتل الإنسان.

سَمِعتُ قصة مِنْ واعظ مشهور تقول: إمرأة مُسنة قررت الذهاب لزيارة إبنتها في إيطاليا عن طريق البحر نظراً لأنها غير قادرة صحياً على الطيران.  بعدما أبحرت السفينه هبت ريح شديدة فأصبحت السفينه كالريشة في مهب الريح تُلاطِمها الأمواج من كل إتجاه.  إختلط الحابل بالنابل والصرخات المزعورة للنجدة والنجاة. الكُل يريد أن ينجو بنفسه فيما عدا هذة العجوز التى قبعت في ركن بعيد بآخر السفينة تقرأ في كتاب.  جاءها قبطان السفينة مُتسائلاً:  ياأُمي ألا ترين أن السفينة تغرق والكل أخذ طوق نجاته لكى ينقذ نفسه.   قالت ياإبني سأقول لك الحكاية.

رد عليها بإستنكارقائلاً: السفينه تغرق وانت سَتقولين حكاية!   جذبته مِنْ يدهِ ليجلس بجوارها وقالت ياإبنى أنا لستُ قلقة مِثلكُم لإن لو السفينة غرقت وأنا مُتْ الآن فسوف أذهب إلى السماء وبالتالى سأرى إبنتي التى ماتت مِنْ سبع سنوات.  وإذا لم تغرق السفينة وبقيت على قيد الحياة سوف أذهب إيطاليا وأستمتع برؤية إبنتي الثانية.  ياإبني أنا لستُ قلقه على أى شئ بل فرحانة في كل الظروف والأحوال لأنني أضع نفسي في يد إلهى الذى يُدبِر أموري.  
 
أحبائي أنصحكم بأن تقتلعوا الأعشاب الضارة التى تنمو في حديقة عقولكم وتخنق أفكاركم وتسرق الفرح والسعادة مِنْ حياتكم لكى تستطيعوا أن تستمتعوا بالفرح مهما إن كانت ظروفكم. 

سَمِعتُ قصة لا أعلم إن كانت حقيقة أو مِنْ وحي الخيال تقول: أن الإسكندر الأكبر في اللحظات الأخيرة مِنْ حياتهِ وهو على فراش الموت طلب مِنْ الحاشية والأصدقاء المُحيطين به ؛ أن يصنعوا فتحتين في التابوت الذى سيوضع به جثمانه بعد المَمَاتْ. فإندهش الحاضرين وسألوه لماذا؟ أجابهم قائلاُ: أنني أريد أن أقول للعالم كله أن الإسكندر الأكبر بكل قوته وعظمته والذى غزا العالم كله خرج مِنْ العالم فارغ اليدين!

الأسكندر الأكبر إعتقد أن السعادة تكمن في أن يكون البطل المشهور الذى يغزو العالم ويسيطر عليه ولكن في اللحظات الأخيرة من حياته إكتشف الحقيقة المرة وهي أن ذلك كان فرحاً وهمياً.

أحبائي لو الإسكندر الأكبر إستثمر حياتة في إسعاد الآخرين ؛ وبنى له كنزاً في السماء أكيد كان سيترك الحياة وهو راضى وفرحان لأنه ماذا ينفع الإنسان  لو ربح العالم كله وخسر نفسه.

أحبائي الفرح الحقيقى ليس فرح العالم ولكن القناعة والرضى بما عندك.  الفرح ليس في الأشياء المادية بل الأشياء الروحية. أحبائي الفرح هو أن تجلب السعادة للآخرين فينعكس ذلك على حياتك فتشعر بأنك أسعد مخلوقات الله.
 


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter