بقلم: ليديا يؤانس
أقف الآن على شطْ بحر الجليل الذى بِمنطقة طبرية أستمتع بقدوم الربيع الذى يُعطى بهجة وحياة للطبيعة والمخلوقات. سهول مُمتدة خضراء ؛ الزهور تُعطِرْ المكان وترسم بسمة على وجه الأرض ؛ نسمات الهواء العليل تُداعب وجهي وخُصلات شعري التى إنسابت من تحت غطاء رأسي ؛ رائحة مياه البحر مع صوت تلاطُم أمواجه جعلني أسترجع صورته وكلماته التى لم تُفارقني لحظة واحدة منذ قرون مضت.
بالتأكيد أنتُم أيضاً سوف تستمتعون بهدوء وجمال المكان وستُفضلونه عن الزحام الشديد بأورشليم.
اليوم أودُ أن أقدم لكُم رسالة قد تبدو جيدة وحقيقية ؛ مُمكِن تقبلوها وتعتقدوا فيها ومُمكن لا!
على أى حال دعوني أُكلِمكُم عن نفسي أولاً ثم بعد ذلك أقول لكم لِماذا أنا هُنا اليوم؟
أنا إسمي مريم... وأتوقع أن كثيرين مِنكُم سَيعرفونني ويتذكرونني. الناس عرفوني بإسم "مريم المجدلية" لأنني من مدينه إسمها مجدله حوالى 20 دقيقة سيراً على الأقدام من طبرية.
أنا لستُ مجنونة أو مخبولة كما يقول البعض ؛ ولستُ عاهرة حتى ان البعض لم يسموني بإسمي بل يدعونني المرأه الخاطئة. ولكن أنا كُنتُ مُعذبة ومأسورة بسبعة شياطين.
بعض الناس كانوا بيخافوا مِني ولكن أنا حياتي كلها كانت عِبارة عن سلسلة من الخوف والرعب يوم بعد يوم وبدون نهاية لآلامي. كُنتُ أشتهي أن أنام مِثلُكُمْ وأن أستمتِعْ بحياتي مِثلُكُمْ. صَديقي الوحيد كان الشيطان الذى يُعذبني. كثيرا مافكرت في الإنتحار لأضع حداً لآلامي النفسية والجسدية.
الحياة ضرورية للذي يعيشها ؛ إشراقة الشمس نعمة لِلذى يستمتع بها ؛ الحياة مُتعة للقادر أن يندمج فيها ويعيشها. ولكن ماذا تُعطي الحياة للذين مثلي؟ الذين عقُولُهُم وأجسادهم مسجونة وراء قُضبان غير مرئية. كُل يوم أموت وأغرق تحت وطأة إكتئابي إلى أن تحطم كل كياني وإنحنت نفسي إلى التراب. ذَبلت وأصبحت مثل الشجرة الجرداء وإنفض الجميع من حولي.
وفجأة ولأول مرة في حياتي أسمع صوتاً رخيماً حنوناً يشُق ظلام حياتي ويقول "مريم" كما لو انهُ يوقظني من سبات عميق. "مريم!" صوت رائع كهدير المياة حينما تُدَغدغ الأحاسيس فتشعر بالإسترخاء بعد مُعاناة شديدة. لأول مرة أسمع إسمي بهذا اللحن الجميل ولأول مرة شخص يَهتَمْ بي ويُناديني بإسمي. وقبل أن أستجمع شتات نفسي لأعرف ما إذا كُنتُ مُستيقظة أم نائمة وجدت نفس الصوت يقول لي "أنا أخرجت الشياطين مِنك."
لقد تحررت من سجني وآلامي. قليلون حاولوا أن يساعدوني ولكنهم لم يقدروا. ولكن هوّ وحدهُ شفاني وأنقذني من هذا الإستحواذ الشيطاني.
في هذة اللحظة فقط بدأت السُحب والغيوم تنقشع من عقلي وبدأت الحياة تنساب في جسدي بقوة وغنى في عروقي. كانت لحظة لا يُمكن أن أنساها مهما طالت الأيام والسنين ؛ لحظة وِلادة جديدة.
"مريم" بعد أن قَالَها هُوّ بصوتهِ تِفرق كثيراً عن "مريم" قبل سماع صوته.ِ أصبحت كل يوم أستيقظ لإستقبال يوم جديد بتفاؤل. الآن يُخَُيل إليّ أن الشمس تُشرِقْ مخصوص لِتُرحِبْ بي وتُحييني بإبتسامةٍ دافئةٍ من أشعتها. الآن أسمع صوت تغريد الطيور وكأنها تُغرد لي أنا وحدي. الآن السيد أعطاني حياة جديدة!
على مايبدو أنني أخذتُ العزمْ على أن أتبعهُ. يسوع أعاد لي حياتي المفقودة. ولذلك رُبما أستخدم هذة الحياة لخدمتهِ بطريقةِ ما!
طبعاً أنتُم تَعرِفون أنني خدمت السيد في السنتين الآخرتين من حياتهِ. لم أكُن الوحيدة التي تخدمه ولكن أيضاً كثيرات من النِسوة كُن يتبعنه ويخدمنه. هؤلاء النسوة كُنَ يَخدِمنَه بطرق مختلفة ويُقدمن المُساعدات المالية للخدمة.
نعم يسوع ردَ لي حياتي المفقودة ولكنهُ أيضاً يعمل ذلك مع كُل المحتاجين إليهِ. يسوع يملُك قوةً غير عادية تفوق كل القوى البشرية. أتذكر كما تتذكرون أنتم أيضا أنه في يومٍ أطعم خمسة آلآف رجل وأيضاً نساء وأطفال كثيرين وكلُ ما كان يملكهُ فى ذلك اليوم خمسة أرغفة من الخبز وسمكتين. يسوع شفى الكثيرين من أمراضٍ خطيرة. لقد جعل الأعمى يُبصر والأعرج يمشى وإنتهر الشياطين فأطاعتهُ في الحالِِ كما حدث معي. الناس كانوا يأتون إليه من أماكن بعيدة جداً لكى يَروه ويَسمعوه ويَلمِسوه.
كانت هناك أقاويل وحكايات كثيرة متداولة بين الناس عن شخصية السيد وعن الملكوت الذى كان كثيرا ما كان يتكلم عنهُ.
ولكن في يومٍ ما دخل يسوع أورشليم وكانت الإثارة رهيبة جداً. الناس وقفت صفوفاً في الشوارع لكى تراه. الحشود هتفت ولوحت بزعف النخيل وكثيرين هتفوا شئ مثل "أوصانا" وأيضا كانوا بيقولوا "مبارك الآتي بإسم الرب." نحن أيضاً شاركنا في الإحتفال وغنينا ورقصنا وشاركنا الناس في الهتاف. كان فيه بعض الهمسات والأقاويل حول الإحتفال بعيد الفصح وأن يسوع سوف يُقدِمْ نفسه لليهود على إنه ملكهم. طبعاً عظيماً جداً أن يكون يسوع هو ملك اليهود!
ولكن بعد ذلك الإحتفال العظيم إنهار كل شئ. بعد عشية وضُحاها تغير الفرح ؛ الغناء ؛ الإحتفال إلى قلق ؛ بكاء ؛ وخوف. لا أُُخفي عليكم أنه أثناء الإحتفال قلبي شعر بطريقة ما أن شيئاً مؤلِمْاً رُبما قد يحدث لإنني لمستُ نوع من الكآبة أو الحزن على يسوع أثناء الإحتفال. لقد رأيتُ عينيهِ تعكسُ هذا الإحساس المؤلم من حين إلى آخر. ولكن لم أُصدق ما يجول بنفسي أو على الأقل رفضتُ أن أقبل مايدور في عقلي وقلبي.
في يوم الخميس ومازال صوت الإحتفال في أورشليم يرن في أذني إلا وأسمع أنهُم قبضوا على يسوع! أنا رأيتهُ من بعيد حينما أخذوه للمُحاكمهِ. رؤساء اليهود كانوا قد أعدوا هذة الخطة ولذلك إِتهموهُ بالخيانةِ والتجديف. قادوه بمهزلةِ وإستخفاف بالعدالة ليقف أمام رؤساء اليهود والسلطات الرومانية. فيما بعد إكتشفنا أن هذه التُهم كانت وهمية وبتدبير من قادة اليهود. الناس صدقوا وشَهدوا عليه بالزور.
في الأول أنا إستغربت جداً لماذا لم يُدافع السيد عن نفسهِ؟ ولكن بعد ذلك أدركتُ أن اليهود كانوا لا يهتمون بإدانتهِ أو برائتهِ ولكن كل غايتهم التخلص منه. وأيضاً توقعت شئ أفضل من السلطات الرومانيه ولكن خاب ظني!
فالجنود الرومان هُمْ أنفسهم الذين جَردوه مِنْ ثيابهِ ؛ هُمْ الذين ألبسوه الرِداء القُرمزي ؛ هُمْ الذبن جَدَلوا إكليلاً من الشوك ووضعوهُ على رأسهِ ؛ هُمْ الذين بَصَقوا عليهِ وجَلدوه وأخذوا القصبة منه وضَرَبوه بها على رأسهِ ؛ هُمْ الذين نَزَعوا ثيابه وألبسوه الثوب القُرمُزي ؛ هُمْ الذين سَاقوه إلى الصلب ؛ هُمْ أيضاً اللذين وَضَعوا قصبة في يدهِ ورَكَعوا أمامهِ ُيسخرون منه ويقولون لهُ "سلام ياملك اليهود!"
السُلطات الرومانية وهيرودس وبيلاطس إشتركوا في صلبهِ. بيلاطس رفض تحقيق العدالة بالرغم من تحذير زوجته لهُ "إياك وذلك البار". لقد إنحنى بيلاطس أمام ضغوط القيادات الدينية اليهودية وقدم يسوع للصلب.
أنا كُنتُ واقفة في الجُلجُثةِ في المكان الذى صَلبوا فيهِ مُعطي الحياة لي ولغيري. كُل دقة مُسمار كانت بِتدُق في قلبي ورأسي. يُخيل إليّ أن الأرض كانت بِتهتز مع كُل دقة ممزوجة بصُراخ يسوع. لستُ أنا الوحيدة التى إرتاعت مِنْ جللْ الحَدث ولكن أُمْ يسوع كانت مُنهارة أيضاً. لا أستطيع وصف حالة أُمْ مَكلومة يذبحون إبنها أمامها بهذة الطريقة البشعة. أيضاً كان التلاميذ والنساء اللائي كُنْ يخدمنهُ وكثيراً مِنْ الذين تبعوه وقِلة مِنْ الذين كان لهُ دور في حياتِهمْ. أيضاً الطبيعة وباقى المخلوقات توارت خجلاً من خالقها. الكل إرتاع مِنْ هَول الحدثْ. الكُل يبكى ويئن على صلب خالق الكُون.
لستُ أعلمْ مَنْ الأسوأ؟ القتلة الذين صُلِبوا مع يسوع أم القتلة الذين صَلبوا يسوع!
ولكن الأحداث تمت بِسُرعة فائقة لدرجة أنني أصبحت غير قادرة على التفكير أو عمل أى شئ. هذا الرجُل أعرِفَهُ جيداً وأعرفُ أنه يملُك قوةً إلهية وأنا إختبرتُ ذلك بنفسي. إيماني أنه سوف لا يموت ؛ لو هُوّ بالحقيقةِ إبن الله إذن المفروض أن لا يموت!
عندما عُلِقَ على الصليب توقعت في هذة اللحظة إنه سوف ينزل من على الصليب وخصوصاً عندما سخرتْ منه الجموع. كان عندي إيمان إنهُ لابد أن يكون قوياً كما عَرِفتهُ وينزل مِنْ على الصليب ولكنني وجدتهُ ضعيفاً جداً وهو مُعَلقْ على الصليب.
علقوا مُخلصي على خشبة ؛ صلبوا آمالي ؛ صلبوا أحلامي ؛ صلبوا حياتي كُلها بصليبهِ. يسوع لا يُمكن أن يموت.. ولكنهُ مات!
شاهدتهُ وهو يُعاني ويتألمْ ويصرُخ ويبكي لغاية آخر نفس في حياتهِ.
عندما إنتهت آلامهُ بالموتِ بدأت آلامي أنا... ذهبتُ معهُم وهُمْ ذاهبون ليضعوه في القبر عند حلول المساء من يوم الجمعة وقبل حلول السبت. ولكنني لا أُريد أن أترُك القبر. القبر وبه جسده الميت هو المكان الوحيد الذى مُمكن أن أذهب إليه. ليس لي مكان آخر لإنهُ ليس موجوداً بمكانٍ آخر. ليس هُناك شئ مُمكن أعيش من أجلهِ.
كثير من الأفكار السوداء والأسئلة التى بِلا إجابات تُسيطر على فكري المُشوشْ وجسدي المُنهك من الحزن والكآبة.
تساؤلات كثيرة: هل كان يسوع إبن الله؟ لماذا حدث ما حدث وخصوصاً إذا كان هو المسيا المنتظر؟ لماذا لم يُنقذْ نفسهُ؟ هل هوًَ فعلاً لديهِ القوة ليدوس الشيطان والموت؟ بالتأكيد لا! لإنهُ مات!
ماذا يعني ذلك بالنسبةِ للعالم؟ وماذا يعني ذلك بالنسبه لي؟
آه رأسى يكاد ينفجِرْ وينفصل عن جسدي من شدة الألم والصراع القكرى والنفسي. لم يغفل لي جفن ليلة الجمعة ويوم السبت الذى مر ببطء شديد وكأنهُ دهرًُ طويلُُ. وأنا أقطع الغُرفة ذِهاباً وإياباً وقوفاً وجلوساً مُنتظرة بفارغ الصبر أن ينقشع الظلام. وأخيراً جاء فجر الأحد. خرجت ومازال الظلام باقٍٍ وأخذتُ طريقي إلى حديقة يوسف الرامي حيث يوجد القبر الذى وضعوا فيه يسوع.
يمكن تقولون لي يا لِجُرأتك! تذهبين إلى القبر في ذلك الوقت! ألم تخافي!
بصراحة لم أُفكر كثيراً ولا حتى فكرت في مَنْ الذى سيُدحرجْ لي الحجر الكبير الذى وضعوه على فَمْ القبر ولا كيف سأتعامل مع الحُراس. المُهِم أن أذهب ورُبما أصطحِبْ معي سالومه أو مريم أم يعقوب ونآخذ الطيب لكى نَدهن جسده بالحنوط.
المُهم أخذتُ طريقي للقبر ولكن عندما وصلتُ وجدتُ الحجر غير موجود. بدأتُ أقلق ؛ نظرتُ فلم أجد الجسد ؛ يمكن يكون شخصَُُ ما أخذهُ! إِنزعجتُ جداً وجريتُ إلى التلاميذ وأنا مُرتَعِبة ومقطوعة النفس. بُطرس! يوحنا! لم أجد يسوع في القبر!
جرى يوحنا بسرعة ولحقه بطرس ليتأكدوا مما قلته لهُما وأنا أيضاً هَرولتُ ورائِهما وأنا أبكي وأبكي وتمنيتُ رُبما يستطيعون أن يساعدوني على فهم ماحدث أو يبحثوا معي عنهُ. لكن ما أن وصلتُ القبر إلا ووجدتُ بطرس ويوحنا غادرا المكان وبقيتُ أنا وحدي عند القبر أبكي وفجأةً وجدتُ ملاكين بثيابٍ بيض يقولان لى "لِماذا تَبكين؟" فأجبتُ وقلتُ أخذوا سيدي ثم إلتفت خلفي وإذا رَجُلْ يقول لي "لماذا تبكين؟" ؛ "عَمَن تبَحثين؟." أنا إفتكرتهُ البُستانى.. ولكن ماهذا إنهُ صوت مُخلصي ؛ صوت يسوع! الذى لم يُفارق أُذني لحظةً واحدة. أنهُ يُناديني بإسمي "يامريم." عرفتهُ أنهُ هو بذاتهُ يسوع مُعطي الحياة لي وللآخرين.
أحبائي أنتُم تعلمون جيداً أخبار صلب يسوع فقد قرأتُم النِبوات والأناجيل والكُتب ولستُم في حاجة إلى أن تسمعوا مِني عنهُ. ولكن أنا هُنا اليوم لكي أقولُ لكمْ إن يسوع حي وليس ميتاً!
يمكن لنْ تصدقوني. وأنا أيضاً كنتُ مِثلكُمْ غير مُصدقة أنهُ حي. عندما سَمِعتهُ يقول "يامريم" مِثلما قال لي "يامريم" عندما أخرج مني الشياطين تحققت من أن الذى حسبتهُ مستحيل أصبح مستطاعُ الآن لأنهُ حي!
نفس الصوت الذى أعطاني حياة سابقاً هو نفس الصوت الذى أعلن قيامتهُ وإنه حي وانهُ داس الموت كما داس الشيطان من قبل. صوت يسوع حطم الألم والحزن الذى كان بداخلي فأصبحت حياتي سلسلة من الأفراح بدلاً من الأحزان.
سقطتُ عند قدميهِ في ذهول ؛ في إستغراب ؛ في فرح ؛ وصرختُ "ربوني" أى يامعلم. وحاولت أن أمسك خُلخال رجليهِ لكي لا يهرب مني. ولكنه قال لي "لا تلمسيني فأنا لم أصعد بعد إلى أبي ولكن إذهبي إلى إخوتي وقولي لهم إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم."
وعلى ذلك جِئتُ اليوم لكى أقولُ لكم أن يسوع ليس ميتاً بل حي. قد يبدو للبعض مستحيلاً ولكن أنا رأيتهُ بعيني وتكلمتُ معهُ وجهاً لوجه وحاولتُ أن ألمِسهُ. يسوع حي ؛ يسوع غلب الموت بقيامتهِ.
بالتأكيد أنتُم أيضاً بدأتم تفهموا مثلي لماذا كُل هذا حدث.
الموت كان لك ولي ولكن يسوع مات عنك وعني.
بقيامتة من بين الأموات أعطاك حياة أبدية وأعطاني حياة أبدية.
بقيامتهِ أخذت أنت البنوية وأنا أيضاً ؛ ولذلك نُدعى أولاد الله.
لوْ أنتَ آمنتَ به وتبعتهُ مِثلي سيُعطيكَ حياةً أبدية وستكون فرد من عائلة يسوع المسيح كما أنا أيضاً ولذلك نحن نُدعى مسيحيين. يسوع المسيح جاء خصيصاً لكي يدفع ثمن خلاصنا ويعطينا حياةً أبدية.
يسوع المسيح حَي ... إذن أنا حَي!