بقلم: عصام عبدالله | الاثنين ٦ مايو ٢٠١٣ -
٣٩:
٠٥ م +02:00 EET
تجاوز حدود الأدب
حسنا فعلت (إيلاف) حين اختارت إعادة نشر تقرير مهم ل" أنتوني جورجي": "العرب . . من حروب النفط إلى حروب الغاز"، نقلا عن "الخليج الإماراتية" في باب جريدة الجرائد. ذلك لأن الحروب الجديدة (في الشرق الأوسط الكبير) عنوانها في كلمة واحدة: (الغاز).
لا يوجد ما هو أكثر خطورة اليوم من ارتفاع أسعار النفط علي الاقتصاد العالمي الهش اليوم، الخوف الناجم عن الصدمات الجيوسياسية في الشرق الأوسط التي تؤدي إلي الركود العالمي : مثلما حدث في أعقاب حرب أكتوبر 1973 والثورة الإيرانية عام 1979 وغزو العراق للكويت عام 1990، ثم الأزمة المالية العالمية عام 2008 حيث بلغ سعر برميل البترول 145 دولار.
المخاطر اليوم تتمثل في تهديد اسرائيل بمهاجمة المنشآت النووية الايرانية مما سيؤدي إلى نشوب صراع عسكري صريح. أضف إلي ذلك التوترات الجغرافية السياسية الأوسع نطاقا في الشرق الأوسط إذ أن مسار الأحداث في مصر وليبيا، وسوريا هي الآن على حافة الحرب الأهلية، والقوى المتطرفة قد تحصل على اليد العليا في اليمن، وزعزعة الأمن في دول الخليج، حيث لا يزال هناك قلق حول ارتفاع التوترات السياسية في البحرين والمملكة العربية السعودية الغنية بالنفط في المنطقة الشرقية، وربما في الكويت والأردن، وجميع المناطق ذات الكثافة السكانية الشيعية.
النفط والغاز في الخليج
في أحدث دراسة نفطية متخصصة صادرة عن المركز الدبلوماسي للدراسات الاستراتيجية في الكويت، أن السعودية تتصدر دول العالم من حيث احتياط النفط، إذ تستحوذ على ما نسبته 38.7% من الاحتياط العالمي، والكويت 14.8%، والإمارات 14.3%، وقطر 3.7%. في حين تحتل قطر المرتبة الثالثة عالميًا من حيث احتياط الغاز الطبيعي، حيث تستأثر بنسبة 46.3%، ثم السعودية بنسبة 14.5%، فالإمارات بنسبة 11.1%، والكويت بنسبة 3.3%، وعمان بنسبة 1.7%، كما تحتل دول الخليج العربي المراتب الأولى عالميًا من حيث العمر الافتراضي لكل من النفط والغاز الطبيعي.
أن المملكة السعودية، بوصفها أكبر منتج للنفط في العالم وباحتياطات مؤكدة تبلغ 264 مليار برميل، يمكن أن تستمر في الإمدادات النفطية لمدة 80 عاماً أخرى بمستوياتها الإنتاجية الحالية، خاصة وأن شركة أرامكو السعودية أنجزت برنامجًا استثماريًا ضخمًا بتكلفة تجاوزت 100 مليار دولار في مشاريع في مجال النفط والغاز الطبيعي والتكرير والبتروكيماويات، وتمكنت من زيادة طاقتها الإنتاجية القصوى لتبلغ 12.5 مليون برميل يوميًا، وتسعى إلى زيادتها لتصل إلى 15 مليون برميل يوميًا، بحلول العام 2015.
لكن يبدو أن هذه الدراسات القيمة عن احتياطيات النفط والغاز في الخليج هي جزء من الحكاية وليست الحكاية كلها ... كيف ؟
تحول ميزان القوي
تحول ميزان القوي العالمي من الغرب إلي الشرق، ومن المحيط الاطلسي إلي المحيط الهادئ، نبه الأذهان إلي أن منطقة البحر الأبيض المتوسط هي " مركز العالم "، أو قل ان هذا التحول في ميزان القوي لابد وأن يمر بهذا (المركز) المتوسطي، وينال نصيبه منه ويساهم فيه، نظرا للعلاقات الوثيقة بين أوروبا وآسيا وأفريقيا... وهو الأمر الذي يدفعنا إلي التساؤل: هل نحن علي أعتاب نظام دولي جديد؟
نعم إن منطقة البحر الأبيض المتوسط تشهد نهضة كبري من منظور الاقتصاد الجغرافي. وإن شئت الدقة فإن البحر المتوسط يولد من جديد. فقد بلغ إجمالي حركة الحاويات بين الشرق الأقصى وأوروبا 18 مليون حاوية نمطية (وحدة تعادل عشرين قدما) سنويا، كما يقول " خافيير سولانا " الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي سابقا، والأمين العام الأسبق لمنظمة حلف شمال الأطلنطي، مقارنة بنحو 20 مليون حاوية نمطية من حركة المرور عبر الباسيفيكي، ونحو 4.4 مليون حاوية نمطية من التدفقات عبر المحيط الأطلنطي بين أوروبا وأميركا. وتستخدم حركة الحاويات بين الشرق الأقصى وأوروبا طريق البحر الأبيض المتوسط عبر قناة السويس ـ وهو مسار أسرع كثيراً من المرور عبر قناة بنما، أو الدوران حول أفريقيا. وهو ما يتطلب أن تظل قناة السويس آمنة بحيث يمكن الاعتماد عليها كطريق للشحن البحري. ذلك أن أي تهديد للعمل الطبيعي للقناة من شأنه أن يحول طريق الشرق الأقصى-أوروبا إلى الطرف الجنوبي لأفريقيا، وهذا يعني تهميش دور البحر الأبيض المتوسط (وارتفاع التكاليف إلى عنان السماء).
ثروات هائلة
حوض المتوسط أصبح داخل اللعبة الإقليمية الدولية لأن عصر الطاقة النظيفة هو القرن الواحد والعشرين. المعلومات المتوافرة تؤكد إن هذا الحوض هو الأثرى في العالم بالغاز حسب معهد واشنطن . ويشكل الغاز الطبيعي مادة الطاقة الرئيسة في القرن الواحد والعشرين سواء من حيث البديل الطاقي لتراجع احتياطي النفط عالمياً أو من حيث الطاقة النظيفة. ولهذا، فإن السيطرة على مناطق الاحتياطي (الغازي) في العالم يعتبر بالنسبة للقوى القديمة والحديثة أساس الصراع الدولي في تجلياته الإقليمية. القراءة الأولية لخارطة الغاز في شرق البحر المتوسط من حيث الكم والقدرة على الوصول إلى مناطق الاستهلاك، سوريا ولبنان ومصر وإسرائيل وقبرص واليونان.
ومن هنا فإن معرفة السر الكامن في الغاز في هذه الدول البحر أوسطية خاصة سوريا، سيفهم طبيعة الصراعات القادمة على الغاز لأن من يملك سوريا يملك الشرق الأوسط وبوابة آسيا ومفتاح بيت روسيا (حسب كاترين الثانية) وأول طريق الحرير (حسب الصين)، والأهم من ذلك أن من يملك الدخول عبرها إلى الغاز يملك العالم خصوصاً أن القرن المقبل هو قرن الغاز.
نقلاً عن إيلاف