بقلم: المطران كريكور أوغسطينوس كوسا
السيد المسيح الذي قبل الموت طوعاً وبكل إرادة حرة ، والذي حمل على كتفيه صليب الإنسانية وأثقالها ومشاكلها وأتعابها وهمومها لفدائنا وتكفيرا عن خطايانا وخطايا العالم ، ما كان ممكناً أن يبتلعه الموت لإنه أصلاً  سيد الحياة ومصدرها . وهو مقيم في حضن الآب منذ الازل . لذلك انهضه الله وقبل قربانه عنا ومنح بواستطه النعمة والخلاص لجميع الشعوب . لكن سر الفداء والقيامة لا تكتمل أضواءه إلا بفعل المقارنة بين آدم ابينا الأول وبين المسيح الذي أطلق عليه القديس بولس رسول الأمم ، أسم أدم الثاني أو أدم الجديد.
 
أي : " أن الخطيئة دخلت إلى العالم بإنسان واحد " هو آدم " وبالخطيئة الموت  ، وأن التبرير دخل أيضا بإنسان واحد هو " السيد المسيح " ، وبالتبرير الحياة الجديدة . 
 
إن المقارنة بين آدم والسيد المسيح تدل بذاتها على أن زمن البشرية يقسم إلى قسمين : ألأول هو زمن آدم الإنسان القديم والتاريخ الذي تلاه حتى مجيء السيد المسيح . والثاني : وهو زمن السيد المسيح الذي سيمتد إلى آخر التاريخ البشري حين تتم مشيئة الله  في خلقه ويكتمل الملكوت السماوي الموعود به .
على أن هذه الصورة لها معناها أيضا ،وفي واقع الحال لدى كل إنسان منا وكل جماعة وفئة . فالإنسان القديم بحسب آدم أصبح
 إنسان الإنقسام والخطيئة والعبودية والأنانية والشرورعلى أنواعها . والإنسان العاجز حتى عن تغيير ذاته بذاته . 
 
أما الإنسان الجديد بحسب السيد المسيح فهو إنسان المحبة والسلام والمصالحة والغفران وقبول الآخر. وهو الإنسان القادر بنعمة الله على تغيير ذاته وتحقيق رسالته ومستقبله وبناء وطنه ومجتمعه ورفع من شأنه وتقدمه وازدهاره .
 
والمسيح المنتصر على قوى الشر وكل اساليبه وانواعه أعطى العالم والبشرية برمتها بقيامته المظفرة من بين الأموات درسا و فرصة جديدة ليتغيرالعالم  وينجو من واقع مأساته المرير. والسيد المسيح رسم لنا حياةً جديدة وعيشا مشتركا واخوة مستعادة من الجميع إلى الجميع وتقارباً بين الذين كانوا بعيدين عن بعضهم وحطم الحواجز بينهم وصالحهم وجعل من الشعوب والأمم إنسانية  واحدة ومصير واحد لكل أبنائها . أليس هذا تأكيد لعمل الله وإرادته أن يجمع المنفصلين والمشتتين والمتفرقين إلى واحد ؟
 
مع قيامة المسيح سقطت كل مؤامرة وخطة كان هدفها تفرقة الشعوب وإبعادها عن بعضها وتحطيم عظمتها وقيمتها وحضورها ، وزرع بتعاليمه ومعجزاته في بقاع اللأرض البذور الطيبة والتي ندعوها اليوم " حقوق الإنسان " ، إذ أن هدف الحقوق تنبع من كرامته . وكرامة الإنسان تنبع من خلق الله له على صورته ومثاله .
عيد الفصح إذاً ، هوعيد الفرح والإنتصار الذي حققه السيد المسيح على الألم والموت وعلى الشر والخطيئة . ولقد صار في ضمير المؤمنين قضية ومسؤولية تلقى على عاتقهم أفرادا وجماعات .
 
فالقيامة هي : قوة تغير وجه الأرض والإنسان وقد تسلمنا أمرتحقيقها بأيدينا التي لا قوة لها إلا من قوة المسيح وإنتصاره على الشر . 
فلا نقبل أن تستمر الأمور القديمة على حالها ، بل نسعى كلنا ومع جميع الناس من ذوي الإرادات الطيبة والصالحة الى إضفاء روح السلام والمحبة والمصالحة والغفران وقبول الأخر في محيطنا وبلداننا .
 
وان مسؤولية خاصة تقع علينا في وطننا بالذات وشرقنا العربي الذي أصبح ويا للأسف عرضة للإنقسام وعدم التفاهم. ,اصبح يغلي وأشباح الفتن تتراقص فوق رؤوس أبنائه مهددة وحدتهم ومصيرهم ومستقبلهم بأشنع الأخطار . ويؤسفنا شديد الأسف أن تكون قوة خفية تبغي الشرور والفتن ، وتحاول وضع النزعات بين الأديان والمذاهب وزرع الحقد والبغض بينها وإبعادها عن عن بعضها في طول الشرق وعرضه .فيما المذاهب والاديان ليست سوى طرق الى الله وتقرب إلى أخيه الإنسان والتعايش معه بأمان وسلام وطمأنينة .  
 
ونحن متعودون في شرقنا وعلى مدى تاريخنا إحترام كل إنسان وتركه في إختياره اي طريق يؤدي به إلى عبادة  ربه وخالقه . 
وإذا كان شرقنا قد علًم العالم أن لا إكراه في الدين وأن الحرية هي هدية وعطية من الله ، فعلى الانسان الآ يميل أذنيه لأي إحاء خارجي مشحون بالفتن التي تريد التفريق في صفوفه وخراب بيوت أبنائه  .
 
فنناشدكم باسم الله الذي يُذكرُ في منطقتنا وشرقنا اسمُهُ القدوس أكثر من أي مكان في الدنيا ، أن أتقوا الله جميعاً وابتعدوا عن الوقيعة فيما بينكم سواء في مصر ارض الكنانة أم في بلدان الشرق برٍمًته ، وتوكلوا على الله من أجل حُسن المصير الجامع .
 
وأنتم ايها المسيحيون ، فإنكم مدعوُون ، هنا وفي كل مكان ، إلى الصفح والغفران كما صفح وغفر الله عنكم بالمسيح يسوع . 
كما يدعوكم التاريخ في هذا الوطن العزيز وفي كل الشرق الاوسط والعالم ان تكونوا بين اخوتكم من كل الطوائف والمذاهب ، أهل جمع وتوحيد بين المصريين والعرب والأجانب . هذا كان تراثكم في الماضي ، وهذا ما يبقى أساساُ لدعوتكم ولموقعكم في المستقبل.
 
وليعطنا المنتصر على الخطيئة والبغض والحقد وكل أنواع الشرور ، أن نؤمن بمواجهة المستحيل لإنقاذ الحياة في بلادنا وتثبيت
رسالة المحبة والعيش المشترك في حضورنا ودعوتنا وخدمتنا لأوطاننا . سألين الله أن يعيد عليكم مثل هذا العيد وأنتم بألف خير ووطننا مُعافى والشرق متصالح ومنزه من المصالح والعالم مشمول كله بسلام الرب وبفيض نعمه وبركاته .
أسقف الإسكندرية للأرمن الكاثوليك