الأقباط متحدون - الاقتصاد الإسلامي في دولة الإخوان
أخر تحديث ١٣:٠٤ | الخميس ٢ مايو ٢٠١٣ | ٢٤ برمودة ١٧٢٩ ش | العدد ٣١١٤ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

الاقتصاد الإسلامي في دولة الإخوان

بقلم: إسماعيل حسني
إن السقوط الوشيك للنظام الإخواني لن يؤدي فقط إلى نهاية أحلام تيار الإسلام السياسي في السلطة، وإنما سيكشف الستار عن العديد من الأوهام التي زرعها المشايخ في عقول الناس لقرون طويلة.

فلقد أبدعت ماكينة الدعاية الإخوانيه في استخدام مصطلح "الاقتصاد الإسلامي" لاجتذاب الفقراء والمهمشين إلى دعوة الإخوان على أساس أن وصول الإخوان إلى سدة الحكم يعني تطبيق الاقتصاد الإسلامي الذي سينشر العدل في الأرض، ويقضى على الفقر والجوع والمرض، ويحيل الصحراء إلى جنان خضراء.

إلا أن الإخوان بعد أن وصلوا إلى السلطة ابتلعوا هذا المصطلح وأسقطوه نهائيا من قاموسهم السياسي، ولم يعد يرد في تصريحات أو خطب قيادات الجماعة أو رئيسها، ولم ير المصريون أثرا للحلول القرآنية التي وعدهم بها الإخوان، فلم يقدم الإخوان بعد ثمانين عاما شيئا غير صكوك جمال مبارك التي حاولوا إلباسها عباءة الإسلام ثم خلعوا العباءة بعد اعتراض الأزهر، وتمويل عجز الموازنة العامة عن طريق الشحاتة والقروض الربوية من الداخل والخارج، واحتكار حزب الحرية والعدالة لتوزيع الخبز وأنابيب البوتاجاز على الأهل والعشيرة، كما لم تختلف البرامج الاقتصادية للأحزاب الإسلامية في شيء يذكر عن برامج الأحزاب العلمانية المختلفة.

والحقيقة أن بعض المشايخ في ترويجهم لأيديولوجية الإسلام السياسي أخرجوا لنا مصطلح "الاقتصاد الإسلامي" المنقول حرفياً عن فكرة "الاقتصاد المسيحي" التي ادعنها الكنسية في القرون الوسطى، وتم استغلال هذا المصطلح أسوأ استغلال ممكن بإقامة بنوك إسلامية، يقتصر الفارق بينها وبين البنوك العادية على استخدام لفظ الربح بدلاً من الفائدة، وفي إنشاء شركات توظيف أموال نصبت على الناس باسم الدين، كما تم استخدام جزء كبير من أرباح هذه المؤسسات في دعم مختلف التنظيمات الإرهابية، وكان ذلك بتوجيه من المخابرات الأمريكية كما أصبح معروف للكافة.

والإسلام كما أوضحنا في كتابنا "علمانية الإسلام والتطرف الديني" لم يأت بنظرية في علم الإقتصاد، لأن الإقتصاد علم كالهندسة والطب والكيمياء، وكما أنه لا توجد هندسة إسلامية أو مسيحية فلا يوجد اقتصاد إسلامي أو مسيحي، ولكن هؤلاء يخلطون عمداً بين عدة أمور من أجل التجارة بالدين وخداع البسطاء وأنصاف المتعلمين.

فهم أولاً يخلطون بين المواعظ الأخلاقية التي وردت في القرآن والسنة وبين علم الاقتصاد. فحين ترد في القرآن مواعظُ مثل "وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ"، "وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ"، "وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ"، "وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا"، وحين تُفرض الزكاة لمساعدة الفقراء، وحين يعظنا الرسول بأن نتراحم فنعطي الأجير حقه قبل أن يجف عرقه، وأن لا يبات أحدنا شبعانَ وجارُه جوعان، وحين ينهى عن الغش والتلاعب بالأسعار وعن الإسراف والترف، وحين يأمر بالمحافظة على ممتلكات الأفراد، وضرورة محاسبة الولاة،.. إلخ. هذه الآيات وتلك الأحاديث ليست أكثر من مواعظ أخلاقية بسيطة لا تخرج عن نطاق البداهة لتنظيم "سلوكيات" التعامل الاقتصادي بين الأفراد في المجتمع وهو أقصى ما يطلب من أي دين، ولا يقتصر هذا على الإسلام وحده، بل نجد مواعظ مشابهة في كافة الأديان السماوية والأرضية.

أما علم الاقتصاد فهو شيء آخر تماماً، إنه علم يبحث في آليات التعامل الاقتصادي ونتائجه وعلاقاته السببية، وخلق القيم المضافة، وتطوير أدوات الإنتاج، وأساليب زيادة الثروات والتمويل، وآليات الاستثمار ومناهجه وأدواته، ووصف وتفسير الظواهر الاقتصادية المختلفة كالإنتاج والتراكم والاستهلاك والادخار والتوزيع وغيرها، وتلك أمور تخضع لنظريات نسبية تتغير حسب تغير المعطيات، بينما الإسلام وكل الأديان تتناول المطلق وهو قواعد السلوك والأخلاق فقط.

ولقد حاول الإخواني سيد قطب في كتابه "العدالة الاجتماعية في الإسلام" وضع نظرية لما أسماه بالاقتصاد الإسلامي فلم يستطع أن يخرج عن نطاق المواعظ الأخلاقية والسلوكية العامة التي لا يمكن أن تثبت خصوصية أو فرادة لما يزعمون أنه اقتصاد إسلامي. فمبادئ الاقتصاد الإسلامي عنده هي: احترام الملكية الفردية، ونظام الإرث، واحترام مصالح الأمة، ومنع اكتناز الأموال، ومنع الاحتكار، ومساعدة المساكين، وتحريم الربا، وتنظيم المالية لتغطية نفقات الأمة (الزكاة والخراج والجزية) وكلها كما نرى مبادئ سلوكية عامة وبديهيات لا تخلو من مثلها أدبيات أي شعب أو دين ولا علاقة لها بجوهر علم الاقتصاد.

ثانياً، يخلطون بين ما جاء به الدين في القرآن والسنة من مواعظ وبين اجتهادات الفقهاء عبر العصور، فيصوّرون للناس أنها جزء من الدين المنزل والمقدس حتى يتهيأ للسامعين أن القرآن كان كتاباً في التمويل والتدفقات النقدية، بينما اجتهادات الفقهاء وقواعد التبادل التجاري التي وضعوها على مدى مئات السنين، مثل المشاركة والمرابحة والمضاربة ونظم الائتمان والبيوع والإجارة والأوعية الاستثمارية وغيرها، هي قواعد وضعية أي دنيوية تم وضعها بالاقتباس من نظم الفرس والروم وسائر البلاد المفتوحة، كما جرى عليها الكثير من التعديل والتطوير كلما حدث تغيرٌ في وسائل الإنتاج أو أساليب التبادل التجاري، أي أنها عمل بشري كسائر قواعد الفقه التي قال عنها الإمام الشاطبي في الموافقات إنها قواعد وضعية (أي ليست دينية وليست مقدسة).

لن يذهب الإخوان وسائر المتاجرين بالدين وحدهم، بل ستذهب معهم جميع الأوهام التي أفسدوا بها عقول الناس، وستدرك شعوبنا أن تقدمها مرهون بالعلم والعمل، وأن السماء تبارك سعي العباد ولكنها لا تعمل نيابة عنهم.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter