بقلم : د. يحيى الوكيل

فرضت قضية الهاربين من السجون المصرية خلال أحداث جمعة الغضب نفسها على المشهد السياسى و النقاش الإعلامى لما تتناوله من شئون تتعلق بمن وصلوا لقمة السلطة فى مصر.
و بدون الخوض فى تفاصيل المحاكمة و ما شهدته من شهادات، أجد من الغريب ابتعاد التحقيق عن البحث عن مفاتيح الحل، و الاعتماد على شهادات سمعية فقط مهما علا شأن من يتقدمون بها فهى لا ترقى لقوة الدليل المستندى و المسجل؛ و لو استمر الحال هكذا فلا أرى نفعا من كل ما يحدث إلا إلهاءنا بقصة مشوقة – بل و شديدة التشويق لدى البعض كمتابعة فيلم "الهروب الكبير" لكنه هذه المرة "الهروب الحقير" – بينما يستمر الخونة فى تخريب مصر.

الشهادات المرسلة لن تفتح أبواب الحل، و مفاتيح قضية اقتحام السجون و تهريب الخونة فى رأيى هى الآتية:

- أولا و الأهم معابر قناة السويس:
للعبور من سيناء إلى الوادى، هناك ثلاثة معابر لقناة السويس: نفق الشهيد أحمد حمدى بالسويس، و كوبرى السلام و المعديات بالاسماعيلية، و معدية بورفؤاد ثم منافذ بورسعيد الجمركية.؛ و الكل يعرف شدة و صرامة الإجراءات عند هذه المعابر و التفتيش التى تتعرض له السيارات المارة، و ما يمكن السماح بمروره عبرها حتى أن الكاميرات غير مسموح باستعمالها فوق كوبرى السلام، و عن تجربة شخصية تم تفتيش سيارتى تفتيشا دقيقا قبل المرور من نفق الشهيد أحمد حمدى لمجرد الاشتباه فى لعبة ألكترونية مع أولادى ظنها جهاز الكشف سلاحا. لذا، يستحيل مرور كل السيارات التى حملت ميليشيات حماس مع سلاحهم من سيناء إلى الوادى، و هم يختلفون عنا هيئة و شكلا و لهجة، إلا إن كان هناك تواطؤ و ليس مجرد تقصير.. فمن كانت الجهة المسئولة عن تأمين المعابر يوم جمعة الغضب، و أين تقاريرهم و سجلاتهم اليومية؟ و لو كانت الشرطة قد أجهدت لطول مدة الثورة فأين سلاح حرس الحدود؟ ماذا كانت درجة استنفاره و ما الإجراءات التى اتخذها لتأمين حدود مصر؟ أين كانت الشرطة العسكرية و المخابرات الحربية؟

- ثانيا الاشتباك عند السجون:
لماذا سمحت قوات تأمين السجون بتجمع سيارات الميليشيات أمامها  و الحشد استعدادا للهجوم؟ من الصعب تماما أن تقف أمام سجن وادى النطرون لتغيير إطار سيارة فما بالك بميكروباصات مليئة بالشباب و قد أخفت لوحاتها؟ و لو افترضنا تحصن قائد السجن وراء أسواره و أنه قرر عدم الدفع بعناصره خارج الأسوار، فماذا عن الاتصالات بينه و بين قيادته عند وقوع الاشتباك؟ أين سجلاتها و ماذا دار فيها؟ أين الدعم الذى لابد و أنه قد طلبه؟ و لو كانت الداخلية غير قادرة على توفير هذا الدعم فلماذا لم يوفره الجيش، خاصة و أن طلعة من مروحية هجومية واحدة قادرة على رد الهجوم على أى سجن فى حالة عدم القدرة على توفير الدعم البرى - و مطارا غرب القاهرة و الخطاطبة لا يبعدان إلا دقائق عن سجون طريق مصر الصحراوى و مطار ألماظة دقائق عن سجنى أبو زعبل و المرج!!؟ لماذا لا نحصل من شركة الاتصالات الخاصة بتليفون الشهيد اللواء البطران على أرقام التليفونات التى اتصل بها قبيل استشهاده و و نعرف ما دار فى تلك المكالمات؟ ماذا عن خسائر الشرطة التى و لابد أنها لم تقتصر على استشهاد اللواء البطران، ماذا نعرف عنها و أين التقارير النهائية لمأمورى السجون عن عملية الاقتحام هذه؟

- ثالثا عودة لمعابر قناة السويس
استغرق الاشتباك أمام السجون وقتا، و منذ لحظة الابلاغ عنه مرت ساعات قبل أن يصل المقتحمون إليها فى طريق عودتهم إلى عاصمة الخيانة غزة، و لأن الشهادات أجمعت على أن المقتحمين كانوا يتكلمون بلهجة عربية أو بدوية فلم يكن لهم إلا الالتجاء غربا عبر العلمين أو الواحات، و عبر طرق يؤمنها الجيش و سهلة الإغلاق تماما و تجربة مونتجومرى فى إيقاف روميل عند العلمين ماثلة، أو الاتجاه شرقا. و فى حالة الفرار شرقا، و هو الأمر الأرجح فى أذهان جميع الأجهزة الأمنية وقتها التى كانت قد جمعت خيوط الاعتداء على كنيسة القديسين و أوصلتها إلى غزة و حزب الله، فلماذا لم يتم إغلاق معابر قناة السويس تماما؟ – خاصة و أن الوقت يسمح بذلك فالرحلة من وادى النطرون مثلا لأى من المعابر لا تستغرق أقل من ثلاثة ساعات غير زمن الاشتباك و هو أكثر من الوقت اللازم لعزل سيناء و العلمين عزلا كاملا و مطاردتهم بالمروحيات لو شاء المجلس العسكرى الذى حلقت مروحياته بل و طائراته المقاتلة فوق ميدان التحرير. مرة ثانية، من المسئول عن هذه المعابر؟

هذه هى مفاتيح حل اللغز و ميزان المعادلة، و هى ليست صعبة إلا إن تم إخفاء كل التسجيلات و السجلات – و هو للأسف ما ليس صعبا فى مصر.
و لو عرفنا، فماذا نحن فاعلون؟


القاهرة فى 30 أبريل 2013