الأقباط متحدون - بستان الجثسيماني والزيتونة العتيقة
أخر تحديث ١٠:٠٩ | الجمعة ٢٦ ابريل ٢٠١٣ | ١٨ برمودة ١٧٢٩ ش | العدد ٣١٠٨ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

بستان الجثسيماني والزيتونة العتيقة


بقلم: زهير دعيم
كثيرًا ما أزور اورشليم ، ثمَّ أعود فأحنّ َلزيارتها من جديد ، فانّ لها في نفسي طعمًا خاصًّا ، ومذاقًا  خاصًّأ ووقعًا مؤثِّرًا ، ففي قلبي يسكن حبّها ، كيف لا وأنا اتخيّل في كلّ مرة الربّ يسوع ماشيًا في أزقتها ، ، أراه يجوب الشوارع والأزقة وخلفه التلاميذ والشعب بكلّ شرائحة ، الغنّيّ والفقير، الناموسيّ والفريسيّ, جابي الضرائب والسامريّ ، الرومانيّ واليونانيّ ، يحطّ عصا ترحاله في كل شبر هناك ، فيزرع الخير والبسمات والمحبّة .
 
 ويحلو لي ابدًا ، أن أبدأ من جبل الزيتون ، ثمَّ أنزل في أثر الفادي ، اشمّ عطر وجوده ، واريج محبته ، وأستمع الى همساته ووشوشاته ، فأسمعه يقول : " تعالوا اليَّ يا جميع المُتعَبين والثقيلي الأحمال وأنا اريحكم". "احبوا اعداءكم باركوا لاعنيكم" أنا هو الطريق والحقّ والحياة ".
 
  وأهدأ وأستكين في البستان ، بستان الجثسيماني ، هناك عند أقدام الزيتونات العتيقة ، فأصمت في حضرة التاريخ والقداسة ، وأروح أتخيّل هذا الاله –الذي كان قبل أن يكون العالَم –اتخيّله في الليلة ايّاها ، ليلة الخيانة ، بل قٌلْ ليلة الحياة ، اتخيّله يسجد ويجثو للآب العظيم ، والتلاميذ نيام ، وتروح قطرات العَرَق تسيل منه كقطرات دم : "يا أبتاه ، ان شئت أن تجيزَ عنّي هذه الكأس ، ولكن لتكن لا إرادتي بل إرادتك "
  ولكنه جاء لمثل هذه اللحظة ، وجاء ليضع نفسه عن أحبّائه ، جاء ليحمل آثام الخُطاة الذين اوّلهم أنا .
 
  كم أرتاح في هذا البستان ، فأروح أبحث تحت الزيتونة العتيقة الوسطى عن قطرات العرق ، بل قطرات الدم ، فأرى بعض الأزهار الحمراء، فلا أدري لماذا يأخذني خيالي بعيدا ، فأظنّها من بقايا تلك القطرات .ولطالما تمنيت أن أكون رسّامًا بارعًا ، حتّى ارسم ذاك المشهد بريشتي ، المشهد الذي يُلوّن خيالي ويزركش وجودي ، مشهد السيّد ، وهو يحارب ، ويجاهد بمحبته الفائقة من اجلنا وبسببنا! .
 
  انّي أصلبكَ يا سيّدي كلّ يوم ، انّي أجلدك يا فاديَّ في كلّ يوم خميس ، اجلدك بخطاياي وآثامي وشوكاتي ، ولكنني أرنو اليك وانت مُعلَّق على الخشبة ، فيصفو ضميري وترتاح نفسي ، فالطمأنينة تأتيني من تلك القطرات ، قطرات الدم ، وذاك الإكليل ، إكليل الشوك ومن ذاك الإله ، الذي حمَلَ الصليب ، وسار درب الآلام مرحلة مرحلة ، ينوء تحت هذا الصليب الخشبيّ الثقيل ، ينوء تحت وطأة آثامنا !!!
 
  يا بنات أورشليم لا تبكين عليّ بل ابكين على أنفسكنَّ " ..وأسير معه في الأزقة العتيقة ، أسير مع نفسي وأرى الجماهير اليوم هي ذاتها التي سارت بالأمس ، وأكلت من خبزه وسمكاته وخيراته ، وشربت من ينبوعه ، وشُفيت من اوصابها ، هذا الشعب الذي صرخ بالأمس فقط " اوصنّا،هوشعنا،   مبارك الآتي باسم الربّ! ملك اسرائيل"..هي اليوم التي يقول بعضها : اصلبهُ ، اصلبهُ.
  ما أضعف هذا الجسد يا سيّدي ، وما أجحد هذا القلب ، القلب الإنسانيّ!!.
 
  وأتابع المسير ، وتنوء يا سيّدي تحت وطأة الحِمْل ، فيأتي ذاك العائد من حقله ، سمعان القيرواني ، فيحمله عنك .
   وأقف وأتساءل : أتُرى ترك الربّ ذاك القيرواني بدون اجرة؟!..ألم يعطِ السيّد لعُمّاله أجرًا كاملاً لقاء ساعة عمل واحدة  ؟ 
  أنت محظوظ يا قيرواني ، فالسيّد لا يبقى ولن يبقى مَدينًا لأحد .
 
  وأصل ...أصل الى القبر المُقدّس ، القبر الفارغ ، فأجثو وأقبّل اللاشيء ، فالشيء والأهمّ هو في السما،.يسوع ، يجلس عن يمين العرش ، ألمْ يقُل : "قد اكْمِل ".
  حقًّا يا حمَل الله ، ويا عريس الكنيسة ، كُلّ مَنْ شَهد الصَّلبَ  وَحَمَل معك الصّليب وما زال ، يفرح يوم الأحد ويبتهج فلقد انتصر على ابليس وقهر الموت بسيده الحيّ ، الآتي قريبًا على سحاب المجد ....ليأخذنا الى اورشليم السماوية .
 
يسوع ما أحلاكْ ..وما اعلى سماكْ 
غرِّقنا بحبّك وغسّلنا بدماكْ

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter