الأقباط متحدون - العراق إلى أين؟
أخر تحديث ١٤:٠١ | الجمعة ٢٦ ابريل ٢٠١٣ | ١٨ برمودة ١٧٢٩ ش | العدد ٣١٠٨ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

العراق إلى أين؟

العراق إلى أين؟
العراق إلى أين؟

بقلم : عبدالخالق حسين

إن تصعيد العنف المسلح وإسالة دماء العراقيين من جميع الأطراف، (القوات الأمنية والمعتصمين)، كما حصل في بلدة الحويجة قرب كركوك مؤخراً، وتكثيف هجمات مسلحين على مراكز الشرطة ونقاط الجيش في ديالى ونينوى وصلاح الدين، لدليل على إصرار البعثيين وحلفائهم "القاعدة"، والطائفيين، ومن يدفعهم من قوى خارجية إلى تدمير العراق وإعادة سيناريو ما يجري في سوريا. فشعار البعثيين هو "إما أن نحكم العراق أو ندمره"، تنفيذاً لما وعد به سيدهم المقبور صدام حسين.

فـفي بيان أعلنت وزارة الدفاع العراقية، عن مقتل 12 ضابطا وتسعة جنود و 26 مسلحا من المتظاهرين والقبض على 75 آخرين، فضلا عن العثور على عدد كبير من الاسلحة والمتفجرات في ساحة اعتصام الحويجة"... كما وأفادت الأنباء عن ((إعلان جيش الطريقة النقشبندية بقيادة عزة الدوري مسؤوليته عن الهجمات المسلحة ضد القوات العراقية في مناطق مختلفة من المحافظات الغربية والشمالية الأمر الذي اضطر السلطات الى حظر التجوال فيها... ودعا تنظيم رجال الطريقة النقشبندية الجناح العسكري للدوري المتظاهرين الى حمل السلاح وقال المتحدث باسم التنظيم في شريط فيدو إنه على جميع "المجاهدين" حمل السلاح، وقال أن النيران ستطال كل جندي وشرطي يرفض تسليم سلاحه أو الانسحاب من ثكناته العسكرية وبخاصة في بلدة الحويجة)).

وفي هذا السياق، ((أكد قائد القوات البرية علي غيدان في تصريح صحفي أن “الجثث التي دفنت في الحويجة يوم أمس (24/4/2013) وعددها 26 جثة هم من تنظيم النقشبندية الإرهابي وأكد أن “6 منهم هم من قادة النقشبندية المطلوبين”.وأضاف غيدان”هؤلاء الناس هم الذين فتحوا النار وهم الذين قاوموا القطعات العسكرية أثناء تفتيشها للخيم وهم فتحوا النار عليها وتم مقاومتهم وتم قتلهم في المكان. وهذا خير دليل يثبت ان الطريقة النقشبندية لهم تواجد في معظم ساحات الاعتصام”.وتوعد غيدان “اني احذر جماعة النقشبندية من رد فعل قوي للجيش”، مؤكدا “لدينا معلومات بأن النقشبندية لديها تواجد وعمل في سليمان بيك وتم محاصرتهم سنتمكن من القضاء عليهم )).( بغداد/ شبكة أخبار العراق، 25/4/2013)
(روابط ذات صلة في الهامش).

والجدير بالذكر أن تنظيم النقشبندية يعد احدى التنظيمات المسلحة التي برزت في ديالى بعد عام 2006 وهي مرتبطة بنائب رئيس النظام السابق عزة الدوري ومتورطة بالعديد من أعمال العنف. على إن لعبة النقشبندية باتت مفضوحة، وخاصة لدا العقلاء من رجال الدين السنة، ففي هذا الخصوص "اتهم الشيخ خالد الملا، امين عام جماعة علماء العراق، في تصريح صحفي له يوم الخميس (25/4/2013) رجال دين الصقوا بـ”أنفسهم مناصب دينية كبيرة” بالتحريض على قتل القوات العسكرية مقابل "أموال" تسلموها مسبقاً". وقال: "إن هؤلاء يتهمون أبناء الجيش العراقي المعروف بعمق التاريخ بتهم تحاول تشويه حقيقته، هي شخصيات لا تمثل الصوت العراقي ولا تمثل إرادة أبناء الشعب العراقي". وأضاف: "إن الجيش العراقي سيطهر البلاد من هؤلاء الأشخاص الذين ظهروا في ساحات الاعتصام يحملون باجات لجيش الطريقة النقشبندية وحزب البعث”. (1)

من نافلة القول، أن التظاهرات والإعتصامات في المناطق الغربية وبلدة الحويجة ليست من أجل رفع "الظلم أو التهميش" عن أهل السنة كما يدعون، بل من أجل إلغاء الديمقراطية، وإعادة الوضع إلى ما قبل 2003. فالصراع هو بين فلول البعث والقاعدة من جهة، وبين الحكومة المنتخبة من جهة أخرى. والجدير بالذكر أن حصل اندماج بين فلول البعث والقاعدة في بلاد الرافدين. وما يسمى بـ"دولة العراق الإسلامية" هو تنظيم مزيج من فلول البعث والقاعدة يديره أشخاص كانوا في قيادة البعث. واستغل هؤلاء مشاعر البعض من العرب السنة فطرحوا أنفسهم كمدافعين عن حقوقهم ورفعوا شعار المظلومية والتهميش، وهو شعار زائف ومفتعل، (قول حق يراد به باطل)، الغرض منه هو إلغاء كل ما تحقق بعد 2003. 

فالسلطة العراقية كانت بأيدي السياسيين من هذه المنطقة منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 وحتى 2003، لذلك يرى هؤلاء أنهم أولى من غيرهم في حكم البلاد. ولكن الملاحظ أنهم خلال 80 سنة من حكمهم، فشلوا في بناء شعب متماسك، وتحقيق الوحدة الوطنية، لأن هذه الأقلية الحاكمة، وبدوافع من أنانيتها وقصر نظرها، انفردت بالحكم وعاملت الغالبية العظمى من الشعب العراقي كمواطنين من الدرجة الثانية. وكانت وسيلتهم الوحيدة لتبادل السلطة بين مختلف النخب الحاكمة المتنافسة فيما بينهم على السلطة وهم من نفس المنطقة، هي الدبابة والمدفع عن طريق الانقلابات العسكرية، ومقتهم الشديد للديمقراطية ومبدأ (صناديق الاقتراع بدلاً من الرصاص).

ولذلك، فمنذ سقوط حكم البعث الفاشي، شن البعثيون وحلفاؤهم أتباع القاعدة، والطائفيون من المنطقة الغربية، ومعهم، ويا للمفارقة، نفر من المتياسرين وأدعياء الديمقراطية الذين لم يحالفهم الحظ في الانتخابات السابقة، شنوا حملة شعواء ضد الديمقراطية الناشئة وبالأخص على الانتخابات، بحجة أن الديمقراطية لا تعني الانتخابات فقط...الخ. وقد أجبناهم مراراً وتكراراً، بنعم، أن الانتخابات ليست كل شيء في الديمقراطية، ولكن لا ديمقراطية بدون انتخابات. فجميع شروط الديمقراطية موجودة الآن في العراق، مثل تعددية الأحزاب، وحرية التعبير والإعلام، ومنظمات المجتمع المدني، وضمان حقوق الإنسان والأقليات، ومشاركة الجميع في السلطة...الخ، ولكنها في نفس الوقت تعني أيضاً حكم الأغلبية السياسية حسب ما تفرزه صناديق الاقتراع، ويجب على الجميع احترام نتائج الانتخابات، ومن حق الذين لم يحالفهم الحظ في الفوز أن يسعوا سلمياً، ونؤكد على كلمة (سلمياً)، لتغيير آراء الناخبين عسى أن يفوزوا في  الانتخابات اللاحقة. ولكنهم يرفضون هذا المنطق، ويصرون على التخريب بالعنف المسلح، وشعارهم "إما أن ألعب أو أخرب الملعب".

لذلك، فالتظاهرات في المناطق الغربية ليست من أجل رفع المظلومية أو التهميش، أو ضد الاستبداد، كما يدَّعون، لأنه ليس هناك تهميش ولا مظلومية، ولا يمكن أن يكون هناك استبداد بوجود الآليات الديمقراطية. فهذه التظاهرات هي ليست إمتداداً للربيع العربي، كما يدعون، بل هي على ضد تماماً من انتفاضات الربيع العربي، لأنها ضد الديمقراطية، فالمعتصمون رفعوا صور الطاغية صدام وعلمه، وطالبوا بإلغاء الدستور وقانون ملاحقة الإرهاب، وقانون العدالة والمساءلة، أي كل ما من شأنه محاسبة الإرهابيين من البعثيين وأتباع القاعدة، وإطلاق سراح جميع المعتقلين بتهمة الإرهاب بدون أي تحقيق معهم. كذلك رفعوا شعارات، ورددوا هتافات طائفية شتائمية بذيئة ضد الشيعة الذين يشكلون أكثر من 60% من الشعب، ولما انفضحوا بهذه الشعارات الطائفية، بدلوا نغمتهم وراحوا يرددون أنهم من أنصار الحسين وأهل البيت!!. ندرج أدناه روابط تفضح الذين رددوا مثل هذه الخطابات والشعارات، ومنهم من طالب الرئيس التركي أردوغان "حفيد السلطان العثماني التركي محمد الفاتح" على حد تعبير رجل دين من الرمادي، "ليحرر العراق من الاحتلال الصفوي والفرس المجوس!!". فمشاركة الشيعة في الحكم وفق صناديق الاقتراع هو استعمار صفوي في رأيهم. والمؤسف أن البعض من الكتاب العرب المحسوبين على الليبرالية راحوا يرددون نفس هذه الدعوات الباطلة وبدوافع طائفية.

في الحقيقة هذه التظاهرات ما هي إلا تمارين إحماء وتمهيد لحرب أهلية في العراق على غرار ما يجري في سوريا، والتي هي ليست من أجل الديمقراطية، وليست امتداداً للربيع العربي، بل على العكس تماماً، لذبح الديمقراطية في العراق وإعادة حكم البعث – الوهابي السلفي مندمجاً بالقاعدة. ولذلك ما أن أعلنت "جبهة النصرة" في سوريا مبايعتها للظواهري، زعيم القاعدة، حتى وأعلنت "القاعدة في العراق" اندماجها مع "جبهة النصرة". ونؤكد هنا أن ما يسمى بـ"قاعدة العراق" و"دولة العراق الإسلامية"هو مزيج من بقايا فلول البعث  وأتباع القاعدة. فالشعارات البعثية العلمانية البراقة (وحدة، حرية، اشتراكية) ما هي إلا لخدع الناس. فهدفهم الأول والأخير هو الاستيلاء على السلطة وتحت أي شعار كان، ديني أو علماني.

لقد نجحت "القاعدة" المتمثلة بجبهة النصرة اختطاف الثورة السورية، وهذا ما أكده الإعلام الغربي والحكومات الغربية. وفي هذا الخصوص "قال منسق شؤون مكافحة الإرهاب في الاتحاد الأوروبي جيل دي كيرتشوف لبي بي سي إن مئات الأوروبيين يقاتلون حاليا في صفوف المعارضة المسلحة في سوريا ضد حكم الرئيس بشار الأسد. وأوضح أن عدد هؤلاء يقدر بنحو 500 شخص...ويساور مسؤولو الاستخبارات القلق بأن البعض قد ينضم لجماعات مرتبطة بتنظيم القاعدة ويعودون لاحقا إلى أوروبا لشن هجمات إرهابية." (تقرير بي بي سي العربي يوم 24/4/2013).

أجل، يمر العراق الآن في أسوأ وأخطر مرحلة تاريخية، فالشركاء في السلطة وتحديداً زعماء قائمة "العراقية" هم مع الإرهابيين، ويعملون على شل الحكومة بغضاً لرئيسها المالكي، وها هو أسامة النجيفي رئيس البرلمان، تزامناً مع نداء عزت الدوري، طالب الجيش صراحة وبلا خجل من قناة (الحرة- عراق) بعدم تنفيذ الأوامر الصادرة من ضباطهم، يعني عدم تنفيذ أوامر القائد العام للقوات المسلحة، وهذا تمرد خطير جداً من مسؤول كبير في الدولة، ومخالف للدستور ويهدد أمن وسلامة الدولة. (راجع مقال السيد محمد ضياء عيسى العقابي) (5).

والملاحظ أنه ما أن تقع عملية إرهابية في بغداد أو أي مكان آخر في العراق، حتى ويسارع قادة كتلة العراقية والاعتصامات في المناطق الغربية إلى اتهام الحكومة بهذه التفجيرات وإلقاء اللوم على الجيش والأجهزة الأمنية، وإبعاد التهمة عن الإرهابيين. يبدو أن هناك تنسيق في توزيع الأدوار بين بعض الكتل السياسية لدعم الإرهاب وإرباك الحكومة والأجهزة الأمنية، فمن جهة إذا وقعت عمليات إرهابية اتهموا الحكومة والأجهزة الأمنية بالضعف، وإذا اتخذت الحكومة إجراءات رادعة ضد الإرهابيين اتهموها بأنها تسيِّس الجيش ضد تظاهرات الجماهير الشعبية "السلمية"، وطالبوا بإقالة المالكي لأنه يشكل خطراً على وحدة البلاد!!
وتأكيداً لكلامنا هذا، قال عضو اللجنة القانونية النيابية لطيف مصطفى أمين: " إن ما حصل في قضاء الحويجة أثبت أن رئيس الوزراء نوري المالكي بات يشكل خطرا على العراق". كما ودعت حركة الوفاق الوطني العراقي [بقيادة أياد علاوي]، حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي إلى تقديم استقالتها فوراً "حفاظاً على وحدة العراق وشعبه"، في حين حذرت من تداعيات مواجهة الجيش للاعتصامات والاحتجاجات "السلمية"، أكدت أن الأجهزة الأمنية "فشلت" في ضبط الأمن في البلاد. (السومرية نيوز- بغداد، 24/4/2013)

ورداً على هذه الادعاءات والاتهامات، قال رئيس الوزراء السيد نور المالكي: "من المؤسف عندما يحصل خرق أمني لا يدان الارهاب ولا يتحدثون عن القاعدة او حزب البعث، وانما يتحدثون عن الضابط، من أجل ان يكسروا هيبة الضابط والجندي ويدينوه ولا يدينوا الارهاب، ودائماً ما نسمع عندما تحصل عملية أمنية، مباشرة الادانة تطلق على القائد العام للقوات المسلحة وعلى الوزير والضابط، وكأنما هم ليسوا شركاء في هذا الجيش الذي يمثل جميع مكونات الشعب العراقي”. (6)

ما العمل؟
إن فلول البعث والقاعدة وعدد من قادة "العراقية" من الطائفيين في المناطق الغربية يدفعون الوضع إلى الانتحار الجماعي، وشعارهم "عليَّ وعلى أعدائي يا رب"، و"ليكن من بعدي الطوفان". وهم وراء هذه الاعتصامات، وعمليات الإرهاب، ويتلقون الدعم من عدد من دول المنطقة: (تركيا، وقطر والسعودية)، في محاولة لإشعال حرب طائفية في العراق على غرار ما يجري في سوريا من دمار شامل.

ولتفادي هذه الكارثة ننصح جميع الأطراف من أصحاب الحل والعقد بما يلي:
أولاً، على عقلاء العرب السنة أن يلعبوا دورهم، وعدم ترك الأمور بأيدي سفهاء القوم من البعثيين وأتباع القاعدة، لأنه إذا تحقق ما يريد هؤلاء المخربون المجرمون فالحريق سيشمل الجميع، وسيندمون يوم لا ينفع فيه الندم.

ثانياً، قال السيد نوري المالكي، رئيس الوزراء في مقابلة تلفزيونية مع قناة العراقية، أنه يمتلك ملفات السياسيين الداعمين للارهاب، ولكنه "يمتنع عن كشفها خوفا من انقلاب الدنيا". صراحة، نقول للسيد المالكي أن هذا الخوف غير مبرر، وعليه كشف هذه الملفات في البرلمان وأمام الإعلام العراقي والعالمي، ولتنقلب الدنيا على رؤوس المتورطين في الإرهاب بدلاً من أن تنقلب على رأسه هو، وعلى رؤوس أبناء الشعب المساكين، وإلا سيكون مصيره كمصير الشهيد عبدالكريم قاسم.

ثالثاً، يجب أن يعرف أعداء الديمقراطية أن محاولاتهم لوقف عجلة التاريخ محكوم عليها بالفشل، فالمرحلة هي مرحلة الديمقراطية والتي لا بد لها أن تنجح رغم كل المعوقات. فكل ما يستطيع أعداء الديمقراطية من فلول البعث والقاعدة والمتعاطفين معهم عمله بمحاولاتهم الإرهابية هو إطالة عذابات الشعب ومعاناته، ولكنهم لن يستطيعوا إيقاف الديمقراطية مطلقاً.

رابعاً، على أنصار الديمقراطية من اليساريين والليبراليين، وقيادة التحالف الكردستاني، وعقلاء العرب السنة  أن يتركوا جميع خلافاتهم جانباً، فالعراق يمر بأخطر مرحلة تاريخية عاصفة، ومهدد بمؤامرة قذرة لتدميره لا تقل خطورة عن انقلاب 8 شباط 1963، وإذا لم يوحدوا صفوفهم وكلمتهم، ويصغوا إلى صوت العقل وينقذوا العراق من مجرمي البعث والقاعدة والطائفيين، فإن كارثة شاملة قادمة لا تبقي ولا وتذر، ويزجون العراق في نفق مظلم آخر كما عملوا عام 1963، وعندها يجب أن لا يلوموا إلا أنفسهم. 
 


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter