بقلم: د, عصام عبد الله | الأحد ٢١ ابريل ٢٠١٣ -
٢١:
٠٤ م +02:00 EET
العملية الإرهابية في "بوسطن" التي نفذها الأخوان الجهاديان الشيشانيان الجنسية "جـــوهــــر " و"تـــــــــامــــــــر تسارناييف" وراح ضحيتها مئات الرياضيين والمشاهدين بين قتلى و جرحى، كشفت عن مفارقة صارخة وهي أن الجهاديين الإسلاميين يستفيدون (دائما) من مناخ الحرية في الولايات المتحدة من أجل تهديد أمنها واستقرارها وتقدمها، وأنهم يحملمون كراهية (لا دواء لها) للشعب الأمريكي – تصل إلي حد القتل الجماعي – بينما هم يتمتعون بأفضل مزايا النظام الأمريكي مثل اللجوء الديني والسياسي والرعاية الصحية والاجتماعية والمنح الدراسية وغيرها.
حسب وكالة الاستخبارات الأمريكية فقد كان " جوهر " يضع روابط لمواقع اسلامية متطرفة مثل موقع تنظيم الاخوان المسلمين المصرى و مواقع مقربة من " تنظيم قاعدة " مثل الجهاد الاسلامى و حركة حماس، ناهيك عن أنه من أشد مؤيدى "جبهة النصرة" في سوريا التابعة لتنظيم الاخوان المسلمين، والتي أعلنت قبل أيام ارتباطها المباشر بتنظيم القاعدة وزعيمها "أيمن الظواهري"، وهو ما أربك الجميع بدءا من المعارضة والجيش الحر في سوريا وحتي دول الخليج العربي الداعمة وصولا لإدارة الرئيس أوباما.
لم تكن هذه العملية الإجرامية موجهة بالأساس للرياضة والرياضيين الأمريكيين – وإن كانت تستهدف قتل وجرح أكبر عدد ممكن من الأبرياء – ذلك لأن " بوسطن " هي " رمز " التقدم العلمي الأمريكي ومعقل الأكاديميات ومؤسسات البحث العلمي وأساتذة الجامعات وصفوة العقول في العالم، التي تتوهج وتبدع وتنطلق بفضل مناخ الحرية والتعددية أو قل " الديمقراطية " الحقيقية.
وحسب الكاتب اليساري المخضرم " ديفيد هورويتز " في مقاله المهم " أفكاري عن بوسطن " فإن الإرهاب الديني يستهدف الليبراليين والتقدميين والملحدين والمسلمين المستنيرين واليهود والمسيحيين (بإختصار كل من يؤمن بالحرية والتعددية الديمقراطية) .. هؤلاء جميعا هم " الكفار " من وجهة نظر الجهاديين المسلمين.
ومن هنا فإن ما يستهدفه الإرهاب هو (أهم ما يميز) أمريكا بين دول العالم قاطبة : التعدد والتنوع الثقافي في ظل المساواة السياسية المحفورة في دستورها. " قوة أمريكا ليست في أساطيلها وقنابلها أو حتي جامعاتها، أو بالأحري هذه كلها هي القوة وليست سببها أو مصدرها. كذلك ليس مصدر القوة اتساع أراضيها أو تنوع مواردها (روسيا تعادلها) لكن دستورها وقوانينها هي التي اعطتها القوة التي مكنتها من كل شئ ".
والملفت في أمر الدستور الأمريكي أنه لا يتضمن نصا حول اللغة الرسمية للدولة، وتلك لم تكن هفوة بل قرار قصدي دعا إليه أبو الفيدرالية الأمريكية "توماس جيفرسون"، لأنه لم يرد لذلك الدستور أن يحتوي على أي نص يوحي بالعنصرية العرقية أو الدينية أو الفئوية.
أصبحت الانجليزية وسيطا لصهر كل الثقافات الوافدة في بوتقة واحدة بالتوافق والتفاق العام، لأن الناطقين بها من أهلها كانوا يعدون أنفسهم كيانا قائما بذاته على أرض تجمع بينهم وبين غيرهم، لا امتدادا لكيان آخر وراء المحيط الأطلسي مما سهل عملية التمازج، وأفسح الطريق أمام "المواطنة الديموقراطية".
الجهاديون لا تروقهم هذه (الميزة الكبري) ولا هذه الديمقراطية (الكافرة) لأنها تتعارض مع إيمانهم وطموحهم المريض في أن يصبحوا (أساتذة العالم) بالقتل والإرهاب لا بالعلم والعمل والجهد، ومن هنا فإنهم ينظرون لأنفسهم دوما كإمتدد للخارج من طنجة إلي جاكرتا ومن الشيشان إلي الصومال، للعالم الذي ينتمون إليه باللسان والوجدان والإيمان الديني، وهو ما يولد عند أكثرهم إحساس غريب بأنهم إلي ذلك الخارج أقرب منهم إلي المواطنين الأمريكيين الذين يشاركونهم الأرض ، أي يشاركونهم الوطن. وهو ما ينتج كل الكوارث الإرهابية والإجرامية في بلد بوتقة مثل الولايات المتحدة.
العدو الأول الذي تواجهه الولايات المتحدة في الحرب على الإرهاب، هو " تنظيم القاعدة "، كما يقول الدكتور " وليد فارس " مستشار الكونجرس لشؤون الإرهاب، وبدلا من أن تسارع المنظمات الإسلامية في أمريكا مثل " كير " – CAIR وغيرها بإدانة هذه العمليات الإرهابية، تلقي باللوم علي ظاهرة (الإسلاموفوبيا) بإعتبارها المسئول الأول عن تنامي الكراهية ضد المسلمين والتي تفرز بدورها العنف والقتل في الغرب! ...
هل يوجد سخف واستهانة بالعقول أكثر من هذا اللغو الفارغ؟ .. في الحقيقة، نعم يوجد .. فقد فوضت إدارة أوباما أمرها للإرهابيين لكي يحسموا أي صراع لصالحها في العالم، وأصبحت تدعمهم علانية كما فعلت سابقا في أفغانستان ضد السوفييت، ولذلك فإن حل معضلة الإرهاب في أمريكا ليست في الخارج وإنما في صميم الداخل الأمريكي (واشنطن) .. ولا يمكن – بأي حال من الأحوال - أن يستيقظ شخص يتظاهر بأنه نائم!
Dressamabdalla@yahoo.com
نقلا عن ايلاف
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع