تحقيق:عماد توماس
فى الساعة التاسعة والثلث من مساء الثلاثاء 16 أبريل 2013 ، اعلنت شاشات العرض بمطار القاهرة عن وصول الطائرة المصرية القادمة من طرابلس الى القاهرة.. تبدو للمسافرين رحلة عادية لكنها بالنسبة للبعض كانت رحلة مختلفة فعلى متن الطائرة ياتى ثلاثة من الأقباط المحتجزين بليبيا منذ نحو أكثر من شهرين فى السجون الليبية بطرابلس، على خلفية اتهامهم بالتبشير.
كان المفترض ان يصل "شريف رمسيس" و"عماد صديق" و"عيسى ابراهيم" و"عادل شاكر" مساء يوم الاحد 14 أبريل، الا أن مشكلة حصلت عندما أصرت السلطات الليبية على ترحيلهم مباشرة من سجنهم فى طرابلس الى مطار طرابلس ثم القاهرة مباشرة دون العودة الى ذويهم فى بنى غازى وهو ما اعترض عليه المحتجزين وطلبوا من السفارة المصرية ان يعودوا اولا الى بنى غازى لرؤية أسرهم الا ان محاولات السفارة المصرية باءت بالفشل.
يوم الاثنين 15 أبريل 2013 عصرًا عاد "شريف رمسيس" ، المتهم الرئيسى، الى القاهرة فى سرية تامة دون علم احد من وسائل الاعلام التى تابعت القضية على مدار شهرين. ورغم وجود عدد من اقرباءه فى انتظاره ومعهم احد المحامين الا انه-عكس المتوقع- كانت اجراءات خروجه سهلة ولم تستغرق دقائق.
لحظات الوصول
عندما اقتربت الساعة من الرابعة عصرًا الثلاثاء 16 أبريل 2013 ، اتلقى اتصالا من ليبيا يؤكد ركوب المحتجزين الثلاثة الباقين طائرة مصر للطيران فى رحلة مغادرة من طرابلس الى القاهرة. والمتوقع وصولها للقاهرة فى الساعة التاسعة والثلث مساءًا...بعض أسر المحتجزين يترقبون وصول ذويهم، الانظار تتجه نحو مبنى الركاب رقم 3 بصالة الوصول بالمطار الجديد، اول الذين وصلوا وخرجوا كان "عيسى ابراهيم" فى الساعة العاشرة والربع مساءًا يتوجه له عدد من اقرباءه وأصدقاءه يحمدون الله على وصوله سالما امنا. وبعده بدقائق يخرج "عادل شاكر" فيقترب منه شقيقة "صبحى شاكر" واحد اقربائه ياخذونه بالأحضان وفى لحظات يختفون عن الانظار الى خارج المطار ويتبقى "عيسى" فى انتظار "عماد صديق". خاصة انهم يعيشون فى نفس المنزل فى بنى غازى.
يتبقى "عماد صديق"، تمر الدقائق ثقيلة على حشد كبير من اقرباءه وزملاءه بكنيسة قصر الدوباره الذين جاؤا خصيصا لانتظاره فى المطار..يخرج احدهم ويقول ان هناك مشكلة فى الجوازات لفقدانه صورة من جواز السفر الخاص به..فالاقباط الثلاثة عادو مرحلين بوثيقة سفر مؤقتة بعد سحب جواز السفرمنهم ..بدأ انصار "عماد صديق" اتصالات مارثونية بزوجة "صديق" فى ليبيا من اجل ارسال صورة من هويته الشخصية على رقم فاكس المطار او بريد الكترونى ..بعد نحو ساعة يصل البريد الالكترونى ويكتشف انصار "صديق" ان مكتب خدمة رجال الاعمال بالمطار لا يوجد به طابعة حجم ورقة A4 يضطرون لطباعة الهوية على ورق صغير بطباعة باهتة ورديئة ..يتجهون سريها الى ضابط الاتصال الذى يطالبهم بالانتظار 10 دقائق..تمر العشر دقائق الى نحو 40 دقيقة حتى خرج "عماد صديق" نحو الاسعة الثانية عشر والربع بعد منتصف اليوم وسط سعادة وفرحة كبيرة بين انصاره.
حكايات مأساويه من ليبيا
اثناء انتظارنا لخروج "عماد صديق"، التقيت زميله "عيسى ابراهيم" ، سألته اولا:هل تعرض هو وزملاءه الى التعذيب؟ فقال : تعرضنا لكل انواع التعذيب من الصعق بالكهرباء والضرب والتعليق من الايدى والأرجل وطفى أعقاب السجائر فى اجسادهم ومحاولة ازالة وشم الصليب من على ايديهم بجانب السب والقذف واضاف : " أكتر واحد اتعرض فينا للتعذيب الشهيد عزت..كان كل واحد رايح او جاى يعتدى عليه..ومات على ايدى" !!
طلبت منه مزيد من التفصيل عن موت "عزت" فقال : عندما كنا فى بنى غازى تعرضنا للتعذيب لمدة 10 أيام، ثم انتقلنا الى سجن طرابلس..وفى احد الايام سقط "عيسى" اثناء نومه على الأرض وبدأ ينزف دمًا وحملته على يدى وحاولنا لعدة ساعات نطالب بحضور طبيب ولكن لا حياة لمن تنادى ومات على يدى قبل أن يصل الى المستشفى"
يلفت "عيسى" الى دور منظمات حقوق الانسان الغربية، التى كان لها دورا كبيرا فى خروجهم بعد الضغط على السلطات الليبية
لم ينسى اقرباء وأصدقاء " عيسى" عمله فى صيانة الموبيلات فى بنى غازى بليبيا ، فاستغل احدهم وقت الانتظار واعاه الموبيل الخاص به لاصلاحة وفى دقائق معدودة وبمهارة فائقة قام بفتح الموبايل واصلاحه !!
طلبت من "عيسى" أن يرينى جواز السفر الخاص به، شاهدته وفى احد صفحاته ختم كبير باللغة العربية يقول " استبعاد" اى انه لن يستطيع ان يسافر الى ليبيا مرة أخرى..ومن حسن الحظ ان أسرته عادت الى مصر عصر الخميس وبعد وصوله بيومين. ويتبقى له متعلقاتهم الشخصية خاصة ان له عدد من السنوات مقيم فى ليبيا.
يروى "عيسى"، عن حالات من القبض العشوائى تصل الى حد القتل للمصريين وخاصة المسيحيين من قبل ما يسمى بـ"الأنصار الشريعة" فعندما يقابلون مصريا فى الطريق ويعرفون هويته الدينية المسيحية يطالبونة بالنطق بالشهادتين واذا رفض يقتل على الفور-بحسب كلامه
عادت اسرة "عيسى" للقاهرة عصر الخميس ومعهم الابن الاصغر لعماد صديق، وتتبقى اسرة "عماد" المرتبطة بدراسة ابنائهم فى الجامعات الليبية ويبدو ان اسرة "عادل شاكر" سيطول بها الامد لفترة ليست بقصيرة بحسب رغبتها.
آخر الكلام
• يرفض العائدين من السجون الليبية الظهور فى وسائل الاعلام-وهذا حقهم- تلقيت عدد من الاتصالات من الفضائيات المصرية والعربية والصحافة ووكالات الانباء لاجراء حوارات معهم..الا انهم يرفضون ويطلبون مزيدا من الراحة بعد معاناة استمرت اكثر من شهرين وكان رجوعهم بمثابة "المعجزة"
• هناك المزيد من التفاصيل التى احجمنا عن نشرها حرصا على سلامتهم ، فليس كل ما يُعرف يقال وينشر
• ويبقى ان نقول ان المصريين فى ليبيا وخاصة الأقباط معرضون للسجن والترحيل واحيانا التعذيب والقتل دون ذنب اقترفوه..وسط متابعات للسفارة المصرية بليبيا والخارجية المصرية قد تكلل بالنجاح مثلما حدث فى قضية الخمسة اقباط المحتجزين وقد تفشل خاصة مع المحتجزين من قبل "أنصار الشريعة" التى لا تستطيع السلطات الليبية السيطرة عليهم. وقبل سفر اى مصرى الى ليبيا عليه ان يحسب النفقة أولا..المال ام الحياة؟
الفيديو