كتب : الدكتور عادل عامر
بعد ان اخرج الاخوان دستورهم المفصل والذى وجد معارضة من كافة القوى المصرية المعارضة وخاصة القوى المستنيرة يعتقد الاخوان بان الامر دان لهم لتنفيذ التمكين الذى حلموا به ولكن كيف يتم هذا التمكين فى غياب الرؤية السليمة ..؟ لا شك ان التجربة السودانية خير دليل على تنفيذ ذلك التمكين والذى ادى الى انهيار اقتصادى بعد ان انتشرت الحروب فى كل اجزائه وانتهتى الامر فى العام الماضى بانفصال جزء عزيز من الوطن ولا تزال الحروب مشتعلة فى الاطراف مما ينذر بالكثير فى السنوات القادمات .. على هذا الطريق يشير دستور الاخوان للامف معمقا من الازمة المصرية ولن تشهد مصر استقرارا بعده الى ان يتم تعديل هذا الدستور الذى وضع من اجل التمكين لجماعة محددة لتحكم باى طريقة واسلوب فى بوستنا السابق تساءلنا هل تدخل مصر فى عهد جديد ام تكرار للتجربة السودانية ..مما نراه الان من تخبط واسلوب وقرارات خاطئة نقول انهم تكرار للتجربة السودانية الفاشلة ..للاسف تدخل مصر عهدها الجديد بعد ثورة ناجحة ضد النظام القديم الذى استند على ثورة اخرى اندلعت عام 1952 بقيادة ضباط من الجيش ضد الحكم الوراثى لاسرة محمد على باشا التى كان اخرحاكم منها هو الملك فاروق تدخل مصر عهدا جديدا ابرز عناوينه الحرية والديموقراطية والتنمية والعدالة ..ومنذ نجاح الثورة التى قادها الشباب المصرى بقوة وايمان بالتغيير تابى قوى اخرى الا وان تعيد اساليب الماضى وخاصة من جماعة الاخوان المسلمين الذين يكررون نفس الخطا الذى جعل الجفوة تدوم بينهم وبين ثوار يوليو 1952 ..الى اخر عهد فيه وهو نظام مبارك الذى تهاوى نتيجة سوسة الفساد التى بدات بداخله واوهنته وسقط بسهولة امام قوة الشعب الذى يبحث عن الحرية .. فادخال عامل الدين فى السياسة هو اساس انطلاقة الجماعة فى خطابها السياسى وهنا عادة ما تجد نفسها محاصرة ما بين هذا الخطاب الذى يفترض فيه المصداقية وما بين تقلبات السياسة ومواقفها التى تتطلب اساليب اخرى لا تتوفر عند اهل هذا التنظيم ليفاجا الكثير من مؤيديهم بالتناقضات التى تحدث منهم وخاصة عند معالجاتهم لتلك الاساليب باساليب مختلفة اهمها العنف والكذب .. والاساليب التى تتعارض مع الدين ..واخلاق المجتمع المسلم .. فارتبطت هاتان الخصلتان بتنظيم الاخوان منذ تكوينه ايام المرشد حسن البنا الذى انشا التنظيم وظلت معه وحتى الان .. اذتم اللجوء الى الكذب فى احيان كثيرة ولكن عندما يكشف هذا من المناوئين لهم من السياسيين وتظهر الحقائق عارية يتم اللجوء الى العنف وفى احيان كثيرة يصل الى القتل..كما حدث مع زعيم حزب الوفد الكبير النقراشى باشا والقاضى الخازندار الذى قتل بفتوى اخوانية بعد حكم اصدره الجيل المصرى الحالى فى معظمه لا يعلم كثيرا عن هذا التاريخ وعاد التنظيم بعد اكثر من اربعين عاما قضاها فى مسح هذا التاريخ الاسود بالاعلام و بالاساليب الاخوانية المعروفة وبالتشويه على تاريخ محضور ومعروف ساعدهم فى ذلك ظروف مصر السياسية فى الحقب المختلفة التى تعرضت لها وخاصة بعد الهزيمة الاسرائيلية فى عام 1967 والتى استثمرها الاخوان ببناء علاقة خاصة بامريكا وقطبها حلف الناتو ضد الاتحاد السوفيتى وحلف وارسو وكانوا السند والعضد لامريكا فى حربها الباردة الى حدثت كارثة افغانستان وتدخل الاتحاد السوفيتى فيه مما ادى الى تغيير كبير فى السياسة العالمية التى استثمرها الاخوان لصالحهم .. والى الاخوان وجهودهم للسيطرة على الاعلام الرسمي، وعلى الصحف القومية وارهاب الصحافيين االغاضبون على المساءلة القضائية لبعض الصحافيين بسبب اهانتهم المستمرة للرئيس يقولون انمه تقييد لحرية الصحافة، والسؤال، هل المطلوب ان ينفخ الصحافيون في الهواء للتنفيس عن انفسهم، ام ان تكون هناك نتائج ملموسة لكتاباتهم، كان الدكتور عبد الحليم قنديل يوجه اشد الانتقادات للرئيس المخلوع، وكان النظام حينها اذن من طين واخرى من عجين على طريقة - خليهم يتسلوا ذ فهل هذا هو المطلوب من حرية الصحافة. من حق الشعب ان يطلع على كل شيئ لكن لا يجب ان يكون ذلك شيكا على بياض، على قنديل مثلا ان يكون جاهزا بمستنداته ووثائقه عند الحاجه اليها، وهكذا عادل حمودة الذي وصف الرئيس مرسي بانه فاشي قبل وصوله لقصر الرئاسة وبمجرد اعلان فوزه فاما ان يثبت على مرسي ما قيل فيه فيحاكم ويخلع ويدخل السجن، واما ان يفشل مهاجموه في اثبات ما يدعونه به فيدخلون هم السجن. اي انه اصدر الحكم عليهم مقدما قبل اي محاكمة وبالتالي، فلماذا تعقد المحكمة جلساتها وتستمع للادعاء والدفاع، وقد تصدر حكمها بالبراءة. اهؤلاء هم صحافيو الاخوان دعاة الديمقراطية، ومن ينافقونهم هذه الايام، الغريب ان فراج كان قد طلب من الرئيس ان يريح نفسه ويرسل قوات من الحرس الجمهوري لاعتقال مهاجميه، واشرنا الى قوله هذا في حينه. لكن أن تصر الجماعة على حماية المقرات والمباني التي تخصها دون الاقتراب من واقع الشعب فإن هذا كفيل بانتحارهم داخل تلك الكتل الخرسانية، وإصرارها بضرورة تمكين الجماعة فكراً ورجالاً في أواصر ومفاصل الوطن ستجعلهم بعيدين تماماً عن تحقيق هذا الهدف الذي بالفعل لا ولن يتحقق لأن الشعب نفسه بدأ يلفظهم بعيداً عن المشهد، وخير دليل ما نراه من تظاهرات يومية مستدامة بغير انقطاع ضد الجماعة ومرشدها الذي تفرغ لمهاجمة الإعلام الذي أسقط مبارك من قبل، وضد سياسات رموز الحرية والعدالة الذي لا يزال يتخيل أنه يلعب دور الحزب الوطني المنحل في الحياة السياسية، وهذا الأخير لم يدرك حتى الآن أن مصر لم تعد تهتم بالعمل الحزبي وأن البرلمان تحول مكانه للشارع والميادين وليس في صورته التقليدية الباهتة. لتمكين رؤية قديمة واكبت نشأة جماعة الإخوان، لكنها لم تتطوّر مع الزمن، ولم تراعِ تغيُّر الظروف وتبدُّل السياقات. فهذه الفكرة جاءت فى ركاب الرغبة فى استعادة «الخلافة» التى أطلق عليها مصطفى كمال أتاتورك «رصاصة الرحمة» عام 1924، ووقتها كان الشعب المصرى متعاطفاً مع «الإمبراطورية العثمانية» فى وجه الاستعمار البريطانى، رغم أنها كانت قد ضعفت وتهالكت ولم تعد قادرة على حماية الولايات التابعة لها. لكن الأمر تبدّل الآن، فلا المصريون يجعلون قضيتهم هى العودة إلى أى شكل إمبراطورى للمسلمين، وإنما فقط تعاون وتنسيق بين الدول الإسلامية، لا سيما فى المجالات الاقتصادية والثقافية، لكن الإخوان لم يتقدّموا خطوات فارقة ومؤثرة تحوّل «التمكين» هذا إلى «مشروع للوطن»، وليس مؤامرة عليه، سواء بقصد أو من دون قصد، حال الإخلاص لفكرة لم تعد قابلة للتطبيق وتضييع وقت مصر وطاقتها فى الجرى وراء الأوهام، واعتبار أن تحصيل الإخوان للسلطة ليس فرصة لخدمة الوطن وتقديم نموذج مغاير بإضفاء طابع أخلاقى على الحكم، إنما خطوة على طريق تمكين الإخوان من «أستاذية العالم».إن ما شهدته مصر الجمع الماضي من تظاهرات و حملات غاضبة ضد الجماعة لهو خير دليل على أن هذا الفصيل يسير في الاتجاه الخطأ، ويسعى لأن يسير بالوطن إلى مصير غير معروف غامض، وهذا ما يبرره الخروج، علاوة على الوعود التي تنطلق ليل نهار من أفواه القيادات والرموز الإخوانية التي بالتأكيد تخص وطناً غير مصر والتي تسقط بمجرد خروجها من هذه الأفواه.