الاثنين ١٥ ابريل ٢٠١٣ -
٥٦:
٠٨ ص +02:00 EET
بقلم: منير بشاى
يعترض البعض على تسمية ما حدث فى 25 يناير 2011 بأنه ثورة بمعناها المعروف. وهم محقون فى ذلك لأن الثورات تقوم ضد الأوضاع الخاطئة فى البلاد بهدف تصحيحها، وهذا ما لم يحدث، بل حدث العكس تماما. ولذلك أفضل شخصيا تسميتها "ثورة معكوسة" لأنها لم تصحح ما هو مختل فى النظام السابق بل زادته اختلالا. والمحصلة النهائية انه بعد نحو عامين تعيش مصر هذه الأيام مرحلة يمكن وصفها بأنها اختلطت فيها المعايير وتم استبدال الكثير من المفاهيم المتعارف عليها بمفاهيم أخرى بعيدة تماما عن ما هو مقبول ومعترف به محليا ودوليا.
وفيما يلى بعض مظاهر اختلاط المعايير فى مصر بعد الثورة، خصوصا ما يتعلق منها بسياسة النظام الجديد حيال مسيحيو مصر.
1- حاميها يصبح حراميها
أهم وظائف الدولة هو توفير الأمن والأمان لكل المواطنين. ولكننا رأينا هذا المفهوم يهتز عندما أصبح اهتمام الأجهزة الأمنية ينصب أساسا الى حماية النظام والجماعة التى ينتمى اليها. ويظهر هذا فيما رأيناه من اجراءات أمنية غير عادية تتخذ لحماية مكتب ارشاد جماعة الأخوان بالمقطم، بينما لم تحظ المواقع المسيحية المهددة بأى قدر من الحماية. ولكن ما زاد من ترويع المسيحيين هو ان نرى أجهزة الأمن تشارك المعتدين فى ضرب الكنائس والمصلين وهذا ما رأيناه فى حادث الاعتداء على الكاتدرائية يوم الأحد 7 أبريل 2013 حيث انضمت الداخلية الى البلطجية الى الاخوانجية ليصبحوا جميعا يد واحدة فى الاعتداء على المشيعين فى جنازة ضحايا الإرهاب فى ظاهرة تخطت كل التقاليد والأعراف التى تتطلب مراعاة حرمة الأموات ومشاعر الأهل والمواسين. بل وفى سابقة خطيرة لم يحدث مثلها منذ قيام المسيحية اشترك كل هؤلاء فى ضرب الكاتدرائية والمقر البابوى.
2- الضحية يعامل كالمعتدى
ولكن ما حدث من اجراءات بعد الاعتداء يفوق فى غرابته كل تصوّر عملية الاعتداء على الكاتدرائية مؤيد بالصوت والصورة فى فيديوهات تصف ما حدث دقيقة بدقيقة، وكذلك أقوال شهود العيان الذين رأوا بأنفسهم كل شىء، بل والشهداء والمصابين انفسهم وتقارير الطب الشرعى والتى تشير الى من ضرب وتحدد نوع السلاح المستخدم وأماكن الاصابة لتثبت بالدليل القاطع ضلوع رجال الشرطة. ولكن مع ذلك نرى البيان الذى صدر باللغة الانجليزية من عصام الحداد مستشار الرئيس ووزع على عواصم العالم قبل التحقيق ويتهم الاقباط انهم من بدأوا الاعتداء. ثم نرى التكتيك المعتاد فقد قبض على سبعة من المسلمين، وأيضا سبعة من الضحايا الأقباط لاستخدامهم كأداة للمساومة بالتهديد بتلبيسهم الجريمة وتضييع مستقبلهم. وأمام شكوى الأقباط قد يفرج عن الجميع ويضيع حق الضحايا ويقفل ملف القضية كما اقفلت ملفات قضايا كثيرة مثل مذبحة ماسبيرو وكنيسة القديسين ونجع حمادى والكشح وغيرها
القاضى يتصرف كالخصم.
هل من قبيل الصدفة انه فى جميع الجرائم التى ارتكبت ضد الأقباط لم يصدر لصالحهم حكما واحدا عادلا ورادعا؟ هل من المعقول ان يتصرف بعض القضاة فى قضايا الفتنة الطائفية كأنهم خصوم للطرف القبطى؟ أين مفهوم العدالة المعصوبة العينين التى لا ترى سوى تنفيذ القانون على الجميع؟ والأمثلة كثيرة عندما رأينا القاضى يخرج عن نصوص القانون ليحكم بعاطفته الدينية المتعصبة. فكيف يحكم قاضى على مجموعة من أقباط المهجر بالاعدام فى قضية الفيلم المسىء للرسول دون دليل يثبت ضلوعهم فى ذلك العمل؟ وحتى ان كانوا مدانين فالعقوبة فى مثل تلك الجريمة لا تتعدى السجن 3 سنوات؟ وكيف يحكم قاضى فى قضية فتنة طائفية فى أبو قرقاص على جميع المسيحيين بالمؤبد وجميع المسلمين بالبراءة؟ هذا قبل ان يتم الطعن فى الحكم وتعاد المحاكمة من جديد أمام دائرة قضائية أخرى.
4- الجلسات العرفية تحل محل مؤسسات الدولة
مؤسسات الدولة هى الشرطة التى يجب ان تقبض على الجناة وتجمع أدلة الاتهام، ثم النيابة التى تحقق فى الأدلة وترفع الدعوى للقضاء، ثم القضاء الذى يحكم فيها طبقا لنص للقانون، وبعد ذلك يأتى تنفيذ الحكم. كل هذه المؤسسات يتم اختزالها حاليا فى الجلسات العرفية حيث يجلس الطرفان المظلوم والجانى ويتم تبادل الكلمات المعسولة فى المواطنة (الغائبة) والنسيج الواحد (الذى تهرأ) وشجب أعمال العنف ربما من نفس الامام الذى دعا لها قبلا. ثم يجد المجنى عليه نفسه مضطرا الى التنازل عن حقوقه فى مقابل الحصول على الأمان له ولأولاده ، ويتم هذا فى ظل عدم ثقته فى وجود نظام يعطيه حقوقه ويضمن له الأمان. والجناة يعرفون هذه النهاية ولذلك يستمرون فى ارتكاب جرائمهم دون خوف أو رادع.
5- مفهوم الخلافة يأخذ مكان مفهوم الوطن
تحول مفهوم المواطنة الى مجرد شعارات لا قيمة لها. وتم وضع المواطنة فى البند الأول من الدستور ليصبح مجرد ديكور لأغراض التجميل، ولكن قد الغى مفعوله بواسطة البند الثانى الذى يجعل الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسى للتشريع. وجاء حكم الاخوان الذى كان مشروع احياء الخلافة الاسلامية هو هدفهم منذ قيامهم سنة 1928 بعد سقوط الخلافة العثمانية. وليس بغريب ان نرى الدستور الاخوانى الجديد يتكلم عن تغيير معالم مصر مثل العلم والسلام الجمهورى وعاصمة الدولة وفى نسخة سابقة كان يتضمن الدستور أيضا تغيير الحدود. فالفكر الذى يعشش فى أذهانهم هو تذويب الدولة المصرية فى كيان عالمى تصبح مصر فيه مجرد ولاية. ولذلك سمعنا مرشد الاخوان السابق مهدى عاكف يقول طظ فى مصر واللى جابوا مصر وأيضا انه لا يمانع فى ان يحكم مصر مسلم مالييزى. كما وجدنا صفوت حجازى ينادى بالزحف الى القدس لتحريرها لتصبح عاصمة الخلافة الجديدة.
لا شك ان مصر تعانى الآن من ردة حضارية خطيرة ادت الى اختلاط المعايير فى كل مناحى الحياة. واصبحت مصر بذلك تسير فى الاتجاه المعاكس نحو القرن السابع بدلا من اللحاق بالقرن الواحد والعشرين. وسيستمرهذا الى ان تحدث المعجزة ويتم التخلص ممن يجلسون وراء عجلة القيادة.
Mounir.bishay@sbcglobal.net