بقلم: القس فيلوباتير جميل
خلال ما يقرب من أربعين سنة مضت مرت فيها مصر بعدد كبير من المذابح الطائفية والتي راح ضحيتها شهداء أقباط بالعشرات ولعل الذاكرة هنا يحضرها مذبحة الكشح ومذبحة أبوقرقاص ومذبحة نجع حمادي ومذبحة كنيسة القديسين ومذبحة المقطم ومذبحة إمبابة ومذبحة ماسبيرو ومذبحة الخصوص والكاتدرائية أخيرا .... هذه نماذج من المذابح التي تعرض لها الأقباط بالإضافة إلى حرق وهدم عدد من الكنائس الأمر الذي يؤكد بما لا يدع مجالا للشك بان المسيحيين في مصر يتعرضون لحالة من حالات الاضطهاد الممنهج الغير مسبوقة الا في العصر الروماني وان كنا قد وصلنا في مصر إلى ان يتم حرق مواطنا مصريا لا لجريمة ارتكبها الا لكونه مسيحيا ....
هنا وأتساءل معك قارئي العزيز عن الكيفية التي حاول بها الأقباط التعامل مع هذه المذابح وهذا الاضطهاد لاكتشف معك ان الأمر رغم تكرار الأحداث واختلاف ظروف حدوثها إلا ان طريقة المعالجة تكاد تكون متطابقة بلا أي تغيير خروج مركز في الإعلام ومساحة إعلامية لا باس بها في القنوات المسيحية والعامة للتنديد بالحدث ..... ثم رد فعل كنسي من القيادة الكنسية يبدأ بالتنديد وينتهي بالاعتكاف في بعض الأحيان .... ثم مقابلات لأسر الشهداء وزيارات للمصابين مع محاولة مساندتهم في مصابهم الفادح .... إلى مقابلات متكررة لشخصيات محددة من الكنيسة والاقباط مع بعض المسئولين ليتم السعي للتهدئة تمهيدا لما نسميه مأساة جلسات الصلح العرفية .... ولا مانع من خروج مسيرات ومظاهرات تندد بالحدث ويمكن في بعض الأحيان ان يخرج في المظاهرات عدد من الأساقفة والكهنة على حسب حجم الحدث وتنتهي الامور بهذا ويهدأ الجميع وتعود الحياة إلى طبيعتها في انتظار كارثة أخرى ومذبحة أخرى ليتم التعامل معها بنفس السيناريو العقيم ..... ولي على ذلك عدة ملاحظات :-
أولا انا لست ضد جلسات الصلح بين الأخوة في الوطن الواحد فهذا في عمق تعاليم الكتاب المقدس الذي أؤمن به ولكن تعليقي على من له الحق كتابيا في الجلوس في هذه الجلسة وبخاصة في الجلسات التي تعقب المذابح فغير مقبول للكنيسة ان تمثل دور ولي الدم لان الكتاب المقدس علمنا ان هناك دور لرئيس الكهنة ودور يقوم به ولي الدم أي اقرب المقربين للضحية وللشهيد فمن يقوم بجلسة الصلح من قيادة كنسية أو إسلامية أو من الدولة هو يفرض نفسه على المشهد بغير وجه حق فابدأ الكاهن هنا لا يمثل ولي الدم ( وأؤكد ان جلسة الصلح العرفية الوحيدة التي جلست فيها وندمت على وجودي فيها كانت بسبب محاولة فرض تطبيق القانون لفتح كنيسة العذراء عين شمس ولم تكن بسبب مذبحة ) .... فجلوس الكاهن هنا سلب لحق أصيل لولي الدم كنت اتمنى ان يبذل جهده وخدمته في رعاية أسر الشهداء والتخفيف عنهم لا ان يكون وسيلة تستخدم لاهدار حقهم ....
ثانيا من غير المنطقي ان نختبر حلا واحدا في كل مذبحة ولم يأت بالنتائج المرجوة ثم نعيد تكراره في كل مرة رغم أني أثق في انه كتابيا الضيقات ستستمر ولكن هذا لا يمكن اعتباره سببا في ان نسير على نهج خاطئ ثبت عدم جديته حتى في الحد من هذه المذابح بل الكل يراها في ازدياد من حيث التنوع واقتراب الفاصل الزمني بين المذبحة والاخرى التي تليها إلى ان تجرأ المتطرفين واقترب من مقر اعرق الكنائس في العالم والعجيب انه بعد ان يتم تهدئة الامور يخرج علينا شخصيات ممن قادوا مسيرات ومظاهرات يتحدثون عن تحريم التظاهر وان أسلوب التظاهر مخالف لتعاليم المسيحية ثم ينتظرون مذبحة أخرى ليحددوا لنا الموقف المناسب وهكذا .... وهناك على الجانب الآخر اتجاه لا يروج ولا يشجع الا على التعبير عن الغضب من خلال التظاهر والمسيرات وهو بالتأكيد أسلوب من أساليب الضغط في المجتمعات الديمقراطية للضغط على حكوماتها للتعامل مع هذه المذابح .... ولكن يجب السعي والبحث عن أساليب أخرى ضاغطة على هذه الأنظمة المتطرفة .
هنا ولعل البعض يسألني عن الحل من وجهة نظري أقول أنه ان الأوان لتصعيد جديد تقوم به المنظمات القبطية والكيانات القوية بالخارج بعد ان ثبت للكل بان أساليب العلاج من الداخل جميعها ثبت عدم قدرتها على ردع المتطرفين الذين استحلوا دماء الأقباط وكنائسهم وقد أدركوا ان الأقباط أمرهم سهل هيصرخوا في الإعلام فترة ويمكن يخرجوا في مسيرات ومظاهرات ويمكن قيادتهم الكنسية تدخل في اعتكاف مؤقت وفي النهاية سيقبلوا بالحل العرفي والصلح وتنتهي الأزمة لننتظر الأزمة التي تليها !!!!
الحل من وجهة نظري أننا نمتلك كيانات قبطية قوية في أربعة أماكن على مستوى العالم لديها القدرة على الضغط بقوة هي استراليا وأمريكا وأوروبا وكندا فأرى أن تتوحد هذه الكيانات في الأربعة أماكن ويتم تقسيم المذابح القبطية والأحداث الجسام التي مر بها الأقباط على أربعة أقسام يتولى كل قسم رفع قضية دولية في إحدى المحاكم الدولية المعترف بها كمثال مثلا الكيانات القبطية في امريكا مثلا تتبنى مذبحة ماسبيرو والمقطم وإمبابة وهدم وحرق الكنائس وتطارد المجلس العسكري في المحاكم الدولية .... والكيانات في أوروبا تتبنى مذبحة الخصوص وأحداث الكاتدرائية وهكذا على ان تتحمل الجاليات القبطية والمنظمات تدبير الوثائق والترتيبات المالية وتخصيص محامين دوليين لتبني هذه القضايا وليكن سباق بين المنظمات والكيانات والذي سيكشف بما لا يدع مجالا للشك حجم هذه المنظمات والكيانات وقوتها في المجتمع القبطي وسيقدمون خدمة رائعة لأسرهم المضطهدين في مصر ...
على ان هذا الأمر لا يغني عن تنظيم مسيرات غاضبة في العالم كله لفضح الأنظمة المتطرفة في مصر وكفانا نغمة عدم اللجوء للمجتمع الدولي والسعي للحل الداخلي فالأمر مختلف تماماً عن فكرة الحماية الدولية التي يتهموننا بها مع كل مذبحة ....
تلك هي وجهة نظري ألخصها في أمرين أولهما أن تبتعد الكنيسة عن ممارسة دور ولي الدم في المذابح الطائفية فهذا أمر يحمل خلطا رهيبا واغتصاب لحق اسر الشهداء أولياء الدم الحقيقيين والذين لهم الحق ان أرادوا الجلوس في جلسة صلح عرفي في غالبية الأحيان تضيع فيها كل الحقوق !!! والأمر الثاني في اللجوء للمحاكم الدولية من خلال المنظمات والهيئات القبطية المنتشرة في العالم مع العلم ان مثل هذه النوعية من القضايا معروف أنها لا تسقط بالتقادم وأتصور أنها ستكون وسيلة ان لم تمنع مثل هذه المذابح والأحداث فعلى الأقل تقللها لان هؤلاء المتطرفين وهذه النوعية من الحكام يمكن ان ترتدع ان وجدت أفعالها إدانة من المجتمع الدولي ... وان لم تتحقق أي من ذلك فعلى الأقل نكون قد أرضينا ضمائرنا بأننا لم نقصر في حق دماء أولادنا وشهداؤنا ...