بين هيكل ونافعة وآمال في غير محلها
بقلم: أسامة بدير
أكد النائب "عمر الطاهر" وكيل اللجنة التشريعية لمجلس الشعب المصري أنه سيقود حملة لغلق الأبواب أمام دكتور "أيمن نور" الرئيس الأسبق لحزب الغد ومرشح الرئاسة السابق عام 2005، خصوصًا بعد زيارة نور الأخيرة لمحافظة قنا في اليوم التالي لزيارة جمال مبارك.
كان عمر الطاهر قاد مجموعة من نواب الحزب الوطني الحاكم لمنع نور بالقوة من دخول مدينة نجع حمادي، ووقعت مشادة كلامية ساخنة تراشقًا خلالها الاتهامات بينهما وعلى أثرها قال الطاهر لـوسائل الإعلام: نور مزور، وسنقود ضده حملة لغلق الأبواب ردًا على حملته التي يسميها طرق الأبواب التي يسعى من خلالها لاستعادة ثقة المواطن تمهيدًا لترشحه لمنصب الرئاسة عام 2011.
هذه هي عقلية عشرات من قيادات الحزب الوطني الحاكم التي تسيطر على كل مقاليد وعناصر القوة في مصر وهي بلا أدنى شك جزء من كل، وفي هذا السياق فإن ثمة سؤال يطرح نفسه وبقدر من السخرية.
هل مثل هذه القيادات الحزبية المنتمية بالأساس للحزب الوطني الحاكم وتعتلي مواقع حساسة وهامة في المؤسسة التشريعية -المفترض فيها أن الشعب صاحب الكلمة الأولى والأخيرة- يمكن أن يكون انتماءها للشعب المصري؟
الإجابة بالطبع لا، إنها لم تأت بإرادة الشعب عبر صندوق انتخاب حر نزيه، بل سطت على هذه المؤسسة التشريعية في غفلة من الزمن بتواطؤ النظام الحاكم لتصبح من أعوانه وأدواته التي يحركها كيفما شاء، تنفذ ما يقال لها بالحرف الواحد، وتفعل ما يملى عليها بلا أدنى نقاش مقابل الحصول على بعض المصالح الشخصية الضيقة، فهي قيادات ماتت ضمائرها وباعتها لمن يدفع الثمن حتى ولو كان ذلك على حساب جثث وأشلاء كل المصريين. وأصبح ولاؤها في المقام الأول والأخير لمن أجلسها داخل هذه المؤسسة التشريعية بتزوير وتزييف إرادة الأمة.
أقولها ببساطة شديدة إن النظام الحاكم في مصر بقيادة مبارك عمد إلى اختزال كل صلاحيات المؤسسات الدستورية والسلطات الثلاث المخولة لها بقوة الدستور والقانون، ووضعها في مؤسسة تسمى مؤسسة رئاسة الجمهورية هي الآمر الناهي، هي المتحكم والمسيطر على كل مناحي الحياة في مصر وتم تكريس هذه الحقيقة على مدار حكمة طيلة الثلاثين عامًا الماضية.
وبقدر كبير من الموضوعية والتجريدية، يمكننا أن نصل إلى حقائق الأمور التي حتمًا ترفض كل الأطروحات المعروضة على الساحة السياسية الآن للنخب المثقفة التي باتت تعرف بأنها ظاهرة صوتية تنطق بألفاظ وترفع شعارات رنانة في مواسم سياسية بعينها، وكأن الإصلاح السياسي لن يحدث إلا في هذه المواسم دون غيرها.
الغريب في الأمر -وما يدعو للسخرية- إن هذه النخب فضلت واكتفت بعرض أفكارها وكأنها طوق نجاة مصر من مأزقها السياسي داخل مكاتب مغلقة، وأمام كاميرات الإعلام المحلية والعالمية، وبعيدًا عن التحامها وتفاعلها مع رجل الشارع دون أن تدرك حقيقة التغيير، أنه لن يأتي إلا على أيدي هؤلاء وبفضل هؤلاء.
فكانت البداية مع كاتبنا الكبير الأستاذ هيكل الذي طرح فكرة إنشاء مجلس أمناء الدولة والدستور المكون من ١٢ شخصًا فيهم البرادعي، وزويل، وعمرو موسى، ومجدى يعقوب، ومنصور حسن، وحازم الببلاوى، وعمر سليمان -على اعتبار أن هذه الأسماء المطروحة تلقى قبولاً واستحسانًا عند عامة الناس- ولابد أن يكون هناك حضور للقوات المسلحة باعتبارها حارس السيادة الوطنية.
ستكون مهمة هذا المجلس على حد قول هيكل التفكير في كيفية الوصول إلى عمل استفتاء عام على دستور جديد، وعقد اجتماعي جديد، توفر بعدها وزارة مسئولة ومجلسًا تشريعيًا ونظامًا رئاسيًا للحكم، في ظل تواصل الوزارة الموجودة حاليًا لكن برئاسة رشيد محمد رشيد، ويوسف بطرس غالى نائبًا، وأن يشرف الرئيس مبارك بنفسه على هذه المرحلة الانتقالية التي تستمر ثلاث سنوات تكون تلك أخر وأهم خدمة يقدمها مبارك لمصر.
في الوقت نفسه طرح الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة فكرته بتشكيل حكومة الإنقاذ الوطني تكون مهامها وأولوياتها إلغاء القوانين المقيدة للحريات، وضمان استقلال القضاء، وتشكيل لجنة عامة مستقلة ودائمة للانتخابات، وتشكيل هيئة تأسيسية ممثلة لوضع دستور جديد للبلاد، وإعادة هيكلة وتنظيم الأزهر الشريف وهيئة الأوقاف، وإصدار قانون جديد يضمن استقلال الجامعات ويوفر لها أكبر قدر ممكن من الحريات الأكاديمية، ويضع ضوابط لإنشاء وعمل الجامعات الخاصة بما يحافظ على جودة ومستوى التعليم، وإعادة تنظيم شؤون الصحافة والإعلام بما يتلاءم مع التحولات والثورات المتعاقبة في عالم الاتصال.
وما بين هيكل ونافعة أقول أنه على الرغم من اتفاقهما على ثمة هدف أوحد، يريدان تحقيقه ألا وهو عبور المجتمع المصري بأمان من النفق المظلم الذي وضعنا فيه ترزية قوانين النظام الحاكم على مدار الثلاثين عامًا الماضية.
لكن اختلفت الرؤيتان في الوصول إلى ذاك الهدف، ولربما هذا الاختلاف طبيعي ومنطقي، كون الرؤيتين لن تخرجا عن كونهما مجرد أحاديث للنخب داخل حجرات مغلقة، تفتقر إلى آليات تنفيذ واضحة ومحددة، تصب في تحول تلك الرؤى إلى خطط حقيقية قابلة للتنفيذ، في ظل الواقع السياسي والاجتماعي وحتى الاقتصادي الذي يعيشه المجتمع المصري.
ببساطة شديدة اعتقد أن هناك عشرات المئات من المواطنين العاديين ممن حصلوا على قدر ولو بسيط من التعليم، يملكون أفكارًا قد ترقىَ إلى رؤى يمكن أن ترقى إلى رؤيتي هيكل ونافعة.
لكن يبقى الشيء الأهم كيف يمكن أن تخرج هذه الرؤى إلى النور لتدخل حيز التنفيذ، في اعتقادي أنه ينبغي على صاحب الرؤية أن يقدم لنا بدائل لسيناريوهات تنفيذ هذه الرؤية في ظل الواقع المرير والأليم الذي ستطبق فيه، وإلا تحولت إلى مجرد فكرة ما تلبث أن تموت بمرور الوقت.
إن مشكلة شعب مصر أنه باتت السلبية أحد أهم مظهر من مظاهر سلوكه يرى الخراب والدمار لاحق بكل مجالات حياتنا، ويعلم تمام العلم من المتسبب الحقيقي فيما آلت إليه الأمور، ومع ذلك فإنه لم يحرك ساكنًا، وكأن ما يحدث ليس في مصر بل في بلد آخر أو كوكب آخر.
إن النظام لم ولن يسمع لكم أيها النخب، ولن ينفذ أي شيء مما تقولونه لأنه على يقين أن مصر في تطور وتقدم مستمر، وليس بالإمكان أفضل مما كان.
لذلك، أقولها وبأعلى صوتي أن الطريق إلى الحرية والديمقراطية والإصلاح لا يمكن الوصول إليه بالتوسل، ولكن بالضغط والتضحيات الجمة الحقيقية بمشاركة كل جموع الشعب، وليست فئة بعينها.
بالشعب فقط يمكن الوصول إلى هذا الطريق وفى أسرع وقت ممكن، وعندها فقط سيتغير وجه الحياة تمامًا على أرض مصر التي دائمًا وأبدًا كانت وستكون نموذجا ومعلما للمنطقة بأسرها، شاء من شاء وأبى من أبى، ستبقى مصر قوية بشعبها الذي حتمًا سينهض من كبوته، ويحقق المعجزة التي سيتحدث عنها العدو قبل الصديق، كما فعلها في حرب أكتوبر المجيدة عام 1973 في المجال العسكري، فالنصر الآن مطلوب لكن على الصعيد السياسي.
ولست هنا أدعى أنني صاحب رؤية متكاملة قابلة للتطبيق -في ظل ظروفنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية الاستبدادية والفوضوية- متضمنة عدة بدائل لآليات وأدوات تنفيذها، لكني فقط أردت أن ألفت الانتباه إلى أن كل ما هو معروض الآن على ساحة العمل الوطني في جانبه السياسي من أفكار، قد ترقى إلى رؤى إنما هي ناقصة وغير كاملة، ولن تكون فاعلة -ما دامت تهمل الطرف الأقوى والمؤثر الذي يمتلك كل عناصر القوة والتغيير في كيفية التعاون أو التعامل معه- وما تلبث أن تنتهي بفعل الزمن أو تموت بالنسيان، تحت تأثير قضايا أخرى محلية أو إقليمية أو عالمية. وهكذا يبقى حال مصر وقدرها مرهون بمصير مجهول حتى إشعار آخر.
وأخيرًا ثمة سؤال أعتقد أنه لابد من الإجابة عليه لدى النخب السياسية -وبقدر كبير من الشفافية- قبل التفكير والخوض في إعداد أي رؤية إستراتيجية للخروج من الوضع السياسي الباهت الذي فيه المجتمع المصري الآن أملاً في التحول من النظام الجمهوري الرئاسي الحالي الذي أفسد وسمم الحياة السياسية، وأضعف الاقتصاد، ودمر البناء الاجتماعي للمجتمع إلى النظام الجمهوري البرلماني: ما الذي يجبر نظام مبارك لفعل ذلك، والتخلي عن المكاسب والصلاحيات التي حققها طيلة فترة حكمه تمهيدًا لاستغلالها لتحقيق مصالحة بالدستور والقانون؟
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :