الأقباط متحدون - زمن النكد!
أخر تحديث ١٦:٢٧ | الاثنين ٨ ابريل ٢٠١٣ | ٣٠برمهات ١٧٢٩ ش | العدد ٣٠٩٠ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

زمن النكد!

بقلم : منير بشاي
تمر مصر الآن بمرحلة فاصلة من تاريخها أسماها البعض زمن الاخوان وأطلق عليها البعض الأخر حكم الاسلام السياسى أو صحوة الاصولية الاسلامية...واضيف الى هذه الاسماء انها زمن النكد..الأخبار القادمة من مصر يوميا كلها نكد، وما يثير النكد أكثر انه لا يبدو فى الأفق بارقة أمل للعلاج.

وأرى انها صميم مسئولية الدول ان تدخل الابتسامة الى قلوب الناس وهو ما فشلت فيه حكومة الرئيس مرسى التى تزداد فى هذا الفشل يوما بعد يوم.  ليس هذا من منطلق حق للشعب فى الحياة السعيدة فقط ولكنه أيضا يمثل جزءا هاما من متطلبات الحكم، فلا تستطيع حكومة ان تقوم بوظيفتها على المدى الطويل ان لم يكن الشعب على درجة من الرضى والارتياح.

فى صميم المشكلة حقيقة انه يجلس على كرسى الحكم الأن رجل قد يكون استاذا جامعيا كفءا فى علوم الهندسة، ولكنه لا يجيد فن السياسة وادارة البلاد والتعامل مع الجماهير. هذا ضمن أخطاء كثيرة ارتكبها فى الشهور القليلة منذ ان استلم الحكم.
لا نحتاج الى اثبات سذاجة الرجل عندما ظن انه يستطيع علاج مشاكل مصر المزمنة خلال المائة يوم الأولى من حكمه. كما انه ليس غائبا عن الجميع تدنى أدائه فى وظيفته كرئيس للجمهورية.

كما لا نحتاج الى تذكير بفضائح د. مرسى فى بلاد الفرنجة عدما ضبط متلبسا أمام الكاميرا وهو يلمس (معرفش ايه) بينما تجلس الى جانبه جوليا جيلارد رئيسة وزراء استراليا، او النظر الى ساعته عدة مرات امام امتعاض ميركل المستشارة الالمانية، أو محاولته تهشيم اللغة الانجليزية فى بلادها وأمام شعبها، مما جعل البعض يكررون المقولة فى مسرحية مدرسة المشاغبين: انجليزى ده يا مرسى؟
ولكن أهم من اكله هو رسوبه فى مادة تذوق الفكاهة Sense of humor.  هذه المادة اجبارية لتأهيل كل من يريد ان يصبح رئيسا للجمهورية وبدونها لا يمكن لأحد ان يشغل هذا المنصب الرفيع.  رئيس الجمهورية ليس كاتبا حكوميا (مربوط على الدرجة...) ولكنه أولا وقبل كل شىء قائد للمسيرة، وشاحذ للهمم، ومغير للمناخ العام ومصلح للمجتمع ووسيلته للوصول للقلوب والعقول ليبيع برنامجه الاصلاحى هو مقدرته على التواصل communication والتواصل ليس معناه القاء الخطب الرنانة التى توحى بالمقدرة اللغوية والتى لا يفهمها أحد، ولكن هى المقدرة على توصيل الفكرة للجماهير واقناعهم بها عن طريق الكلمات البسيطة والأمثلة الشعبية التى يفهمها رجل الشارع.  وعنصر هام فى هذه هو تذوقه للفكاهة ومقدرته على استخدامها لخدمة الوطن.

عندما أصدر الرئيس مرسى تعليماته للمسئولين بالقبض على باسم يوسف ومحاكمته بتهمة اهانة الرئيس لأنه كان يقلده لابسا قبعة ضخمة تشبه القبعة التى لبسها وقت حصوله على درجة الدكتوراة الفخرية من باكستان، كان مرسى يثبت انه لا يصلح رئيسا للجمهورية لأنه لا يقدر أهمية الفكاهة فى الحكم ولأنه لو كان يفهم هذا الدور لشكر باسم يوسف الذى فى الحقيقة كان يقدم لمرسى أكبر خدمة فالتقليد هو أعلى درجات الاطراء. Imitation is the highest form of flattery
ما عمله باسم يوسف فى بضع دقائق ظل يعمله كوميدى أمريكى اسمه جون ستيوارت على مدى ثمانية سنوات عندما كان يسخر من قبعات الرؤساء الأمريكيين حتى اولئك الذين كان يحبهم ويحترمهم مثل جورج دبليو بوش.  وهذا لم يضايق واحدا من هؤلاء الرؤساء ولم يقلل من فرصتهم فى اعادة انتخابهم بل زادتهم شعبية وحب الناس لهم.  كما لم يسبب للكوميدى أى ملاحقة قانونية.

فى عيد ميلاد الرئيس بوش (الكبير) عملت له زوجته مفاجأة وهى دعوة أحد الكوميديين المشهورين بتقليده والضحك على طريقته فى الكلام واستعمال حركات اليد.  واذيع الحفل على التلفزيون ليستطيع الشعب الأمريكى ان يشاركوا رئيس جمهوريتهم وهو يضحك ملء شدقيه كلما قلده الكوميدى.  فعندما يضحك الرئيس على فكاهة قيلت عليه يضحك معه الناس ويتم اعتبار السخرية انها مجرد فكاهة بريئة، أما اذا امتعض الرئيس فسيضحك الناس عليه لأن السخرية سيتم التعامل معها على انها حقيقة..

عند وفاة جون كنيدى الصغير (ابن الرئيس الأسبق جون كنيدى) وقف عمه ادوارد كنيدى لتأبينه وكان ضمن ما ذكره واقعة حيث كان جون يسخر فيها من عمه ادوارد.  ومناسبة الواقعة ان الصحفيين سألوا جون: ما هو أول شىء ستفعله اذا فزت بالانتخابات لتصبح رئيسا للولايات المتحدة؟. وكان رد جون وهو ذكره عمه فى التأبين مبتسما: أول شىء سأفعله هو اننى اتصل بعمى ادوارد (وأتفشخر!) would call Uncle Edward and gloat I فى اشارة لفشل ادوارد المتكرر فى انتخابات الرئاسة.

ولكن الذى يجب ان يحاكم فى موضوع باسم يوسف هو المرشد السابق مهدى عاكف الذى أيد القبض والتحقيق ومحاكمة باسم يوسف لأنه "تطاول على أسياده" حسب قوله.  فوصف عاكف للناس بانهم سادة وعبيد جريمة كبرى لا يجب التغاضى عنها.  أما  باسم يوسف فلم يفعل اكثر من ان يحاول رسم البسمة على وجوه الناس.  وهو أمر ينبغى ان يشكر عليه، ويكرم من أجله، خصوصا فى هذه الأيام حيث أصبحت الابتسامة عزيزة، والدمعة أقرب الى العين من الابتسامة.
من المستحيل وقف اطلاق الفكاهات التى تسخر من رئيس الجمهورية بقوة القانون.  منذ القديم كان المصريون "أولاد نكتة" وقد وجد الشعب المصرى المخرج له من همومه الكثيرة بترديد النكات حتى على نفسه. واذا عمل تشريع قانونى يمنع تداول النكات التى تنتقد الرئيس على شبكة التلفزيون سيتحول ترديد تلك النكات الى همسات بين الأفراد فيأتيك شخص ويقترب من أذنك هامسا "سمعت آخر نكتة عن مرسى؟" ووقتها سيكون للنكات الساخرة فعلا تأثيرها السلبى على شعبية الرئيس.

لا...لسنا نريد رئيسا يضحكنا ويضحك الناس علينا. ولكن فى نفس الوقت لا نريد رئيسا كل ما يعمله هو ان يبكينا حتى وان بكى معنا.  كفى ما نعانيه من نكد... نريد رئيسا قادرا على اعادة البسمة الى وجوه الناس، فمع البسمة  يأتى الأمل، ومع الأمل يأتى العمل، ومع العمل يأتى التغيير للافضل.
 


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter