نشرت صحيفة "هاأرتس" الإسرائيلية في عددها الصادر يوم الأحد 31 مارس الماضي مارس خبر فتح إسرائيل أبوابها لهجرة الأقباط، الأمر الذي أعلن عنه بعد أربعة أيام من زيارة أوباما لإسرائيل وإعلانه القدس عاصمة أبدية لإسرائيل، وأضافت الصحيفة أن 237 عائلة قبطية قد لجأت لإسرائيل وقدموا أوراقا تثبت تعرضهم لإضطهاد في مصر بعد الثورة، وقالت الصحيفة أن إسرائيل تعطي الأولوية للمهنيين والذين لهم خبرات في مجالات مختلفة بالإضافة لإجادتهم للغات، بالإضافة لفتح الباب لهجرة رجال الأعمال بشرط أن لا يقل المبلغ الذي يحضره رجل الأعمال عن 150 ألف دولار.
هذا كان مضمون الخبر أو القنبلة التي فجرتها الصحيفة والتي أدت لأن يكون موضوع هجرة الأقباط لإسرائيل حديث وسائل الإعلام المصرية والعربية، من حق وسائل الإعلام ان تتناول الموضوع فهو بحق يستحق، فلا توجد عائلة في مصر إلا وفقدت أحد أبناءها في الصراع العربي الإسرائيلي الذي بدأ منذ حرب 1948 وأستمر رسميا حتى حرب 1973 وفعليا حتي وقتنا الراهن.
الغريب أن وسائل الإعلام قامت بإستغلال الخبر للهجوم علي الأقباط والتشكيك في وطنيتهم وإنتمائهم لمصر، بل وطالب الكثيرين بإسقاط الجنسية المصرية عن هؤلاء، وكأن الجنسية المصرية منحة يجوز سحبها وقت ما يريد المانح، وتناسي الجميع ان مانح الجنسية هو الوطن وهو مانح كل الحقوق للمصريين. أما رموز الأقباط فقد تباروا في التعبير عن رفضهم لهذا السلوك وأصدروا البيانات التي تدين هذا التصرف بل وتمادوا في إلقاء اللوم علي المهاجرين.
هكذا تعودنا في مصر أن نهاجم الضحية نهاجم الباكي لأن صوته يزعجنا دون أن نكلف نفسنا عناء البحث عن سبب البكاء ودون أن نفكر في معالجته، تعودنا أن نزيد المتألم ألما وتعمدنا أن ننهش في جراح المجروحين لنزيدهم نزفا، وأن نتجاهل المهمشين لنزيدهم تهميشا وعزلا، وأن نبخل لو بكلمة طيبة علي المنكسرين والمظلومين والمضطهدين بل تعمدنا إنكار الظلم والإضطهاد من الأساس.
أيها الجهابذة قبل أن نلوم الأقباط علي ما فعلوه علينا أن نلوم أنفسنا ونلوم المجتمع كله، فقبل الثورة كان يوجد إضطهاد للأقباط نعم أتذكر أننا نظمنا مظاهرات سنة 2006 عندما قتل عم "نصحي" في الإسكندرية أما الآن فكل يوم يقتل قبطي وأصبحنا لا نتحرك، كنا نعاني من خطف البنات والآن لا يمر يوم دون أن نسمع عن بنات، أطفال ورجال يخطفون، كنا نقيم الدنيا عندما يتم التعرض لكنيسة والآن لا يمر أسبوع دون تعرض كنيسة من كنائسنا لحادث إجرامي.\
قد يقول البعض أن الإنفلات الامني يعاني منه جميع المصريين، وهذه حقيقة لا نستطيع أن ننكرها ولكن لا تنسوا ان الطرف الضعيف هو الاكثر معاناة من حدوث الإنفلات الأمني، لا تنسوا أن الأقباط هم الهدف الاول للبلطجية، وإذا كان الإنفلات الأمني يصحبة نشاط أجرامي يوجه للمجتمع بكامله، فهناك أيضا جماعات إرهابية إسلامية متشددة كانت تمارس العنف علي الأقباط وإستغلت حالة الإنفلات الأمني وأصبحت تمارس العنف ضد الأقباط جهارا ونهارا، ولا تنسوا أن النظام الإسلامي الحاكم يبارك ويشجع علي هذا العنف.
تقابلت مع شخص مصري سنة 2009 ومنذ اليوم الأول قال لي سيكون هناك إضطهاد للأقباط وستغلق في وجوههم كل الطرق وستكون إسرائيل هي المنفذ الوحيد لهم، وأننا يجب ان نستعد لهذه الأيام فهي قريبة جدا، كنت أقول هذا الرجل مخرف ولم أصدقه، وكنت أقول مستحيل ان يترك الأقباط مصر ولو هاجروا لن يختاروا إسرائيل ولكن يبدوا أنني كنت علي خطأ.
نحن ضد هجرة المصريين سواء لإسرائيل او غيرها ولكننا نؤمن بحق كل إنسان في العيش في وطن آمن، ولو بحثناعن عائلات المتشدقين الذين يطالبون الناس بعدم الهجرة لوجدنا أن كل ذويهم مهاجرين ويستخدمون علاقاتهم لتسهيل هجرة الباقي من عائلاتهم ويطلبون من الغير البقاء فهل هذا عدل؟
قبل أن نلوم الذين هاجروا لإسرائيل علينا أن نلوم الذين دفعوهم لترك ديارهم وأوطانهم والذين زرعوا الخوف والرعب في قلوبهم وجعلوا النوم الهادئ يفارق عيونهم، علينا أن نلوم أنفسنا ونبحث عن الأسباب التي جعلت مصري يفضل الهجرة حتي لو إلي إسرائيل عن البقاء في وطنه..
نقلا عن إيلاف