الأقباط متحدون - ظاهرة «باسم يوسف»
أخر تحديث ٠١:٤٧ | الخميس ٤ ابريل ٢٠١٣ | ٢٦برمهات ١٧٢٩ ش | العدد ٣٠٨٦ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

ظاهرة «باسم يوسف»

كم يبلغ عدد الذين يحرصون على متابعة برنامج «البرنامج» لباسم يوسف ويستمتعون به بلا حدود أو تحفظات، خاصة عندما يوجه سخريته اللاذعة للرئيس الحالى الدكتور محمد مرسى؟، وكم يبلغ أيضاً عدد الذين يستمتعون به، لكنهم ـ بينهم وبين أنفسهم ـ لديهم تحفظات معينة على مستوى السخرية وطبيعة الأداء؟ كذلك كم هو فى المقابل عدد الذين يستاؤون من هذا البرنامج من حيث المبدأ، ولا يتحملون مشاهدته إلى النهاية، وكلما قدر لهم أن يشاهدوا جانباً منه تحولوا بعد فترة ـ طالت أو قصرت ـ إلى قناة أخرى؟ تلك كلها أسئلة لا نملك إجابة دقيقة عنها فى ظل افتقادنا مؤسسة ذات مصداقية تقوم باستطلاع، وقياس اتجاهات المشاهد المصرى والعربى، بل اتجاهات الرأى العام فى مجمله بطريقة علمية موثقة،
 
وإذا كان لى أن أعتمد على الانطباعات الأولية المؤسسة على استطلاعى لوجهة نظر عدد كبير ممن التقيت بهم من المعارف والأصدقاء، (وهى انطباعات قد تتطابق تماماً مع الحقيقة أو قد تبتعد عنها بدرجة أو بأخرى)، إذا جاز لى أن أعتمد على مثل هذه الانطباعات فإننى فى حدودها، أستطيع القول بأن عدد مشاهدى برنامج البرنامج لباسم يوسف أكبر بكثير جدا من عدد الذين منحوا أصواتهم للرئيس مرسى نفسه فى انتخابات الرئاسة سواء فى الجولة الأولى أو الثانية، بل ربما أكثر من مجمل الذين شاركوا فى الانتخابات أصلا!!،
 
وأستطيع القول أيضا بأن الغالبية من المشاهدين يستمتعون به، وينصهرون فى أغلب الأحيان مع وجهة النظر التى يقدمها، ويشعرون بأنها تعبر عن وجهة نظرهم الشخصية، وإن كان هذا لا ينفى أن جانباً منهم يأخذون عليه أنه كثيراً ما يشتد فى السخرية والنقد إلى درجة تخرج به أحياناً عن مقتضيات العدالة والإنصاف، كما أن جانباً آخر منهم لا يستريح إلى الإيماءات الجنسية، التى كثيرا ما يتكئ عليها، خاصة عندما تبدو هذه الإيماءات، وكأنها مقحمة إقحاماً من أجل انتزاع الضحكات، وعلى نحو لا يستوجبه سياق البناء الفنى للبرنامج بالضرورة، أما الذين يستاؤون من البرنامج فى مجمله من حيث المبدأ، ولا يتحملون مشاهدته إلى النهاية فهم نسبة منعدمة تقريبا (إذ إننى لم أجد بين من استطلعت آراءهم من قال لى إنه يتحول إلى قناة أخرى إذا ما قدر له أن يشاهد جانباً من «البرنامج» لباسم يوسف!)، وبالطبع ليس بوسعى أن أستبعد تماماً إمكانية وجود هؤلاء المستائين من حيث المبدأ،
 
فليس من المنطقى مثلا أن أتوقع أن غلاة السلفيين سوف يبتهجون به، أو يستمتعون بمشاهدته، ولا أن أتوقع أنهم سوف يقدرون ما ينطوى عليه من الموهبة والفن بغض النظر عن كونه يتوجه إليهم شخصياً بسهام النقد، ليس من المنطقى أن نتوقع أن مستواه الفنى سوف يشفع له عندهم، وأنهم سوف يتقبلونه من ثم بروح رياضية، ذلك أنهم من حيث التكوين النفسى يكرهون الإبداع الفنى فى جملته (أيضا من حيث المبدأ)،
 
فكيف إذن إذا كان هذا الإبداع يتعرض لهم ولتوجهاتهم بالسخرية اللاذعة. الخلاصة أن برنامج «البرنامج» قد تحول إلى ظاهرة حقيقية تعبر عن شىء ما فى وجدان الناس، أو على الأقل وجدان الغالبية الغالبة منهم، وهم جميعاً يستمتعون به سواء كان استمتاعهم به مطلقاً بلا حدود، أو كان استمتاعاً مشوباً بالتحفظات والمآخذ، لا يستثنى من ذلك إلا قلة قليلة من غلاة السلفيين والمتشددين، الذين هم ينفرون من الفن بوجه عام،
 
ومن الطبيعى أن ينفروا بعد ذلك من باسم يوسف بوجه خاص، والسؤال الآن الذى يطرح نفسه هو لماذا يستمتع المشاهدون كل هذه المتعة بما ينطوى عليه هذا البرنامج من السخرية بوجه عام، ومن السخرية برئيس الجمهورية بوجه خاص؟،
 
رغم أن جانبا من هؤلاء المشاهدين أنفسهم قد ساهموا فى إنجاح الرئيس مرسى من خلال إعطائه أصواتهم فى انتخابات الرئاسة. الجواب على ذلك ـ فيما أتصور ـ يكمن أولا فى المستوى الفنى الرفيع لبرنامج «البرنامج»، الذى يبرع فى إبراز المفارقة بين الأقوال والأفعال من خلال لقطات ومشاهد توثيقية حية بالغة الدلالة، ثم يكمن ثانياً فى خيبة الأمل الكبيرة التى يشعر بها الكثير من المصريين، الذين تبين لهم بعد انتخابهم الرئيس مرسى أنه ليس منتمياً إليهم بالقدر الذى ينتمى به إلى أهله وعشيرته (أى إلى الجماعة التى هو عضو فيها)،
 
ومن ثم فهم يجدون فى توحدهم مع وجهة النظر التى يطرحها باسم يوسف بكل ما فيها من السخرية، يجدون فيها نوعاً من المقاومة لما يحيق بهم، وشكلا من أشكال التكفير عما فعلته أيديهم عندما اختاروه رئيساً للجمهورية.
 
nassarabdalla@gmail.com
 
نقلا عن المصري اليوم
 
 

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع