بقلم: جرجس ثروت
في البدء خلق الله السماوات والأرض , وكانت الأرض خربة وخالية ، وعلى وجه الغمر ظلمة ، وروح الله يرف على وجه المياه , وقال الله: ليكن نور، فكان نور, ورأى الله النور أنه حسن , وفصل الله بين النور والظلمة , ودعا الله النور نهارا والظلمة دعاها ليلا , وكان مساء وكان صباح يوما واحدا ( سفر التكوين 1 : 1- 5 )
هذه هي الآيات التي يبدأ بها العهد القديم رسالته للبشرية وفيها يبدأ بأن يأمر الرب الإله أن يكن نور فكان النور , أي أنه لم يخلق الظلمة ولكنه فصل بين النور والظلمة , الله نور وكل أعماله وخلقته نور للعالم , إنه يشرق شمسه على الأشرار والصالحين , ويمطر على الأبرار والظالمين .
عندما يأتي ذكرالنور نتذكر أيضاً الظلام الذي قد يودى بحياة البشر والنباتات والطير وكل حي على وجه الأرض , وقيل عن الشرير منذ البدء أنه رئيس العالم وسلطان الظلمة ويبغض النور لأنه يوبخ ويفضح ويكشف أعماله , فمن يريد أن يطفئ الأنوار ؟؟؟ من يريد أن يردنا للظلام والعبودية ؟؟؟ إبليس هو هو الذي يفعل ويحب أن يعمل في الظلام مع أن كان نور ولكنه سقط فصار ظلمة , ويريد أن يسقط ربوات وربوات في ظلامه وتحت سلطانه وشره حتى الدينونة لكي لا يكون وحده وجنده فقط في ظلام إلى أبد الآبدين , فتراه يجول ملتمساً كل من يبتلعه ليصير العالم ظلام , ويسقط في شباكه وظلمته وقد يزين طريق الظلمات بملذات كثيرة حتى ينجذب الإنسان نحو شهوته ويسقط ويكون داخله ظلام بعدما يطفئ الروح , هو لا يقدم ذاته هكذا للعالم أنه ظلمة ولكن ببريق ولمعان زائف كثير ننخدع ونجرى نلهث خلفه .
الظلام مخيف ومن فقد نعمة البصر يعرف جيداً معنى النورالذي ننسى أن نقدم الشكر لله على نعمة النور , وعندما تطفئ الأنوار بالمنزل يصرخ الأطفال وتجرى نحو الوالدين لتحتمي من الظلام , وببساطة الطفل يصيح بفرح عندما تعود الإضاءة نعم هي فرحة النور الذي يشرق حولنا وفينا عندما نكون أنقياء , نحن الذين أعطيت لنا الوصية : أنتم نور العالم , لا يمكن أن تخفى مدينة موضوعة على جبل , ولا يوقدون سراجا ويضعونه تحت المكيال، بل على المنارة فيضيء لجميع الذين في البيت.فليضئ نوركم هكذا قدام الناس ، لكي يروا أعمالكم الحسنة ، ويمجدوا أباكم الذي في السماوات ( متى 5 : 14 - 16 ) وقد لا نكون كذلك بسبب ظلمات متنوعة داخلنا , النور معه سلام وفرح على عكس الظلام مهما كانت لذاته فهو لا يعطى سلام بل خوفاً .
يقول الكتاب المقدس : وهذه هي الدينونة : إن النور قد جاء إلى العالم ، وأحب الناس الظلمة أكثر من النور ، لأن أعمالهم كانت شريرة , لأن كل من يعمل السيآت يبغض النور ، ولا يأتي إلى النور لئلا توبخ أعماله , وأما من يفعل الحق فيقبل إلى النور ، لكي تظهر أعماله أنها بالله معمولة ( يو 3 : 19 - 21 ) .
هذا عن النور والظلمة من الخارج , أما عن النور الداخلي فمكتوب : سراج الجسد هو العين ، فإن كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيرا , وإن كانت عينك شريرة فجسدك كله يكون مظلما فإن كان النورالذي فيك ظلاما فالظلام كم يكون !!!! ( متى 6 : 22 - 23 )
وعلى الأرض توجد حضارة أضاءت العالم كله وكانت أول عمران بشرى وأول زراعة وأول من بحث شعبها عن الإله الواحد هذه الحضارة التي بلغ نورها أقصى الأرض وأرضها التي تباركت بالوعود السماوية وجاء إليها الطفل يسوع مع العائلة المقدسة هارباً من وجه هيرودس لأنها أرض السلام أنها مصر , التي حسدتها كل قوى الشر والظلام على وعد البركة " مبارك شعبي مصر " ( أش 19 : 25 ) مصر التي يأتي ذكرها بعد أورشليم يريد عدو الخير أن يجعلها ظلاماً ويرتد بها إلى عصور مضت بعد أن علمت العالم , وما بها من أثار يشهد على عظمتها حتى انقضاء الدهر .
مصر التي أضاءت العالم المتخلف من حولها وأطعمته وأنقذته من الهلاك بعد أن قصدها حافياً جائعاً كل ضال ومحتال تغرق في الظلام , وتلاحقها التهديدات بظلمات أكثر في العقول والشوارع , من يقتل الأطفال في الحضانات والمرضى والمسنين في حر الصيف ؟؟؟ من يذل المصريين كل يوم ؟؟؟ من يطفئ أنوار وحضارة مصر ؟؟؟ من يحسد أرضنا على نورها ؟؟؟ أن لم تكن كل قوى الظلام التي لبست أجساداً وسكنت عقولاً لتضرب وتقتل الأخضر واليابس وتجعلها خراباً وظلاماً حتى تكمل فرحتهم بسقوطها وتمزيقها , كيف لشعب حر ينير منطقة الشر الأوسط وهكذا يجب أن تسمى لأنها صارت تزعج العالم بالتخلف والظلام , كيف يقبل المصري أن يكون هكذا بهذا الضعف وأن يرضى بالظلام , أرض الشمس تغرق في الظلمات ياللعار , ليس بين سكانها سفناط فعنيح أو بالمصرية القديمة مخلص العالم هذا اللقب الذي أعطاه فرعون ليوسف الصديق الشاب العبراني الذي أنقذ مصر والعالم حوله من الجوع , هل هناك من مخلص وإلا سيغرق العالم كله معها وتسقط المنطقة فى مستنقعات الخراب والجهل ؟؟؟