الأقباط متحدون - قصة لم تكتمل
أخر تحديث ٠٠:٠٢ | السبت ٢٣ مارس ٢٠١٣ | ١٤برمهات ١٧٢٩ ش | العدد ٣٠٧٤ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

قصة لم تكتمل

بقلم: ماجد سمير 
أدار مؤشر الراديو الترانزيستور القديم الذي ورثه عن والده، باحثا عن أي شىء يخرجه من الصدمة، تعود الاستماع للجهاز العتيق  كلما تمكن منه اليأس، وأصحب الأمور شديدة التعقيد أو ربما كما وصفت النكتة الشخص المصاب بإحباط شديد من كل شىء ووقع في حفرة أثناء سيره فقال لنفسه "أحسن" ابتسم ابتسامة بلا معنى ولها طعم كئيب ابتسامة وكأنها بكاء، الراديو بات قديما يلتقط موجات محطات الإذاعة بصعوبة، تذكر أن والده كان يضرب ظهر الراديو ضربات متتالية تجعله يعمل بجودة أكثر، ضرب ظهر الراديو بشدة فألتقط الإرسال صوت فريد الأطرش يشدو لحن " أضنيتني بالهجر" هرب سريعا من المحطة لأنه لايحتمل فكرة الهجر وطمأن نفسه بسرعة وأكد لن يحدث هى تحبني منذ سنوات كما أخبرتني، صحيح لم يراها.. ظلت في نظره الطفلة ذات الضفائر الطويلة، رغم أنها تزوجت وأنجبت وانفصلت لكنها لم تكبر ابدا في نظرة لم يلحظ ولو لمرة واحدة أنها أثنى متفجرة الأنوثة شديدة الجاذبية.
 
ظل يدير المؤشر دون أي شعور ودون أن يسمع أي شىء لمجرد الهروب من كلمة الهجر، يومه كان مليئا بالمفاجآت السيئة التي بدت وكأنها صوت منبة شديد الأزعاج معلنا نوبة صحيان لا لزوم لها أيقظته من حلم حمله إلى جوار النجوم، حلم ملأ قلبه بأحاسيس لم يشعر بها على مدار عمره، ظلت خلالها علاقته بالنساء لا تتعدى الصداقة أو العلاقة الوطيدة جدا لكنها مجرد صداقة، صحيح قابل من يقبلن باللهو، اندمج معهن لكنها في النهاية مجرد علاقة من أجل المتعة فقط ولا تتعدي سوى عدة لقاءات في شقة أحد زملاؤه ثم تنتهي بسرعة كما بدات.
 
ظهرت بطلته أو عادت للظهور في حياته فجأة عن طريق المصادفة قابلها في احتفال عائلي ضم عدد من الأقارب، هى قربيته  عن طريق والده رأها ابتسم لها وحدثها عن الذكريات العائلية مجرد كلمات روتينية تلائم المناسبة وفجاة انسحبت بحجة تأخرها وانها تقيم في منطقة بعيدة في أطراف المدينة انحنى لها بشكل آلي، أكمل سهرته وعاد مسرعا للمنزل السهرة لم تستهويه.
 
مؤشر الراديو يعلن بعد ضربة أخرى على ظهره عن صوت مذيع نشرة يؤكد ان الجمعية التاسيسيةة للدستور .....أدار المؤشر بعصبية هو لايريد أن يسمع أي شىء عن السياسة والعابها القذرة والورطة التي قسمت الوطن كما كتب من قبل "الدين للاخوان والوطن للعسكر"، هل كان عليه أن يقسم حياته نفس التقسيمة بينها وبين زوجته كل منهما لا يستحقا ذلك هو المذنب الوحيد في القصة زوجته لاتستحق منه أن يخونها وبطلته تستحق ان يكون لها، وقف مؤشر الراديو على أغنية كان يدندنها بداخله، عندما تصارحا بمشاعرهما أو على وجه التدقيق عندما صارحته هى بمشاعرها.
 
انا مش فارس ولا فتى احلام
انا زحمة و ربكة و شغل جنان
نص بيضحك و التانى زعلان
انا شيخ فلتان
طيب شرير و جرئ و جبان
اوقات مشرق و اوقات بهتان
و ساعات سليم و ساعات تعبان
مفترى جداً و كمان غلبان
شبابيك و بيبان .... توهة عنوان
انا م الأخر عفريت لابس بدلة إنسان
 
توقف تفكيره تماما تأمل كلمات الأغنية حقيقا لايعرف من الفها ولحنها ولا حتى من يغنيها أدار مفاتح الصوت لأدنى درجاته لا يريد أن يقنع نفسه بأنها مناسبة للنهاية التي اختارتها وهى تبكي وترسل له على الموبايل أنها تحبه وتعشقه لكنها لن تكمل معه المشوار، وتطالبه بنسيانها لأن القصة من بدايتها خطأ، هرب بمؤشر الراديو مرة أخرى بعيدا عن خاطر النهاية، هو يرفض أن ينتهي الحلم، فقصة عشقه لها ماتزال في بدايتها، سأل نفسه وهو يعتدل في جلسته ويمد يده ويمسك علبة السجائر ويخرج منها سيجارة، كيف استطاعت بهذه السهولة أن تكتب كلمه النهاية؟ وتنزل الستار وأصبح عليه أن يغادر فورا المسرح لأن النور أطفىء والعرض انتهى. 
 
أشعل السيجارة وترك مؤشر الراديو على لاشىء مجرد "وش" قرر رفع مستوى الصوت لأعلى درجة مستمتعا بالصوت المتسق تماما مع حالة التشويش التي اصابت عقله، صرخت فيه ابنته الكبرى تطالبه بغلق الراديو أدار مفتاح الصوت لادنى درجاته مرة أخرى، نظر للساعة وجدها الثانية صباحا، تقريبا نفس الساعة التي صارحته فيها بمشاعرها عن طريق شات الفيس بوك في نفس يوم السهرة العائلية كانا أصدقاء على شبكة التواصل الاجتماعي(فيس بوك) منذ فترة ليست طويلة، لكن لم يتحدثا من قبل لا يعرف لماذا أصر في هذا اليوم أن يتحدث معها هل أدرك فجاة أنها جذابة وجميلة ، أخبرته بشكل مفاجىء أنها تحبه وأنه فتى احلامها الذي ظلت تحلم به 17 عاما أصابته المفاجأة بالصمت التام الجمت مشاعرها الصادقة تفكيره لم يعرف ماذا يكتب لها، هو من يمتهن الكتابة، وتجميع الحروف لتصبح كلمات ترتب بجانب بعضها البعض لتكون جمل جعلت منه كاتبا مبدعا كما يصفه القراء والنقاد وأيضا الاصدقاء، لايستطيع ان يكتب أي حرف طلب رقم تليفونها المحمول وقال لها أنه يريد أن يراها.
 
تمتعت أذناه "بوش" الراديو زاد من درجة أرتفاع الصوت قليلا، عقله يعيد عرض تلاحق الأحداث بشكل عجيب، جذبته بعذوبتها ورقتها وصدق مشاعرها تعجبا سويا من تطابق الكمياء بينهما كما قال لهما صديق مشترك، كانت تقول معه نفس الكلمه أو التعبير في نفس اللحظة يلفت نظرهما نفس الشىء، صدق كل كلماتها لأنه شعر أنها تخرج من قلبها، تمتع بالأستماع إليها والنظر لها، خرجت زوجته للصاله لتشرب ماء وطلبت منه إما أن يغلق الراديو أو يستمع إلى شىء آخر غير "الوش" المزعج – حسب رأيها – الصادر عنه، ابتسم لها وأدار المؤشر للإتجاه الآخر من الراديو فظهر صوت هاني شاكر يغني .
 
سيبتيني ليه
فيها ايه لو كنت عشت العمر جانبي
فيها ايه لو كنت عيشتي فى حضن قلبي
سيبتيني ليه
نظر لتليفونه المحمول كتب رقمها نظر للساعة وجدها الثالثة صباحا الغى فكرة الإتصال الموعد غير مناسب بالمرة، للحقيقة لم يكن تأخر الوقت هو السبب الوحيد في عدم اتصاله بها، لأنها أغلقت الخط أكثر من مرة طوال محاولاته للحديث معها في هذه الليلة صحيح تبادلت معه الرسائل طالبته فيها بنسيانها وأكد لها رفضه فكرة الإنفصال، قرر عودة المؤشر "للوش" مرة أخرى، وكأن صوت "الوش" بمثابة موسيقى تصويريه مناسبة للفيلم الذي عاشه تلك الليلة، يومها تقابلا كالعادة مع بعض الاصدقاء، في بداية اللقاء كانت مشرقة كعادتها لم يكن هناك أي شىء يعكر صفوهما بعدها انطلقلا لوسط المدينة حيث يلتقيا دائما في "كوفي شوب" طلبت قهوتها المعتادة من النادل أشعلت له سيجارة فهو يعشق أن يدخن السيجارة بعد أن تلمس شفتيها، نظرت له وقالت أنها تعشقه وتتمناه بكل جوارحها لكنها تعرف أنه ليس من حقها، أكدت له أنها شعرت بغيرة انثوية من زوجته، أدرك أنهما في مرحلة صراع العقل والقلب عقلها يرفض العلاقة،يرفض وضعها كسيدة منفصلة ووضعه كرجل متزوج، وقلبها متعلق به ويريده، العائلة سترفض العلاقة تماما ستتهمها بأنها طاردته وسرقته من زوجته سيصبح هو الضحية وهى الخاطئة، أخبرته أنه في هذه الحالة سيأخذ موقفا سلبيا لن يدافع عنها سيتركها لمصيرها ويكمل حياته.
 
فجأة وقفت وقررت الانصراف الصدمة الجمته مرة أخرى حاول اللحاق بها لم يجدها تعجب بشدة من سرعة عثورها على سيارة أجرة تنقلها لبيتها في هذا الوقت المتأخر من الليل، شعر فجاة بضيق من صوت الوش أدار مؤشر الراديو الذي اصبح يعمل دون الحاجة للضربة المعتادة وعند محطة ما وجد فريد مايزال يشدو "أضنيتني بالهجر"، اعتذر لفريد وقرر تغيير المحطة، وقرر العودة إلى لعبة الأغاني التي كان يستخدمها في الماضي تذكر انه عندما واجة بعض المعوقات في بدايه حياته ظل يستمع دائما لأغنية "لأنشوكا" كانت تحثه على استمرار العمل الأغنية اسمها" ماتكنش في يوم غير ذاتك" وعندما ناضل من اجل الحرية كانت أغاني "الشيخ إمام" ترن دائما في أذنه، أدار المؤشر بسرعة فوجد صوت فريد وأحس انه كأنها تقول له 
 
اسمع ..اسمع ....لما اقول لك
والا اقول لك ؟ مش حأقول لك  
ما انت عارف يا حبيبي
قصدي ايه من غير ما اقول لك 
احتضن الراديو بين ذراعيه أطفا أنوار الشقة ودخل لسريره ونام مبتسما على أمل ان يسمع رنين النغمة الخاصة برقهما على تليفونه

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter