بقلم: د. شريف حتاتة
أصعب شيء في الموت أنه لا رجعة فيه. هذا ما خطر في بالي عندما جاءني خبر وفاة "محمد السيد سعيد". ربما لذلك نستخدم كلمة رحيل أو غياب عندما نكتب عن موت إنسان نعتز به لنخفف من وقع هذه الحقيقة، حقيقة الغياب النهائي لشخص مثل "محمد السيد سعيد".
حقيقة أننا لن نراه بعد اليوم. لن ينتظرنا عند باب مكتبه عندما نذهب إليه. لن يودعنا سائرًا حتى نهاية الممر الذي يوجد مكتبه فيه. لن يبحث في أوراقه طويلاً عندما نسأله عن موضوع أردنا أن نبحث فيه. لن يقضي الساعات في مراجعة الدراسة التي طلبنا منه أن يبدي رأيه فيها. لن يكون موجودًا لمعاونة أحد من الشباب في العثور على عمل يحتاج إليه ويناسب القدرات التي يسعى إلى تطويرها. لن نراه وهو يضع يده في جيبه ليستخرج ما فيه حتى يجتاز الشاب الأزمة التي وقع فيها. لن نقرأ المقالات والدراسات التي بذل في إنجازها الساعات الطويلة. لن نسمع صوته الهادئ عندما يتناقش معنا أو يرأس اجتماعًا أو يشارك فيه. لن نرى وجهه المصري لفحته شمس "بورسعيد" وابتسامته الودودة. لن نستفيد من إرشاداته ولن نتأمله وهو يواظب على العمل رغم الخلايا الخبيثة التي كانت تنهش في جسمه.
ساعة أن مات "محمد السيد سعيد" فقدنا رجلاً نادرًا له قيمة، جمع بين العواطف الإنسانية والعمل العام في مجال السياسة وغيرها، جمع بين الفكر المستنير والقدرات العملية. فقدنا رجلاً لم يتوقف عن التطور طوال حياته لأنه ظل مفتوحًا للأفكار المتصارعة في المجتمع وللأفكار الجديدة.
جرت العادة أن نقول عن الذين يختطفهم منا الموت أنهم سيظلون معنا، أنهم لم يفارقونا.
لا أعرف مدى الصدق في هذا القول فنحن نعيش مجتمعا عامرا بالمشاكل وفي سوق حرة تتنازع فيها المصالح دون هوادة وتدور فيها الدائرة في كل المجالات بسرعة كبيرة، لكن المؤكد أن "محمد السيد سعيد" ترك أثرًا لن ينمحي بسهولة عند الذين احتكوا به وعاشوا معه في مراحل مختلفة من حياته. ربما لذلك ستبقى معنا شعلته الصغيرة لتضيئنا.