ابرام مقار
استطلاعات الرأى العام أمر غاية فى الأهمية فى الدول المحترمة يهدف لمعرفة رأى المجتمع فى العديد من الأمور مما يساعد على اتخاذ القرارات الصحيحة قدر الإمكان.
وظهرت فكرة استطلاعات الرأى بعد نهاية الحرب العالمية الثانية فى الولايات المتحدة الأمريكية بغرض متابعة الانتخابات الرئاسية عن طريق إنشاء مراكز خاصة لاستطلاع الرأى وسرعان ما انتشرت تلك المراكز عبر دول العالم الأكثر تطوراً وديمقراطية، وصاحبها تطور فنى ومنهجى كبير لضمان المزيد من الدقة والسرعة فى إعلان النتائج، بل وأصبحت نتائجها محل كل اهتمام وتأثير.
وفى مصر من المفترض أن يقوم بهذا الأمر «مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار» وإذا كان دور هذا المركز مُهمشًا فى عهد مبارك، فيمكن القول إنه تم القضاء عليه تماماً فى عهد مرسي، وانتُزعت منه أهم سمات استطلاعات الرأى من حيث الحيادية والاستقلالية وذلك عبر «أخونته» وتعيين د. ياسر على المتحدث السابق باسم رئاسة الجمهورية والذى يعمل طبيب أمراض جلدية ولا أحد يعرف - ربما ولا من قام بتعيين ياسر على نفسه- ما العلاقة بين الأمراض الجلدية ومركز مهم للمعلومات ودعم اتخاذ القرار.
ولا غضاضة فى ذلك فإذا كان النظام لا يحترم «الرأي» فهل سيحترم «استطلاعه». ومثل مؤسسات حكومية غيره فى مصر الآن يتعامل الباحثون مع ذلك المركز كأن لم يكن. ومن هنا كان علينا البحث عن مصادر بديلة محايدة لها مصداقية أكثر للاعتماد عليها.
وقد وجدنا ضالتنا فى اثنين من الانتخابات المهمة والتى أشاد المحللون بنزاهتهما وهما انتخابات اتحاد الطلاب بالجامعات، وانتخابات التجديد النصفى لنقابة الصحفيين. ففى انتخابات جامعات القاهرة والإسكندرية وعين شمس وبنها وطنطا والمنوفية وأسيوط لحق طلاب الإخوان بخسارة كبيرة برغم محاولتهم التأثير على الناخبين والنتيجة بتجاوزات متعددة مثل توزيعهم منشورات أمام اللجان للتصويت لصالحهم ومحاولات أساتذة محسوبين على الجماعة التأثير على النتائج، مما أدى إلى توقف الاقتراع لساعات كما حدث فى الإسكندرية، وكانت النتيجة النهائية هى فوز التيار المدنى من حزب الدستور والتيار الشعبى المصرى والمستقلين بما يزيد على 80 بالمائة من الأصوات حتى إنه توجد جامعات لم يحصل بها طلاب الإخوان على أكثر من واحد بالمائة.
أما فى انتخابات نقابة الصحفيين على منصب النقيب قد خسر المرشح المدعوم من جماعة الإخوان وفى العضوية فاز ستة أعضاء اختلفوا فى التوجهات السياسية واتفقوا فى الخلاف مع جماعة الإخوان والحكم الحالي، حتى إنه قيل إن تلك الانتخابات تعبر عن حالة من "التصويت العقابي" أى التصويت فقط ضد جماعة الإخوان، وفى ظل حيادية ومصداقية وتنوع واستقلال هذه الانتخابات فيمكن الأخذ بها لقراءة المشهد المصرى الآن وربما على المستقبل القريب.
نتائج اتحادات الجامعات ونقابة الصحفيين تُثبت أن الإخوان مثلهم مثل الحزب الوطنى وكل الأنظمة المستبدة والتى لا تنجح إلا فى الانتخابات التى تُجرى تحت إشرافهم، ومن هنا يتأكد سبب رفض السلطة تشكيل أية حكومة ائتلافية قبل الانتخابات. نتائج اتحادات الجامعات تؤكد على أن حزب الدستور الذى يرأسه البرادعى والتيار الشعبى الذى يرأسه صباحى له وجود قوى فى الشارع المصرى وبين الشباب بل واستطاعوا فى وقت قصير إثبات وجودهم بالجامعات أمام منافس عتيد هو طلاب الإخوان وهم التيار الوحيد الذى كان نظام مبارك يسمح له بالعمل داخل الجامعات.
النتائج فى كلا الانتخابات تدل على تراجع شعبية الاخوان فى الشارع وإن كان هذا متوقعًا لأداء القائمين على الحكم وكذلك عبث أفعال وأقوال أفراد الجماعة. وربما يقول المتشائمون إن شعبية الإخوان بين الطبقات المنعدمة والتى لا تتابع أداء ولا تشاهد مواقع التواصل الاجتماعى وتحركها زجاجات الزيت أو عبوات السكر كما هي، وهم قوى مؤثرة فى أية انتخابات نيابية أو رئاسية، وهنا وجب إيضاح حقيقة مهمة أن شباب الجامعات والكتلة المثقفة وعلى رأسها الصحفيون هم القوة المؤثرة فى أى مجتمع وهى التى تُسقط الأنظمة وما حدث مع نظام مبارك خير دليل، أما الكتلة المنعدمة فهى كتلة تنتهى علاقاتها بمرشحيها بمجرد حصولها على الهبات العينية فلا تنتمى لنظام ولا تنقذ أحداً من السقوط.
أخيراً نتائج انتخابات الاتحادات الطلابية ونقابة الصحفيين الأخيرة تدل على أنه رغم المشهد المخيف إلا أننا نسير على الطريق الصحيح ويبدو أن نقطة البداية على طريق نهاية الإخوان سياسياً هى وصولهم للحكم، ولو استمر الوعى فى ازدياد واستمر الإخوان بنفس أخطائهم سيكون الجيل الحالى من جماعة الإخوان هو آخر جيل لهم .