بقلم: جوزيف شفيق
2- أزمة لاهوت التحرير فى أمريكا اللاتينيه :
يُعرف علم اللاهوت على أنه " علم دراسة الإلهيات دراسه منطقيه " , و يعرفه الفيلسوف الكاثوليكى توما الأكوينى على أنه " العلم الذى يبحث فى جميع المواضيع من وجهة نظر الله سواء أكانت هذه المواضيع لله نفسه أم كانت تفترض وجود الله كمبدأ و غايه ".
و يعرفه الفيلسوف مراد وهبه قائلاً " تبلور سلطان الدوجما فيما يسمى بعلم العقيده و هو فى المسيحيه علم اللاهوت, و فى الإسلام علم الكلام. ووظيفة كل منهما تحديد مجال الإيمان, بمعنى أنك لا تكون مؤمناً إلا إذا إلتزمت بهذا المجال. و إذا لم تلتزم فأنت هرطيق فى نظر اللاهوتيين أو كافر فى نظر المتكلمين تستحق التأديب كحد أدنى و القتل كمحد أقصى "
و يُعرف لاهوت التحرير على أنه " تفسير و فهم الإيمان المسيحى من خلال منظور الفقراء و معاناتهم و كفاحهم , و نقد المجتمع و العقيده الكاثوليكيه و المسيحية من منظور الفقراء "
و أيضاً يُعتبر " مصدر هذا اللاهوت هو الاختبار الروحى الذى يدفع إلى العمل السياسى " و يتبنى لاهوت التحرير رؤيه ثنائيه للمجتمع تختلف بحسب الثروه الماليه فتختلف رؤية الكنيسه إلى الرأسماليين عنها إلى الفقراء.
إن بداية ظهور لاهوت التحرير لأول مره كانت فى أمريكا اللاتينيه و بالتحديد فى جمهورية " بيرو " عام 1968 م و ظهر كردة فعل على أزمة داخليه بتحول البرجوازيات الداخليه إلى وكلاء عن أمريكا , وكلاء اقتصاديين و سياسيين, و الوقوع تحت السلطه العسكريه الديكتاتوريه و دولة " الأمن الوطنى " و التسلط الكامل على الساحه السياسيه و أصبح القمع هو الحل الوحيد لأى معارضه.
نتيجة لذلك كان أمام الكنيسه ثلاث طرق :
1- الانضمام إلى دولة الأمن الوطنى على حساب الشعب
2- أن تجد منظوراً ثورياً جديداً لبناء رؤية ثوريه للكنيسه لمناصرة الفقراء
3- القطيعه التامه مع السياسه و أن تمارس الكنيسه دورها الروحى و رسالتها التبشيريه فقط و لكن هذا الاختيار الصعب سيحرم أى مؤسسه دينيه من الإرشاد و التوجيه المجتمعى و التأثير فى الحياه اليوميه على المواطن مما قد يخلق فجوه و عزله و ربما قطيعه و انفصال بين المواطنين و الدين
وحيث أن الكنيسه فى أمريكا اللاتينيه جربت كل التحالفات سواء مع المستعمر الأسبانى أو الإقطاعيين ورجال الأعمال أو النخبه البرجوازيه و كلها سقطت فى النهايه إلى أن جاء الدور على التحالف مع الطبقات المسحوقه و المستغله.
ولد لاهوت التحرير و استمد شرعيته على مستوى المؤسسه الكنسيه الكاثوليكيه من حضن المجمع الفاتيكانى الثانى ( 1962 – 1965 ) و الخطوه الثانيه فى الطريق إلى لاهوت التحرير كانت فى مدلين – كولومبيا و هو المؤتمر الثانى الذى اشترك فيه مجلس أساقفة أمريكا اللاتينيه ( 28 أغسطس – 7 سبتمبر 1968 ) و بحلول عام 1971 كان قد ظهر أول كتابين فى بيرو و البرازيل يبحثان فى مضمون هذا اللاهوت و أهدافه , الكتاب الأول هو " لاهوت التحرير " للأب جوستافو جوتيريز و الكتاب الثانى فى البرازيل تحت عنوان " يسوع المسيح المحرر, دراسه نقديه لعلم المسيح " للأب ليوناردو بوف الفرنسيسكانى .
بحسب الأب وليم سيدهم فإن هذين الكتابين الأساسين عن لاهوت التحرير حملوا الآتى :
1- نيه واضحه لدخول الكنيسه و القيادات الدينيه إلى المعترك السياسى
2- قراءة الكتاب المقدس فى إطاره التاريخى و الإقتصادى و الإجتماعى و السياسى ثم محاولة تطبيق النص المقدس على أوضاع أمريكا اللاتينيه بحيث يكون أنبياء العهد القديم و المسيح فى العهد الجديد قد رفضوا ظلماً تاريخياً فى زمنهم و ساندوا الطبقات الكادحه و المسحوقه و بالتالى تكون هذه هى الرساله فى الوقت الحاضر و المدخل لخلط السياسى و الاجتماعى بالدينى
و كانت نظرية الأب جوستافو جوتيريز للوصول للتحرير تقوم على 3 مراحل أساسيه :
1- تغيير الأوضاع الاجتماعيه و الاقتصاديه لتحقيق مصلحة المجتمع ككل و عدم احتكار طبقه لفوائد اجتماعيه و اقتصاديه على حساب الطبقات الأخرى
2- حصول الفقراء و المسحوقين على حرياتهم و المشاركه فى توجيه البلاد
3- مرحلة الأخوه الإنسانيه المبنيه على الإيمان المشترك
يبدو من القراءه الأوليه مدى نبل هذه الأهداف و لكنها فى النهايه تقود لسيطره دينيه على الدوله و تحكم بما هو مطلق على ما هو نسبى .
فى مؤتمر المكسيك ( 11 – 15 /8 / 1975 ) و تحت عنوان " التحرير و العبوديه " و بحضور ممثل البابا كان واضحاً جداً أن لاهوتى التحرير تخطوا مرحلة الجدال إلى التطبيق العملى و نقد التجربه و أنه لا جدوى من محاولات الفاتيكان لتبنى رؤيه مضاده ثم فى مؤتمر دار السلام فى تنزانيا عام 1977 اتضحت الصوره أكثر بمدى الفجوه و الاتساع فى قبول لاهوت التحرير بين العالم المتقدم " الأول " و العالم المتخلف " الثالث " و ظهر مدى خصوصية هذا اللاهوت بالعالم الثالث بحيث يشكل سداً منيعاً أمام قوى التنوير من الوصول للعلمانيه و تكرار التجربه الأوروبيه و أن يظل إنسان العالم الثالث تحت سيطرة القوى الدينيه و لا مانع أمام القيادات الدينيه من صبغ الدين بصبغه يساريه ثوريه لتلائم الجو الثورى الشعبى الحالى.
فى هذا المؤتمر اجتمع ممثلين عن قارات العالم الثالث " آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينيه " و أنشأوا ما سُمى بـ " الجمعيه المسكونيه للاهوتيى العالم الثالث " و بالمناسبه فإن الكنيسه الأرثوذكسيه المصريه كانت ممثله فى هذا المؤتمر بشخص الدكتور موريس أسعد.
منذ عام 1982 قام " مجمع العقيده و الإيمان " برئاسة الكاردينال جوزيف راتسينجر " البابا بنديكتوس السادس عشر فيما بعد " بالتصدى و الرد و الحوار بشأن " لاهوت التحرير" بإصدار الوثائق و الأوراق اللاهوتيه و عقد المؤتمرات الصحفيه لإيضاح رؤية الفاتيكان بشأن لاهوت التحرير و لعل من أهم المصطلحات التى صاغها راتسينجر هو قوله بأن لاهوت التحرير هو " نتيجة أختيار الماركسيه ".
النتيجه النهائية لهذه التجربه فى أمريكا الجنوبيه هى وصول رجال الدين للسلطه و سيطرتهم على الحياه السياسيه و أحد أهم الأمثله على ذلك وصول " فرناندو لوغو " المعروف باسم " الأسقف الأحمر إلى رئاسة باراجواى عام 2008 ثم أُجبر على ترك منصبه بعد محاكمه أمام البرلمان عام 2012 تم اتهامه فيها بإساءة القيام بمهامه بعد صدامات راح ضحيتها 11 مزارع و 6 من رجال الشرطه.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع