بقلم: ماجد سمير
فضلت ركوب مترو الانفاق عن التاكسي، لان المترو الحل الوحيد لمشكلة المواعيد التي تأزمت بشدة مرة بسبب زحام القاهرة المعتاد في منتصف الأسبوع ومرة بسبب كثرة تحركها في أكثر من مكان، اليوم لم يكن بأي حال من الأحوال طبيعيا كان شديد الايقاع، صباحا حررت وسجلت عقد شركة في منطقة شبرا، نجاحها في انهاء مشكلة العقد والتوفيق بين الشركاء المختلفين يؤكد وجهة نظر المحامي الذي تعمل في مكتبه فهو يرى أنها تملك حلولا سحرية لكل مايعتبر مستحيلا، وصلت أخيرا أمام محطة مترو حلوان، المسافة من حلوان للتحرير سيأخذها التاكسي فيما يقرب من ساعتين بينما المترو سيلتهم الأرض في اقل من ساعة قفزت وهى تجر حقيبتها الثقيلة.
رن الموبايل ردت بسرعة وهى تستند على سيدة ضخمة تقف في وسط عربة السيدات بينما يمر بائع جائل داخل العربة المحرمة على الرجال باستثائه فقط، صوت البائع جعلها لا تفهم معظم كلمات حبيبها على الطرف الآخر من المكالمة، ابتسمت لمجرد خاطر أنه حبيبها، ظل لسنوات محرم عليها وكأنه من أسحلة الدمار الشامل، كان يسكن في المنزل المواجه لمنزلها تراه كثيرا من بلكونة المنزل يبتسم لها وتبتسم له يتبادلا أحاديث عادية فقط، صداقته لشقيقها الأكبر " سي السيد " كما كانت تطلق عليه، لم تشفع ولا حتى دخوله وخروجه الكثير من منزلها لأكثر من ذلك، لأن وضع "سي السيد" في المنزل لايسمح لها وشقيقاتها باي نوع من المساواة، تذكرت أن مجرد خروج- سي السيد- من غرفة نومه يمنع حركة كل من في المنزل حتى لو كان الأمر لايتعدى دخوله الحمام، لاتعرف لماذا يربط وجدانها تحريم الحركة بما كانت تشهده القاهرة من شلل مروري بسبب تحرك المخلوع أو أحد رجال نظامه السابق من مكان لمكان آخر لمجرد أداء عملهم، انطلق صوت المذيع الداخلي لمحطة المترو راجيا الركاب بعدم اعاقة غلق الابواب وتعطيل حركة المترو.
شعرت بضيق فهى تتلهف على رؤية حبيبها، حجز لها تذكرة السفر بعد أن تناولا الغذاء معا ظهر اليوم في مطعم شعبي حينها جاءت رسالة على موبايله من معجبة تؤكد حبها له شعرت بغيرة شديدة وطلبت أن تكلمها فرفض، ابتسمت لمجرد أن غيرتها عليه واعلانها ذلك بات من حقها.
تحججت في تلك الظهيرة حتى تراه بأن عليها ان تشتري ملابس لأن السفر جاء مفاجئا والأسهل أن تشتري مايصلح لفترة مابين الشتاء والصيف بدلا من عودتها للمنزل في حلوان واخراج ملابس مناسبة للسفر من سحارة السرير فضلا عن انها ككل المصريين لاتمتلك ملابس تصلح للابرد واللاحر في هذه الفترة من السنة، شعرت بنظرة زهو في عينيه لأنها تريد ان تراه، رن الموبايل مرة أخرى كان هو ردت بسرعة كالعادة سرت في جسدها كله قشعريرة ممتعة لمجرد سماع نغمته الخاصة اختارت اغنية "محمد منير" بالحظ وبالصدف رنة له، فكلمات الأغنية كما أخبرها تصف بدقة مايشعر به نحوها، جاء صوته على الطرف الآخر يحثها على سرعة الوصول هو يريد أن يجلس معها ويشبع منها قبل السفر، استمرت القشعريرة في جسدها وقالت لنفسها أنه متلهف للجلوس معي قبل السفر، أرضيت لهفته غرورها الأنثوي، أرسلت له قبلة عبر الموبايل نظرت حولها فوجدت سيدة تقف بالقرب منها وتنظر اليها شذرا وتلعب أصابعها بسبحة طويلة تمسكها بيدها اليمنى وتتمتم بما يفيد استغفار الله العظيم مما قامت به، تجاهلتها تماما وعدلت من وضع حقيبتها التي سقطت على الارض لاهتزاز المترو بسبب السرعة.
جاءتها رسالة على بريدها الاليكتروني فتحتها على الموبايل، الذي كاد أن يقع من يدها بعد فرملة مفاجئة تعلن توقف المترو في محطة كوتسيكا، كانت من صاحب مكتب المحاماه يتمنى لها التوفيق في مهمة العمل المسافرة من اجلها تعرف أن عقد تولي المكتب الشئون القانونية الخاصة بشركة الفنادق الشهيرة في منطقة الشرق الوسط صفقة هائلة خاصة انها تمت في الوقت الذي تعاني منه السياحة بسبب سوء ادارة البلاد في الفترة الانتقاليه بعد خلع مبارك، تذكرت آراء وموقف حبيبها المعلنة ضد العسكر وضد الاسلاميين، ينتقدهم بشدة في مقالاته وفي كل مداخلاته في برامج التوك شو، أخبرته أنها تخاف عليه لكنه طمأئها لأن النظام لايريد أن يخلق منه بطلا، كما أن مصر ليست في حاجة لمسك العصا من النصف بل ان الوضع الحالي للوطن يحتم اتخاذ قرارات حاسمة، شعرت بالفخر لارتباطها به وتذكرت أنه – كما قال لها – كان ينادي بسقوط مبارك في الوقت الذي كان يغني له الجميع تقريبا "اخترناه"، انطلق مرة أخرى صوت المذيع في المترو مناديا بإسم طفل مطالبا اياه بالتوجه إلى مكتب ناظر المحطة، اغلاق الأبواب أحدث ضجيجا.
نظرت مرة أخرى نحو السيدة التي تقف بجوارها وجدتها ماتزال تمسك بسبحتها وتنظر لها بثبات، ابتسمت متسائلة هل هى مختلفة مثله؟ كانت تراه مختلفا بل أن كلهم كانوا يرون اختلافه عنهم، طريقة ارتداء ملابسه، لباقته وثقافته بعضهم كان بتندر عليه اخبرته بذلك عرفت منه أن تشابهم جميعا يجعله كثيرا مالا يراهم .
توقف المترو في محطة المعادي نفس الحي الذي جمع لقاءهما بعد غياب سنوات يومها كانت تشارك في مؤتمر قانوني ينظمه اتحاد المحامين العرب في فندق "سوفوتيل" الكائن على كورنيش النيل في المنطقة الراقية من القاهرة، خرجت من قاعة المؤتمر لتتحدث في الموبايل مع والدتها وجدته أمامها أغلقت الخط دون اي استئذان واعتذرت فيما بعد لأمها بان الموبايل فصل شحن، وقفت أمامه وكالعادة لم يراها، سنوات طويلة تحاول التقرب منه وهو لايراها مجرد شقيقة لصديقه العزيز، تمنت أن ترتمي في حضنه تقبل كل جسمه نظر لها تأملها ثم ابتسم بشده مد يده سلم عليها بحرارة، كادت تسقط لمجرد لمسه ليدها نظرت إلى عينيه قالت له بعينها كل مشاعرها كما كانت تحاول كلما التقيا طوال فترة جيرتهما، قبل أن يقرر والده تغيير محل سكنهم، وتظل شقتهم القديمة مغلقة لا تفتح الا مرة أول كل شهر عندما تحضر والدته أو واحدة من شقيقاته بصحبة خادمة لتنظيفها ودفع الالتزامات المادية الخاصة بايجار الشقة، كانت تحرص دائما على التواجد في الشقة مع امه, هى تشعر دائما بأنها شبهه تماما وكأنهما توأم, ظلت لسنوات تكتفي بلقاء أمه وتشعر بعدها كأنها رأته وتحدثت معه، سالها عن سبب وجودها في الفندق ثم دعاها لتناول الغذاء.
سألها عن عدم زواجها حتى الآن أجابته وهى تنظر بعمق لعينيه لعله يفهم مشاعرها نحوه بأنه النصيب وسألته عن عدم زواجه فأجاب أنه لم يقابل من تخطف قلبه فهو يرفض الزواج دون حب، أخبرها أنه كان متواجداً في الفندق لإجراء مقابلة صحفية مع فريد زكريا رئيس تحرير واشنطن بوست عن طريق الفيديو كونفرانس تحت رعاية الفندق, واستمر في الحديث عن الأحوال السياسية لمصر والوضع الحالي ومحاولة خطف الوطن من قبل العسكر والاسلاميين، فجأة نادته باسمه وهى تنظر إلى عينيه مباشرة، توقف عن الحديث ونظر اليها متسائلا، فقالت له "احبك" استمر صمته دون ابداء أي رد فعل، سألته ألم تسمعني ...أحبك، ارتعدت شفتاه تمنت ان يقبلها لكنه ظل صامتا، قطعت من طبقها قطعة سكالوب وضعتها في فمه، تماما كما فعلت ظهر اليوم وهما يتناولان الغداء مع الفارق أنها اليوم وضعتها بعنف كاد أن يجرح فمه بعد رسالة المعجبة المتيمة به.
سألته وهما في فندق المعادي اثناء لقاء المصارحة لماذا انت صامت؟ مضغ ببطء وهو ينظر لعينها احست أنها اصابت الهدف قررت استغلال انوثتها وجمالها وأخرجت الكارت الخاص بها وقالت هنا رقم موبايلي فكر ورد عليه وابتسمت وقالت له مرة أخرى أحبك، ورحلت بسرعة، لم تكمل المؤتمر رغم اهمتيه عادت فورا لمنزلها وهى تتهلف لاتصاله تعجبت من جرأتها المفاجئة ولامت نفسها على هروبها من مواجهته وعدم استكمال الحديث معه، وصلت البيت غيرت ملابسها ودخلت غرفتها جلست على السرير، لم تشعر براحة في الجلوس نزلت تمشت في الغرفة وقفت أمام المرآة اعادت تصفيف شعرها بنفس الطريقة التي كانت تميزها اثناء سكنه بجوارهم، اذناها تتلهف لسماع صوت الموبايل، لاتعرف اذا كان الوقت قد طال أو قصر لكن في النهاية رن جرس الموبايل كان هو قال أنه سيتنظرها في نقابة الصحفيين بعد ساعة، ارتدت ملابسها بسرعة جعلت امها تتعجب نزلت كالمجنونة على السلم.
فجأة عاد صوت مذيع المترو يطلب توجه مهندس الصيانة لسلم اثنين في محطة الملك الصالح ركبت سيدة جميلة معها طفل جميل تمنت أن تنجب منه طفلا يشبهه، هى تعشق كل ملامحه وتحلم بكل مايرضيه، اليوم اشترت ملابس داخلية تشبه جلد النمر لمجرد أنه يقول لها دائما إنها تشبه القطة البرية الشرسة، ارتدت القطعتين ووقفت أمام مرآة غرفتها تتأمل نفسها هى فعلا تشبه النمر حركت يديها وقلدت صوت النمر وابتسمت، المترو وصل محطة جمال عبد الناصر أخيرا اقتربت من رؤيته، محطة عبد الناصر أو الاسعاف نفس المكان الذي كانت تجري فيه لتقابله أمام نقابة الصحفيين كما طلب منها في مساء يوم لقائهما بالمعادي، يومها وجدته غير ملابسه وارتدي بنطلون جينز أزرق وتى شيرت ابيض ووضع البلوفر على كتفيه دون أن يرتديه ويجلس على سلم النقابة يكتب على كمبيوتره المحمول، شعرت أنه لم يتغير نفس ملامحه نفس طريقة لبسه وبساطته التي عشقتها اقتربت منه نظر إليها وقام ممسكا اللاب توب بيده اليسرى سلم عليها وقبلها في خديها، للمرة الثانية كادت تقع لم تتوقع القبلة صحيح تمنت أكثر منها لكن المفاجأة أصابتها بالدوار، لم يتكلم امسكها من يدها حاولت ان تعرف إلي أين سيأخذها وضع يده على فهمها طالبا منها السكوت، توجها معا للأمريكين قال لها مباشرة انها خطفته وفتح اللاب توب وطلب منها أن تنظر فوجدت الصورة الخلفية لصفحته على الفيس بوك راية بيضاء، أخيرا أعلن استسلامه لها أخيرا القلعة الحصينة فتحت لها الأبواب.
فجاة فتح باب عربة المترو وانطلق صوت المذيع الداخلي من جديد يرجو الركاب النازلين استخدام الابواب المخصصة للنزول، ووجدته بجوارها قبلها في خديها وسط أصوات استهجان من عدد من السيدات مطالبينه بالنزول لأنها عربة مخصصة للسيدات ولمحت بطرف عينها السيدة ذات السبحة مستمرة في استغفار الله بسببها، في الوقت الذي يصرخ حبيبها فيها : ايه انتي نسيتي المحطة ولا ايه؟ قفزا معا من المترو مع لحظة غلق الباب، انطلقا سريعاً لم يبق على موعد الأتوبيس سوى أقل من25 دقيقة امسكت يده وهو يجر الحقيبة بيده الأخرى شعرت بسعادة للقائه وحزن لأنها بعد دقائق قليلة ستتركه وتسافر، تذكرت اعترافه انه كان يحبها دون أن يعرف وانها من انتظره طول عمره أخبرته أنها كانت تعشقه وتحبه بجنون لدرجة انها كانت تفعل أي شىء لمجرد الحديث معه أو رؤيته ذكرته بحرصها الدائم على الوقوف بجواره في كل الصور وأنها تحتفظ بها حتى الآن كانت تقبلها وتحتضنها كل يوم تقريبا قبل نومها، وصلا إلى المحطة قبل الموعد بعشر دقائق وضع لها حقيبتها في المكان المخصص لها بالأتوبيس دخنت سيجارة أخذها منها كعادته منذ ان تقابلا مؤكدا لها أنه يعشق تدخين السيجارة بعدها حان موعد رحيلها ركبت الأتوبيس جلست في مقعدها ظلت تتابعه بنظراتها هو يشير لها بيمينه مودعا اياها وهى تشعر أن قلبها يدق بعنف