أدولف موسى
اننى اتكلم دائماً بالمنطق و السياسه و الاقتصاد الذى افهم فيهم. لم اكن اتوقع يوماً اننى سوف اتكلم عن شئ اسمه الملائكه او الملاك الحارس. جاء اليوم الذى اريد ان احكى فيه قصه واقعيه، قصة ملاك حقيقى، قصة نانا.
ولدت نانا فى بيت مصرى مسيحى فى القاهره و كانت آخر 16 ابناً و بنتاً لأبويها. 14 منهم ذهبوا الى السماء و بقيت نانا و اختها التى كانت تكبر عنها بكثير. كانت ام نانا شديده و لم تأخذ ابنتها مرة واحده فى حضنها لانها كانت بنت و امها مثل كل الصعايده كانت تكره البنات. كبرت نانا فى بيت ابويها و كانت لا تعرف الحياة على حقيقتها لان ابويها حرموا عليها الاخطلات بباقى الاطفال الى ان اصبحت نانا 17 سنه. فى يوم من الايام جاء ابن خالتها اليتيم الام "ع" من الصعيد الى خالته ام نانا فى القاهره لانه لم يقبل ان يعيش مع ابوه بعد ان قرر ابوه الزواج مرة اخرى. كان ابن الخاله يكبر نانا بسبع سنوات و كان شاباً وسيماً لدرجه كبيره لا يخرخ من البيت الا اذا كان مهندم الى درجة الكمال. بقى ابن الخاله فى بيت خالته الى ان جاء اليوم الذى طردته فيه خالته من البيت. قالت له ان البنت اصبحت 18 و على وش جواز و لا يمكن ان يتقدم لها اى عريس و ابن خالتها راقد فى البيت. بمعنى ان وجود "ع" فى البيت يوقف حال البنت. كانت نانا تحب ابن خالتها حب افلاطونى عظيم و لكنه لم يشعر بها لان هدفه كان الوصول الى الشهاده الجامعيه و لم يكن فى عقله غير ذلك.
ترك "ع" منزل خالته و ذهب يكمل تعليمه لانه كان طالب بكلية الحقوق و سكن عند احد اصحابه. كان ل"ع" اخت تكبره متزوجه و لها اطفال و تسكن ايضاً فى القاهره. فعلت اخت "ع" كل ما فى وسعها لكى تقنع اخوها ان يتزوج نانا لانها طبيه و بنت حلال. اخيراً وافق "ع" و تقدم لنانا. لم يمر الكثير من الوقت حتى تزوجت نانا حبها الكبير و كانت سعادتها ليس لها حدود. حصل "ع" على ليسانس الحقوق و هو متزوج نانا و كانوا قد انجبوا ابنه رائعه. لكى يصرف على تعليمه و عائلته كان يعمل "ع" كمسيونجى. كان يشترى بضائع من مكان الجمله و يحملها على ضهره لكى يبيعها لتجار آخرون. مر الزمان ووجد "ع" احد التجار الدى كان يتعامل معه فى ورطه ماديه و يريد بيع محله. اخذ "ع" تحويشة العمر و لم يقبل ان يطرد التاجر الآخر و لكنه خلصه من كل ديونه و تركه كشريك محبه له. اصبحوا الاثنين مثل اخوات و كان كل من حولهم لا يعرفوا الا انهم اخوات.
طلبت نانا من "ع" ان يأخذ كل ما تمتلك من ذهب لكى يشترى بها بضائع للمحل الجديد. لم يوافق "ع" الا بعد ان الحت عليه نانا الحاحاً كثير. تنازلت نانا عن كل ذهبها الا الدبله لانها كانت ربطة حبها الكبير التى لم تخلعها من يدها منذ ان تزوجته على الاطلاق. لم ترغب نانا ان تكون شريكه بحكم اشتراكها فى رأس المال و لكنها تنازلت عن كل حقوقها لحبها الكبير. كانت تقول دائماً انها تملك اكبر كنز فى الدنيا و هذا فقط مستحيل ان تتنازل عنه. كان هذا هو حبيب الروح. اصبح لنانا بنت و ثلاثة اولاد. ربتهم تربيه عظيمه لانها كانت ام عظيمه. لم يبخل "ع" و نانا على اولادهم بأى شئ. لم يدخن "ع" مرة واحدة فى حياته و لم يشرب الشاى او القهوه او اى مكيف آخر. كانت مكيفاته اليوميه هى فقط كوب لبن الدافئ بعسل النحل. كان "ع" يساعد اقاربه بكل ما يمتلك من ماده لان الغالبية منهم كانوا فقراء لدرجة القحط. كان دخله يصرف على اكثر من سبع عائلات و لكنه لن يَكِن يوماً عن مساعدة احداً فيهم. لا احد كان يدرى ما سوف يحدث لهذه العائلات دون مساعدة "ع" و نانا الكامله لهم.
ظلت الحياه تسير الى ان كبر الاولاد. تمكن "ع" بمساعدة نانا من شراء بيت كان يود ان يكون لاولاده ايضاً لكى يضمهم فى حماه و اصبح رجل يمتلك ثروه كافيه لكى يكون من المستقرين مادياً. سافر الابن الاكبر الى الخارج و ظل الباقى فى مصر. عندما كان يولد لابنها فى الخارج طفلاً كانت نانا تسافر له لكى تقف بجانب زوجة ابنها لتخدمها. كانت نانا هى الخادم الحقيقى لكل العائله و الاقارب ايضاً. كانت دائماً ساكنه و لم تطلب اى شئ لنفسها. كبر اولاد نانا و اصبح لهم ابناءهم. ظل "ع" يقف بجانب اولاده حتى بعدما تزوجوا و كل مناسبه حتى مثل زواج الاحفاد كان يتولى هو الصرف عليها مثلما فعل مع اولاده من قبل. الى ان تقدم "ع" فى سنه. رغم انه لم يقصر عن ابناءه فى اى شئ الا انهم كانوا دائما غير شاكرين لابوهم و امهم لانهم كانوا فاشلين. كانوا دائماً يمدون ايديهم لابوهم لانهم لم يستطيعوا الوقوف على ارجلهم وحدهم دون مساعده. استطاع "ع" و نانا ان يحتفظوا برأس مال كافى لكى لا يضطروا الى مد اليد فى شيخوختهم. الى ان جاء يوم و ترك "ع" الحياة. كانت اكبر مصيبه لنانا لانها لم تستوعب يوماً حياتها بدون حب حياتها.
ظلت نانا فى بيتها و لم يقبل اى من اولادها ان يسكنوا فى ملك ابوهم لانهم لم يريدون ان يتحملوا مسؤلية التواجد مع امهم. كانت زوجات الابناء من ابشع البشر و اشرهم. كانوا يحرضوا ازواجهم على عدم التقرب لنانا لانهم لم يريدوا خدمتها. كان فى البيت شقق كثيره فاضيه و لكن لم يرد احد ابناءها ان يسكن مع امه فى شيخوختها. ظلت نانا وحيده فى البيت الكبير و لم تجد حتى من تتكلم معه. كانت دائماً تكرر كلمة "يا ابنى انا بقى عفن من قلة الكلام". كانت تقضى اسبوع او اثنين لا تتكلم الا مع بتاع النور او الزبال. لم يفكر احد من ابناءها ان يتكلم معها الا اذا كان محتاح لمساعده ماديه منها. كان اصغر ابناءها يسطوا عليها و يطلب منها المال بكل حقاره و قلة ادب. كانت فى الاول ترفض و لكنه عندما يهم على ترك المنزل تناديه و تعطيه دفتر التوفير كى يسحب ما يريد. ان مرض احداً تولت هى الصرف على العلاج بالكامل، ان اراد احد الاحفاد الزواج، تولت هى الصرف بالكامل، ان جاءت اى مشكله الى اى من ابناءها كانت هى اول من يقف بجانبه. لم تقصر نانا فى اى شئ مع اولادها بل كانت ام جدعه.
جاء اليوم التى قررت فيه نانا السفر لابنها فى الخارج لعلها تسكن فى مكان مع عائله يضطرون ان يتكلموا معها. قبل وصولها بعثت لابنها بمبلغ كبير لكى لا تثقل عليه المصاريف. ظلت معه قرب ثلاثة اشهر و كان ابنها اكثر من حيوان. كان لا يتحمل اى شئ تقوله و يصرخ فيها. كانت تأخذ كل هذا بمحبه ليس لها نظير و تقول له "ربنا يحلك مشاكلك يا ابنى". رغم كل ذلك وجدت هناك من يتكلم معها و يحبها من قلبه، هذه كانت زوجة ابنها الكبير و هذه كانت اكثر بنات اولادها غريبه عنها. كانت زوجة الابن الكبير تحبها حب حقيقى من القلب و تخجمها من القلب. جاءت نانا الى ابنها و هى لا تستطيع الحركه و تركته بعد ان اصبحت حالتها النفسيه افضل و التى ساعدت على ان حالتها الصحيه تكون افضل كثير من قبل. اخيراً وجد الاخ الكبير نفسه انه تأقلم مع تصرفات نانا التى كانت فى بداية الامر غريبه عنه لانه لم يراها منذ زمن طويل. كان ابناءها فى مصر يتصلون بها و يدعون انها وحشتهم و فى الواقع كانوا يريدون منها الدعم المالى فقط. كانت الفرصه امام نانا ان تظل فى الخارج و لكنها وجدت ان رجوعها سوف يحل مشاكل اولادها فى مصر.
كان اكبر خطأ فعلته نانا انها رجهت الى مصر. كانت قد ولفت على الالفه و العيش وسط عيله. رجعت لتحل مشاكل اولادها كلهم الماديه و لكنها رجعت ايضاً الى الوحده. لم يريد احد ابناءها ان يأخذها معه فى سيارته لكى تخرج عن وحدتها قليلاً. تركوها الى ان احست انها لا تريد ان تعيش بعد ذلك. رفضت نانا الحياه لانها رفضت الوحده. ساءت حالتها الصحيه و اضطر ابنها الثانى ان يأخذها لديه فى البيت. بعد فترة قليله تدجرت زوجة هذا الابن لانها لم تريد ان تتحمل خدمة الملاك. جاء الملاك بكل الخير معه، اخذوا الخير ولكن زوجة الابن اصبحت تتذمر و تقول انها ليست قابله ان تتحمل مسئولية الملاك. طلبوا من الابن الاصغر ان يتولى امه او حتى يبعث زوجته لها بعض الاحيان لكى لا تكون وحيده. رفضت زوجة الابن الآخر و ادعت ان لها اولاد لا يستعنوا عنها و لها بيتها. اما اولادها فكانوا بالغين و يستطيعون تحمل مسئليه انفسهم. كان الابن الصغير جاحد و طماع، لا يقوى على التأثير على زوجته. قرر الابناء رمى امهم فى الملجأ.
كان لنانا بيت فيه ما يقرب من 15 شقه، ثلاثة ابناء و بنت، رصيد مالى كبير و لكن لم يشبع هذا كله اولادها. رموا الملاك فى الملجأ. لم تتحمل نانا هذا كله، اصبحت تصرخ الى السماء لانها كانت تريد الذهاب الى حبيب العمر. كانت تبكى ليل نهار و تعاتب السماء لانها ظنت ان السماء قد نسيتها. رفضت نانا الطعام و الادويه و كل شئ لانها كانت تعلم حتى و ان استقرت صحتها سوف تعود الى الوحده مرة اخرى. اخيراً تحننت عليها السماء لتخلصها من هؤلاء الابناء. كنت كل مره ترى فيها حبيب العمر فى حلمها و هو يقرب منها، كانوا الاطباء يرجعوها الى الحياة. "اتركونى، انا عاوزه اروح لحبيبى، ارجوكم" هكذا كانت تقول لهم. اخيراً ذهبت اليه.
اين كنتى يا حبيبة عمرى؟ انا كنت مستنيكى من زمان. روحى كانت حائره لأن حبيبة و بقيتة روحى كانت بعيده عنى. ضم حبيب الروح حبيبته الى حضنه و بكت نانا بكاء الراحه و الفرحه.
- كنت واحشنى يا حبيبى و الان فقط عرفت ان ليس لى مكان الا بجوارك يا حبيب الروح.
لم ينطق حبيب الروح بأى كلمه بل كان يتمتع بروح حبيبته التى التقط بروحه لكى تكتمل اجمل سمفونيه للحب، حب الروح. مبروك عليكى يا ملاكى الحارس انك اتخلصتى من اولادك الاشرار و وصلتى الى حبيب روحيك، لن يستطيع ان يفرقكم اى احد بعد اليوم لانكم تغلبتم على الموت. مبروك عليكى يا اجمل و اروع ملاك، نفسى اكون مكانِك. هكذا قال الابن الكبير عندما سمع ان الملاك تخلص من الشياطين على الارض لكى تلتقى بحبيب روحها. يا بختيك يا ملاكى الحارس. مبروك على السماء نانا، اجمل ملاك حارس و احن حبيبه.