بقلم منير بشاى
هذه موضوعات تتردد على كل لسان فى مصر فى هذه الأيام، وآراء الناس فيها قوية ومتباينة. وأنا أقدم هنا رأيى، واعلم انه قد يتفق أو يختلف مع رأى القارىء. أرحب بالرأى الآخر، ولا يزعجنى ان كان مخالفا، فالاختلاف فى وجهات النظر ظاهرة طبيعية صحية، طالما تتم بطريقة متحضرة، لأنه لا يوجد من يستطيع ان يدعى انه يملك الحقيقة المطلقة.
الذى دفعنى لكتابة هذا المقال تصريح للدكتور سعد الدين ابراهيم حول موقف الولايات المتحدة من احتمال تدخل القوات المسلحة المصرية فى حالة تدهور الأحوال وتشبث الاخوان بالسلطة، قال فيه "أعتقد من واقع أحاديثى مع مسؤولين ومراقبين أمريكيين مستقلين ومقربين من الادارة الأمريكية أن الولايات المتحدة ستؤيد الجيش فى تلك الحالة على ان تتولى القوات المسلحة الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة"
والدكتور سعد الدين ابراهيم، استاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية بالقاهرة ومدير مركز ابن خلدون للدراسات الانمائية، ومعروف عنه انه يتمتع بثقة كثير من المسئولين فى الادارة الأمريكية، وفى نفس الوقت عرف عنه دفاعه عن جماعة الأخوان المسلمين وقت صدامهم مع االنظام السابق. وقيل انه كان حلقة الاتصال بين الادارة الأمريكية والأخوان وساعد على دخول الأعداد الكبيرة منهم للولايات المتحدة كلاجئين سياسيين. وأيضا نسب اليه انه كان عاملا لحصول هذه الجماعة على تأييد الادارة الأمريكية التى انتهت بصعودهم للحكم. هذا وان كان قد غير موقفه من تأييده لجماعة الاخوان الى نقدها بعد وصولهم للحكم واختباره لأدائهم.
بديهى أن أى محاولة لفهم سياسة أمريكا الخارجية يجب ان يسبقها فهم للأولويات التى تحكم أمريكا، سواء اتفقنا معها أو اختلفنا:
فأولا: سياسة أمريكا تنبع أساسا من حرصها على رعاية مصالحها القومية، وهذا حقها. فالذين يلومون أمريكا على انها لم ترسل قواتها لتحارب حربهم وتعرض ابنائها للموت حماية لمصالحهم، عليهم ان يعرفوا ان هذه مثاليات لا توجد فى الحياة وهى بالطبيعة غير موجودة فى أمريكا. هذا خصوصا ان من يطلبون مساعدة أمريكا أحيانا يكونوا أنفسهم من الكسل لدرجة انهم لا يساعدوا أنفسهم بل وأحيانا لا يكلفوا أنفسهم حتى مجرد عناء الذهاب الى صندوق الانتخابات فى المدرسة المجاورة ليعطوا صوتهم لمن يرعى مصالحهم.
وثانيا: سياسة أمريكا تنبع من حرصها على رعاية مصالح اسرائيل وخاصة فيما يتعلق بأمنها. فاسرائيل لها مكانة خاصة فى السياسة الأمريكية منذ انشائها وهى الحليف المخلص لأمريكا فى الشرق الأوسط وسط بحر من الأعداء يكرهون أمريكا ويعتبرونها الشيطان الأكبر.
وثالثا: سياسة أمريكا تنبع من رعايتها لمصالح الدول الغربية التى تدور فى فلكها. هذه الدول تعتمد على أمريكا لحمايتها، بل ان أمريكا تعتبر ان صميم مصالحها هى فى حماية تلك الدول، فهى خط الدفاع الأول، وهزيمة هذه الدول معناه ان الاشتباك التالى سيكون على أرض أمريكا.
ورابعا: أمريكا كانت وستظل مشجعة للقيم والمثاليات التى قامت عليها وهى رعاية الديمقراطية وحماية حقوق الانسان ومحاربة الظلم وتشجيع نظام السوق الحرةعلى مستوى العالم.
من هنا نفهم ان اهتمام أمريكا بمصر ومساعدتها لها ليس حبا فى سواد عيون مصر والمصريين ولكن أولا رعاية لمصالحها، والتى قد تتفق أحيانا مع مصالح مصر. ولهذا كانت الشروط الامريكية فى اى محاولة للحصول على تأييدها هو قبول استمرار العلاقة مع أمريكا وعدم الاعتداء على اسرائيل وتأييد معاهدة كامب دافيد وضمان مرور النفط الى دول الغرب عبر قناة السويس وهو ما قبله الاخوان المسلمين دون قيد أو شرط.
أمريكا لا يعنيها الدين وهى ليست محبذة للايدلوجية الاسلامية كما يظن البعض وهى ليست واقعة فى غرام الأخوان. ولكنها فى معاملاتها مع الدول العربية الاسلامية، وجدت انها معاملات مثالية فهى تتعامل مع حكومات قوية تملك زمام الشارع، وتؤمن بالرأسمالية، وتتفق مصالحها تماما مع مصالح أمريكا. فأمريكا تشترى منهم البترول وتعطيهم الثمن والتكنولوجيا وأيضا تعطيهم الحماية العسكرية ضد كل طامع فى ثروات تلك البلاد بما فيهم الدول العربية والاسلامية، فأمريكا لها وجود عسكرى مكثف فى المنطقة ولها فى قطر أكبر قاعدة عسكرية فى العالم.
ولكن لابد من الاعتراف ان هناك أخطاء ارتكبتها أمريكا فى تعاملها مع ما سمى بالربيع العربى وأدت الى تأييد جماعات الاسلام السياسى عوضا عن النظم الديكتاتوريةالقائمة وهو فى اعتقادى ناتج بالدرجة الأولى عن محدودية خبرة الساسة الأمريكيين بالأيدلوجية الدينية التى تحكم جماعات الاسلام السياسى. وبالنسبة لمصر فعندما أجبرت المظاهرات الرئيس مبارك على التنحىى اعتقدت أمريكا ان البديل المنطقى هو جماعة الاخوان المسلمين لأنهم- فى رأيهم- الأكثر تنظيما والقادرون على فرض الاستقرار فى الشارع. هذا بالاضافة الى اعتقاد أمريكا ان أيدلوجية الاخوان الدينية هو عامل ايجابى تماما نتيجة خبرة أمريكا الطيبة مع دول الخليج الاسلامية. وواضح أن أمريكا قد أخطأت فى كلا الأمرين. فالأخوان لم يستطيعوا السيطرة على الشارع والمظاهرات ضدهم تحدث يوميا. وأيضا ثبت ان جماعة الأخوان المسلمين لا يمكن الاعتماد على اخلاصهم كما يحدث مع تعامل أمريكا مع دول الخليج الاسلامية. فبالاضافة الى ان المصالح تختلف فى الحالتين وبالتالى ردود الأفعال، فانه من الناحية الاخلاقية نجد ان جماعة الأخوان لم تصدق يوما فى عهد أقامته مع أحد. وربما تعرف أمريكا هذا وتعتقد انها تستفيد من الاخوان على المدى القصير، وتستطيع صدهم على المدى الطويل اذا حاولوا تغيير منهجهم.
عامل آخر يلعب دورا هاما فى علاقة أمريكا بمصر هو احساس أمريكا بالثقة أنها تمسك بالخيوط التى تحرك ما يجرى على المسرح. وذلك ان سلاح الجيش المصرى الآن هو سلاح أمريكى وأى تدريب على ذلك السلاح أو صيانته أو الحصول على قطع الغيار انما يتم عن طريق أمريكا. بل ان اعانة أمريكا لمصر التى تبلغ حوالى 2 مليار دولار سنويا ربعه فقط هو فى شكل اعانات انسانية وثلاثة أرباعه فى شكل معدات وقطع غيار حربية. فمصر لا تستطيع ان تعصى أمريكا حتى ان ارادت لأن أمريكا تتحكم فى الجيش الذى هو أقوى مؤسسة فى مصر.
وشخصيا لا أظن أن أمريكا راضية عن انتهاكات الأخوان للديمقراطية وحقوق الانسان فى مصر، حتى وان بدت كأنها تغض النظر عن ادانة هذه الانتهاكات، فالكونجرس الأمريكى يناقشها باستمرار والتقارير التى تصدرها وزارة الخارجية الامريكية تسردها بالتفصيل وتدينها. فأمريكا تهمها مبادىء الديمقراطية وحقوق الانسان وان كانت ليست على رأس أولوياتها. وما قاله د. سعد الدين ابراهيم ان أمريكا ستؤيد الجيش فى حالة قيامه بانقلاب ضد الاخوان احتمال وارد، فأمريكا لا يهمها من يحكم مصر بقدر اهتمامها بقدرته على فرض الاستقرار فى البلاد والوفاء بكل العهود التى تهم أمريكا فى مصر، والجيش المصرى قادر على هذا كله. واعتقد ان الشعب سيرحب بتدخل الجيش مع انه كان يتمنى حكومة مدنية غير دينية أو عسكرية التى يبدو ان وقتها لم يحن بعد. ولكن تدخل جيش مصر الوطنى لحماية مصر من حالة الفوضى التى نتجت عن اساءة الاخوان ادارة البلاد هو الحل العملى المتوفر حاليا والقادر على انتزاع السلطة من يد الأخوان.
لذلك من الخطأ لجماعة الاخوان الاستمرار فى انتهاك حقوق الشعب المصرى ظنا منهم ان أمريكا أصبحت فى جيوبهم وانها ستؤيدهم ظالمين كانوا أو مظلومين...هذا هو الخطأ الذى ارتكبه مبارك من قبلهم عندما اعتقد انه صديق أمريكا الحميم، وان أمريكا لا تستطيع ان تعمل شيئا فى الشرق الأوسط بدون استشارته. ولم يتصور أبدا أن أمريكا ستقرر الاستغناء عنه فى يوم من الأيام.
يبدو لى ان د. مرسى وجماعة الاخوان المسلمين، لم يستوعبوا درس مبارك جيدا، وأن مصيرهم سيكون هو نفس المصير.