الأقباط متحدون - بوكر بين العسكر والأخوان
أخر تحديث ٠٧:١٧ | الجمعة ١ مارس ٢٠١٣ | ٢٢ أمشير ١٧٢٩ ش | العدد ٣٠٥٢ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

بوكر بين العسكر والأخوان

محمد حسين يونس

كمة أموال الشيبس في بنك البوكر علي عقلي تمنعني من السهر حتي الثانية صباحا لاستمع الي لغو السيد مندوب الأخوان في قصر الرئاسة
عندما كنت طالبًا في مدرسة المهندسين العسكريين بالحلمية عام (1963 ) وكانت داخلية لا نغادرها إلا ظهر الخميس ونهار الجمعة من كل أسبوع، تعلمت هناك ـ من الزملاءـ لعبة بأوراق (الكوتشينة) اسمها البوكر، وكنا نقامر طول الليل علي قروش محدودة ولكنها - عند الخسارة- تتضخم وتؤدى إلي حزن عميق يشبه حزن من غرق دراه (أي غيط الأذرة بعد نضجه)أما إذا ربحت فتشعر أنك حزت علي كنوز الأرض.

بعد تخرجي نسيت هذه اللعبة حتى حرب 67 ووقوعي في الأسر حيث دبر الزملاء أوراق لعب وبدأنا نلعب البوكر ليل نهار علي سجائر إسرائيلية كانوا يزودوننا بها أو مصرية من تلك التي يرسلها الأهل في طرود قادمة من الوطن وكانت الخسائر تولد مشاعر حادة بالغضب والحزن واليأس، أما المكسب فيولد لدى الرابح شعور غامض بالتفوق والشطارة والذكاء في خداع واستغفال الآخرين.

في مصر، لم تلتق شلة المقامرة لقد كانت حياتنا مشغولة للغاية وكنا نؤدي دور تاريخي في إعداد منطقة القناة لمعركة مرتقبة ولم ألعب البوكر حتي تركت القوات المسلحة وبدأت وظيفة في السلك المدني، وكان زملاء لي بالإدارة التي أعمل بها يلتقون مرة كل شهر في منزل أحدنا يتناولون بعض الطعام ويشربون بعض الكحوليات أو البيرة ويلعب الرجال (بارتيتة ) بوكر بجنيهات محدودة الخسارة ولكنها تظل حديث الجميع في الإدارة لأسبوع تال عن ردود أفعال كل منا أثناء اللعب.

عندما انفتحت مصر وخرج كل منا ليسبح في بحر عال الأمواج في ظل منافسة حادة وعنيفة، تحتم علي الفرد أن يبذل جهدا مضاعفا حتى يتوقي السقوط الطبقي في زمن السادات الانفتاحي ثم في زمن النهب المنظم لعصابات مبارك، فتركت العمل في الإدارة السعيدة وتوقفت تماما عن إضاعة الوقت فيما لا يجلب مالا(حلالا).

منذ حوالي سنتين ومع هوجة الشارع المصري وحبسنا بالمنازل وجدت علي الفيس بوك لعبة بوكر تسمي (تكساس هولد إى إم بوكر) إنها لعبة تحاكي المقامرة توجد كازينوهات قمار (وهمية ) ومناضد قمار (وهمية) يجلس حولها مئات /آلاف/ ملايين من اللاعبين (حقيقية) من جميع الجنسيات يلعبون 24 ساعة في اليوم بدولارات (وهمية) تسمي شيبس تطير الآلاف منها كل لحظة ويكسب البعض ويخسر آخرون وكلما امتلكت رصيدا أكبر كلما زادت حدة المقامرة وارتفاع الصيحات الحزينة او الفرحة السعيدة .

بدأت اللعب علي المناضد التي تبدأ بعشرات الشيبس ثم ألف ،فألفين ،فعشرة الاف راكمت بصعود وهبوط أموالا كثيرة بلغت 12 مليون ثم انهارت الملايين ظلت تتسرب من بين كفي حتي أصبحت فقيرا معدما لا املك إلا مليونا.

وتفاقمت الحالة، لقد كنت استيقظ مبكرا أجلس أمام الكومبيوتر لأقامر ،ثم أذهب للعمل وأعود مسرعا لأقامر وأقامر وأقامر حتي أنام منهكا من التوتر والانفعال..لقد أصبحت شخصا غريبا - عني - شديد التوتر والانفعال وعندما أخسر أصاب بتعاسة وحزن بالغ أما مع المكسب فكنت أغَنِّي منتعشا كما لو كان العالم قد أنتهي من آخر إخوانجي وسلفي في الوجود. وأصبح الأقارب والزملاء يتابعون حالتي النفسية بمدى ارتفاع رصيدي أو انخفاضة في بنك البوكر (الوهمي ).

لقد أصبحت المقامر الذى عبر عنه ديستيوفسكي بمهارة في روايته الشهيرة، مدمن علي الجلوس حول مناضد البوكر خائف من فقد الرصيد وتحول الوهم الي حقيقة، لقد أصبح لي أعداء من جميع أقطار العالم أريد افتراسهم ويريدون مسح أسمي من الكون البوكرى والاستيلاء علي أموالي التي شقيت وتعبت في جمعها. لقد تحول سلوكي ليصبح كما جاء بكتب علم النفس :

• الانشغال بالمقامرة : الانشغال بإعادة إحياء تجارب المقامرة الماضية أو بتعويض المقامرة التالية أو التخطيط لها والتفكير بأساليب للحصول على المال الذي سيقامر به.

• يحتاج للمقامرة بمقادير متزايدة من المال وذلك من أجل الحصول على الإثارة المرغوبة.

• يقوم بمجهودات متكررة غير ناجحة للسيطرة على المقامرة أو التراجع أو التوقف عنها.

• يكون متململاً أو مستثارًا عند محاولته تخفيض عمليات المقامرة أو إيقافها.

يقامر كوسيلة للهروب من المشكلات أو التخفيف من مزاج عكر (مثل الشعور بانعدام الحيلة، الشعور بالذنب، القلق والاكتئاب).

وهكذا لقد أصبحت في وضع لابد فيه من استشارة طبيب نفسي بعد أن تحول الوهم الي حقيقة واللعبة الي واقع معاش وسيطرة فكرة مرا
أرجو من السادة الأطباء النفسيين علاجي من أن أتعجل إنهاء مقالي هذا وأسرع إلي منضدة البوكر علي أمل استرجاع بعض من خسائري رغم معرفتي أنه مثل أمل إبليس في دخول الجنة .


 


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter