بقلم : إبرام مقار
لا اُجيد صناعة الالهة واري انها صناعة ضارة ربما لا تقل عن صناعة المتفجرات او السموم وان كانت - وللاسف - صناعة مصرية خالصة، كذلك اثق ان طرح العيوب علي مؤسسة تنتمي لها لا يقل اهمية عن الحديث عن المميزات، وان احياناً يكون النقد «بناء» ويكون المديح المبالغ فيه «هدٌام»، ولكن مع كل هذا لا استطيع ان اصمت امام امرين فعلهم قداسة البابا تواضروس الثاني اسعد المحبين والغيورين علي كنيستنا القبطية .
الأول: في الثامن عشر من فبراير الحالي تم الإعلان بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية عن انشاء مجلس الكنائس المصرية، وهو كيان طال انتظاره كثيراً بعد فترة من الشد والجذب والتلميح والتصريح وربما التسفيه بين البعض بدعوي الدفاع عن العقيدة، وكم كان جميلاً ان يحمل البيان الاول لهذا المجلس عبارات مثل «لقد ظل لسنوات طويلة يراودنا حلم أنشاء مجلس الكنائس المصرية يسعى لتحقيق المحبة وحياة الشركة والتعاون بين الكنائس بكل مذاهبها فى مصر ولتدعيم العمل المسيحى وخدمة الوطن وتحت مظلته». ونحن معهم كنا نحلم بكيان يوحد ولا يفرق بين كنائس تعاني جميعها الإضطهاد علي يد الانظمة المختلفة. فلدينا جيل شاب في ظل السموات المفتوحة وزخم انتشار المعلومات اصبح يري ويراقب ويسمع ويسأم حينما يجد الاختلاف تحول الي خلاف. ولهذا فليس امام القيادات الكنسية للطوائف المسيحية الا ان تقدم لهم المحبة والتسامح بين بعضهم البعض كنموذج عملي. وبالتاكيد هذا الكيان الموحد لا يتعارض مع ان تقوم كل كنيسة بتعليم عقيدتها لأبنائها حتي يخرج علي اساس عقيدي سليم، ولا يمنع من ان توضح كل طائفة الفوارق بينها وبين الطوائف الاخري والسند الإيماني فيما تعتقد ولكن علي ارضية المحبة المسيحية وعدم التجريح. كذلك هذا الكيان لا يمنع الخدمة والرعاية المتكاملة من كل طائفة لشعبها ولكن مع الايمان بأن الاختلاف لا يتعارض مع التسامح. وتطرق البيان ايضاً الي خطوة اخري تأخرت ايضاً وهو التعاون.
مع المجامع المسكونية مثل مجلس الكنائس العالمي، وهو امر يري الكثير من المحللين ان انفصال الكنيسة القبطية عن الكيان الكنسي العالمي اضعف الاقباط سياسياً وحرمهم من قوة موثرة علي طريق نضالهم السياسي لقرب هذا الكيان الكنسي العالمي من دوائر صناعة القرار في العالم لان من بين رعاياهم رؤساء دول ورؤساء حكومات. كذلك اشتمل البيان الاول علي تعهد بأن هذا الكيان لن يعمل بالسياسة ولن يتدخل فيها وهذا امر هام جداً، ان يتحرر هذا الكيان من سيطرة الدولة والأنظمة، ولهذا فأن استقلال هذا الكيان تماماً والتوقف عن اي ممارسة سياسية بما في ذلك أبداء الرأي فيما يدور حولهم من امور سياسية كلها امور يجب ان تكون خطاً احمر اً حفاظاً علي هذا الكيان الموقر وعلاقة الرعية بقادتها الروحيين. مجلس الكنائس المصرية كيان سيذكره التاريخ لقداسة البابا تواضروس والذي احتوي الطوائف الاخري في قلبة قبل مقره وهذا دائماً حال الاغلبيات المحترمة تلك التي تحترم وتحتوي الاقليات العددية.
الثاني: في نفس الاسبوع وبعد تصريحات نسبتها صحيفة «الشرق الأوسط اللندنية» للبابا تواضروس ونقلتها بعد ذلك صحيفة «المصري اليوم» تفيد استنكار البابا لدعوات العصيان المدني واعطاء فرصة ل «ولي الامر» في إشارة الي الرئيس الحالي محمد مرسي. وهي التصريحات التي صاحبتها استنكار من شخصيات قبطية كثيرة باعتبار ان العصيان المدني احد وسائل التعبير السلمي، تزامنت مع تصريحات للأنبا موسي اسقف الشباب تنفي قيام محمد مرسي وجماعة الاخوان «بأخونة الدولة المصرية» واعفاء مرسي من مسئوليته عن قتل المتظاهرين. وانتهاءً بمداخلة تلفزيونية للانبا ابرام اسقف الفيوم تنفي فيديوهات وصور لكنيسة سرسنا والتي تم الاعتداء عليها وحمٌل الانبا أبرام كاهن القرية المسئولية عما حدث!. مما دعي عدد من الشباب القبطي للقيام بدعوة عبر صفحات الفيس بوك الي التظاهر بالكاتدرائية قبل اجتماع الاربعاء المعتاد لقداسة البابا مطالبين قداسة البابا والاباء الاساقفة بالتوقف عن التصريحات السياسية. ولكن البابا لم يتعامل بطريقة «خنصري اغلظ من متني ابي» والتي يتعامل بها البعض، ولم يتجاهل ابنائه لأظهار رفضه لهذا الاسلوب وهذا الطريقة في الاحتجاج. ولكنه تعامل بأبوة وتواضع ففي اثناء ذهاب قداسته من المقر الباباوي للكنيسة لإلقاء العظة تحرك بموكب الشمامسة وذهب الي المتظاهرين الشباب وقرأ اللافتات برغم شدة بعضها والتي تحمل «إتهام الكنيسة بالأخونة» بل و «مجاملة السلطة علي حساب الحق»، وقال لهم «أنا مقلتش التصريحات دى، 90% منها مقلتهاش» .. فانفضت التظاهرة في دقيقة بعد هذه العبارة وحياهم قداسة البابا ومضي. وهو موقف عظيم من اب يستمع لاولاده ويرعاهم ويعلم جيداً ان الاقباط يحتاجون الأن اكثر من اي وقت مضي إلي قلب يشعر بهم اكثر من عقل يقودهم