الأقباط متحدون - رَجَعِت ريمَة لعادِتها القديمَة
أخر تحديث ١٤:٤٧ | الثلاثاء ١٩ فبراير ٢٠١٣ | ١٢ أمشير ١٧٢٩ ش | العدد ٣٠٤٢ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

رَجَعِت ريمَة لعادِتها القديمَة

بقلم: عزمي إبراهيم
عانى أقباط مصر، أبناء مصر، الكثير على مدى الأربعة عشر قرناً الماضية، باستثناء فترة حكم محمد على التركي الألباني الأصل وأسرته، بدءاً من أوائل القرن التاسع عشر وانتهاءاً بانتهاء عصر نهضة مصر العظيمة والمشَرِّفة في النصف الأول من القرن العشرين. كانت تلك المعاناة تأتي في موجات من العنف والظلم ضد الأقباط كأنهم الحيطة المائلة لكل حاكم ظالم ضعيف يبدي قسوته وتسلطه على الأقباط الأبرياء ليجتذب ولاء المسلمين المتطرفين.
بفيض الإسلاميين على الساحة المصرية، ووصولهم إلى كرسي الحكم بمصر، وتلاعبهم في دستور مصر، يواجه الأقباط اليوم بوادر موجة ظلم وتعنت. فمن أجل أن توطد التيارات الإسلامية أقدامها في أرض مصر وفي سياسة مصر وفي حكم مصر، ولكي يُمكِّن الإسلاميون قبضتهم على مفاصل مصر، ولأنهم يعلمون أنه لتحقيق ذلك لابد من بناء وتنمية قواعدٍ شعبية في الشارع المصري تساعدهم بظهورها معهم في التظاهرات وبأصواتها في الانتخابات، ولأنهم يعلمون أنه ليس أسهل من خداع البسطاء و"المدروَشين دينياً" و"المراهقون دينياً" بالاغراء والرشاوي والافتراءات والفتاوي المغرضة والضحك عليهم باسم الدين. عادت تلك التيارات الإسلامية أو المتأسلمة إلى توجيه حملاتهم على الكنيسة المصرية وقياداتها. فانطبق عليهم المثل المصري الشعبي "رجعت ريمة لعادتها القديمة"، أو المثل الآخر "طول عمرك يا زبيبة وانت في .....ــك دا العود"، أو المثل الأمثل "قالوا للغراب ليه بتسرق الصابون وهو لن ينفعك، قال الأذية طبع."
 
أنها وسيلة رخيصة اتبعها سابقاً المتسلقون على السلم السياسي والطامعون في السلطة بالتلاعب بلعبة الدين والتغني بنغمة الدين في أسماع البسطاء والمغرضين، على حساب الأقباط الأبرياء واتهام الكنيسة وقادتها الأشراف بالادعاءات الفاجرة الزائفة، بل والواضح زيفها كالشمس.. بلا حياء أو استحياء!!
أذكر من هؤلاء محمد سليم العوا الذي أقام الدنيا على الكنيسة وقادتها وبالذات على مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث بطريرك الأقباط حينئذ. اتهم العوا الكنيسة ضمن ما اتهمها به، بـ "إنشاء دولة داخل الدولة، بل امبراطورية داخل الدولة" قائلاً "يريدون أن تكون الكنيسة فوق المساءلة القانونية والدستورية وهذا وضع مختل، وضع يقلب الهرم، يجعل جزءا من الدولة أعلى من الدولة. إذا كان جزءٌ من الدولة أعلى من الدولة فالدولة تنهار. فالمطالبة بأن يكون البابا فوق المحاسبة والكنيسة فوق المحاسبة مطالبة بإخراج جزء من مصر خارج الرعاية المصرية والقانون المصري والسيادة المصرية وهذا أمر لا يقبله أحد."
أسأل القراء، أليس هذا الوصف بحذافيره وضع جماعة الأخوان المسلمين في مصر اليوم.. كما أنه كان حينئذِ؟؟  أليس من الواضح أنه بدلا من توجيه اتهاماته للجماعة ومرشدها، أخطأ الهدف (عمداً ومغرضاً مستعملاً مبدأ اتشطر على الحيطة المائلة) فوجهها للكنيسة وللبابا شنودة!!؟؟ 
 
كما اتهم العوا الكنيسة باستيراد الأسلحة الثقيلة من اسرائيل وتخزينها بالأديرة وتدريب شباب الأقباط بالأديرة والكنائس على استعمالها استعداداً لمحاربة المسلمين.  أسأل القراء مرة أخرى، أليس هذا الوصف بحذافيره وضع جماعة الأخوان المسلمين في مصر اليوم وقد كان حينئذٍ؟؟  أليس من الواضح أنه بدلا من توجيه اتهاماته للجماعة ومرشدها، أخطأ الهدف (عمداً ومغرضاً مستعملاً مبدأ اتشطر على الحيطة المائلة) فوجهها للكنيسة وللبابا شنودة!!؟؟
وأسأل القراء أيضاً، أليس موقف العوا وادعاءه أن الأقباط يجمعون السلاح استعداداً لمحاربة المسلمين أمراً مضحكاً ومؤسفاً معاً!!؟؟. فهو يلقي ثوب الأخوان بأعمالهم وأجنداتهم وتدبيراتهم وتدريباتهم وتخطيطاتطهم (بدقائقها) فوق رأس الأقباط الأبرياء، مدعياً أن الأقباط بتعدادهم الــ 4% (حسب قوله) سيحاربون الــ 96% مسلمي مصر الأغلبية، ناهيك عن ملايين المسلمين بالشرق وبالغرب الذين سيهُبُّوا أفواجاً بلا شك لمناصرة أخوتهم مسلمي مصر أمام الأقباط الأشرار!!  أليس ذلك الافتراء غباءاً مضحكاً؟؟  أليس مضحكاً أيضاً أن الأقباط وهم يملكون ذاك الكم من الأسلحة، أو حتى القليل من الأسلحة، لم يدافعوا عن التهجمات والمذابح التي لاقوها في أحداث الكشح ونجع حمادي و كنيسة القديسين واطفيح والقوصية والفيوم ودهشور وماسبيرو مثلا!!  الأمر جَدٌ مضحكٌ مؤسف!!
 
كما وجد العوا حينئذ، بالإضافة إلى ما سبق، في  موضوع "الأخت" كاميليا و"الأخت" وفاء " كما لقبَّهم المتأسلمون، ما يكمل غايته.  فلم يتورع أن يتخذه وسيلة لإثارة التيارات الإسلامية أكثر وأكثر. كانت تلك الوسيلة فوطة أو ملاية حمراء قرمزية في يده يلوح بها ليهيج ثيران الغوغاء ضد الكنيسة والبابا لغرض في نفس يعقوب اللئيم كما اتضح بعد ذلك. أثار السيد العوا المتأسلمين على الكنيسة والبابا لدرجة الهياج والتظاهرات والتحديات والتهديدات الشرسة والهجومات الغوغائية على الكاتدرائية والإهانات البذيئة لقادتها.
 
العجيب الغريب أن العوا أعلن تلك الاتهامات والافتراءات علنا وجهاراً على صفحات الصحف والمواقع الاكترونية والقنوات التلفزيونية والفضائيات بلا خشيةٍ من عَـدل ربِّه، ولا احترامٍ لسماحة دينه، ولا حياءٍ من مجتمعه.  وعندما رشح نفسه لمنصب رئاسة الجمهورية، وطمعاً في اكتساب أصوات الأقباط، أنكر بكل بجاحة اتهاماته وافتراءاته وأكاذيبه علنا وجهاراً بلا حياءٍعلى صفحات الصحف والمواقع الاكترونية والقنوات التلفزيونية والفضائيات، بل ادَّعى أن قداسة البابا شنودة كان صديقه!!!. لم يغفل شعب مصر الواعي عن ألاعيب المتلاعب، فحكم على العوا أنه كان كاذباً عندما ادَّعى وكاذباً عندما أنكر. وأنه غير أهل لثقته، وغير مستحق أن يمنحوه شرف أصواته ليكون رئيساً لمصر. سقط قناعه الوصولي، فسقط، وسقطت أطماعه، سقوطاً ذريعاً. خلاصة القول أن العوا أقام الدنيا على الكنيسة بافتراءاته، ولم يقعدها، بل أقعدته أعماله ومؤامراته وخططه الشريرة على مؤخرته.
******
 
اليوم، التاريخ يعيد نفسه مرة أخرى. فقد قام عدد من القوى الإسلامية بمهاجمة  قداسة البابا تواضروس الثانى، بابا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، بعد تصريحاته التى وجه فيها انتقادات لتحيز الشريعة الإسلامية لطائفة دون الطوائف الأخرى، واتهامه للقيادة السياسية بالتعامل مع الأقباط كأقلية، وأن الدستور «تمييزى».  طالب هؤلاء الإسلاميين البابا بالبعد عن السياسة.
 
-- قال الحسينى لزومى، أمين شباب حزب الحرية والعدالة بأسيوط: إن الأمر لم يتغير كثيراً داخل الكنيسة برحيل البابا شنودة، ومجىء البابا تواضروس، الذى ما زال يؤكد للجميع أن الكنيسة ما زالت تصر على أن تلعب دوراً سياسياً نيابة عن أقباط مصر رغم حرية تكوين الأحزاب بعد الثورة، أما مثل هذه التصريحات فإنها «تضعنا أمام تعميق لفكرة الطائفية».
 
-- ووصف إيهاب شيحة، رئيس حزب «الأصالة» السلفى، تصريحات «تواضروس» بـ«الطائفية» وقال: «الدستور وافقت عليه التيارات الإسلامية رغم أنه لم يعبر عن مطالبها، ومن ثم فإن البابا أراد من هذه التصريحات إشعال نيران الفتنة الطائفية».
-- وطالب خالد الشريف، المستشار الإعلامى لحزب البناء والتنمية، التابع للجماعة الإسلامية، الكنيسة بالابتعاد عن الصراع السياسى، وشدد على أن الدستور أطلق، لأول مرة فى تاريخ الدساتير، حرية رجوع المسيحيين لشرائعهم.
--واستنكر الدكتور عبدالآخر حماد، مفتى الجماعة الإسلامية، تصريحات «تواضروس»، وقال: «كثير من الأقباط يثيرون الفتن ويعتدون على الشرعية، وعلى ديننا ونبينا «صلى الله وعليه وسلم»، وطالب البابا بالتبرؤ من هذه التصريحات أو الاعتذار عنها مراعاة لمشاعر الأغلبية المسلمة واحتراماً لاختيار الشعب.
*******
 
أقول لهؤلاء: قفوا عند حدودكم يا سادة، والتزموا الشرف والنزاهة والعدل. فلن يفيدكم منهج المراوغة والزيف والمكر والكر والفر. أوقفوا تلك الحروب الرخيصة وضعوا جانباً ذاك السلاح القذر يا سماسرة الديـن: فأنتم تكيـلون بكيليـن!!!
لقد سَيَّسـتم الإسلام الحنيف!!  خلعتم عنه ثوب الدين وجعلتموه سياسة بحتة، سياسة بكل المقاييس وبكل المعايير. بل سياسة بدائية سطحية جاهلة وصولية رخيصة.
 
* وضعتم الإسلام سياسة في الثورة المسروقة المغتصبة من يد شباب مصر الأحرار.
* وضعتم الإسلام سياسة في التصويت المبدأي للدستور بقول "نعم" للجنة و"لا" للنار، وأن الديموقراطية "كفر" وأن المدنية "ضد الدين..ضد الإسلام".
* وضعتم الإسلام سياسة في انتخابات البرلمان.وجعلتموه مركبة أو مطية للوصول إلى كراسي النواب.
* وضعتم الإسلام سياسة في اختيار أعضاء اللجنة التأسيسية لوضع دستور مصر، فحشرتم بها متطرفين لا يدرون الفرق بين وضع دستور وطن وكتابة خطبة تقرأ في مسجد.
 
* وضعتم الإسلام سياسة في الدستور فجاء ببنوده ما لذ وطاب لطائفة، وبقيوده ما شئتم لمن يتبع غير الإسلام ديناً، بل لمن يتبع طوائف من نفس الدين.
* وضعتم الإسلام سياسة في الحكومة وفي القضاء وفي التعليم وفي الشارع وفي الطبيخ والأكل والشرب والنوم، وحتى في الجنس.
* وضعتم الإسلام سياسة تُمْضَغ كاللبان في أفواه مدَّعي الدين في خطب الجوامع وفي أفواه دعاة الفضائيات المأجورين.
* نزعتم عن الإسلام صفة الدين حيث لم يعد في كلامكم ولا في صلاتكم ولا في خطبكم ولا في اجتماعاتكم ولا في دعائكم ودعاواكم ولا في مدارسكم مكاناً للروحانيات أو الأخلاقيات إو الإنسانية كالرحمة والعدالة والتآخي والشفقة والتعاطف والإحسان والمحبة والمودة وحسن المعاملة والتعامل، ولا حتى عملتم حساباً ليوم الحساب حين تلقون وجه الله، إن سمح الله لكم بلقائه!!  فقـدان تلك المحاسن الإنسانية من أفعالكم وتصرفاتكم ليس افتراءً بل ثوابت على أرض الواقع حتى بينكم، أنتـم، أبناء الدين الواحد.
*وضعتم الإسلام "سياسة" حتى في محض إصدار بيانكم المذكور أعلاه المهاجم للكنيسة وقائدها البابا تاوضروس ومطالبته والكنيسة بالبعد عن الـ "سياسة"!!!!!!
*******
 
تبــاً لـكم.. مكيلــون بالكيليــن.
تطالبون قداسة البابا والكنيسة بالبعد عن السياسة وأنتم متَّخذين الإسلام مركباً يسبح في بحر السياسة.  تلومون قداسة البابا على مطالبته بحقوقه المسلوبة، وأنتم تنعمون وتمرحون بحقوقكم.  أهذا عَـدل الدين؟؟  ام أن "الكعكة في إيد اليتيم عجبة"!!؟؟
من جهتنا نحن الأقباط... نحن نربأ بأبينا المعظم البابا تاوضروس إن يَدخُل أو يُدخِل الكنيسة في السياسة وقذاراتها.  وكلنا ثقة أن قداسته أحكم وأعقل من أن يُدخل نفسه أو الكنيسة في السياسة.
 
والحقيقة يا قوم: أن قداسته لم يدخل في السياسة.  وأنتم تعرفون جيداً الفرق بين السياسة والدفاع عن الحق والكرامة والعدالة. فهو يدافع عن حقه وحق أبنائه ورعاياه أبناء الوطن في الحياة الحرة والتعايش الكريم في وطنهم ووطن أجدادهم، متساويين مع أخوتهم المسلمين أبناء الوطن.
الدفاع عن الحق والعدالة والكرامة والعيش ليس سياسة!!!. اتهامكم الماكر لقداسة البابا بأنه تداخل في السياسة سلاح قذر يستعمله "عند اللزوم" أخوة النفاق والتلفيق ومحترفو الكر والفر والمراوغة، تجار الدين وسماسرته لأهداف سياسية مُغرِضة  طائفية رخيصة.  إنها وسيلة دنيئة لا تجلب إلا الشقاق بين أبناء الوطن. والعجيب أنها لن تسيء إلا لمن يستعملها، ولا تشوه إلا الإسلام الحنيف، وأنتم في غمرة الطمع الشخصي في السلطة والاستئثار بها ما عُدتم تبصرون أو تدركون!!! هذا سلاح سقطَ من استعمله قبلكم.. ولو استعملتموه فمآلكم لسقوط.
***
 
سينظم الأقباط، أبناء مصر جهودهم وصفوفهم، وسيوحدوا جبهاتهم، وسيمارسوا السياسة رغم محاولات الماكرين. ولن نكف عن المطالبة بحقوقنا الإنسانية التى وهبها الله للبشر في كل الدول العادلة. ولن نكف عن المطالبة بحق مصر في حياة ديموقراطية إنسانية نزيهة كريمة تحت دستور مدني إسوة بكل وطن راقي حر كريم. وسنقف مع كل من يقف معنا ومع مصر.
لن يدخِـل البابا المكرم في السياسة، ولكنه سيقف معنا.. يبارك جهودنا ويدافع معنا عن حقنا في الحياة الكريمة فليس ذلك سياسة،.بل ذلك حقه الشخصي كمواطن مصري، ومسئوليته كراعٍ لرعاياه.  فليضيء الرب طريقه وليبارك الرب خطاه.

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter