الأقباط متحدون - دفــعــوا للمرحــوم مبلغا وقدره 10,000 جنيها مصريا(قصة طريفة )
أخر تحديث ٠٠:٢٢ | الاثنين ١٨ فبراير ٢٠١٣ | ١١ أمشير ١٧٢٩ ش | العدد ٣٠٤١ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

دفــعــوا للمرحــوم مبلغا وقدره 10,000 جنيها مصريا(قصة طريفة )


بقلم:  فايز البهجـورى 

كان الحاج مرسى رجلاً غريب التصرفات . كما عرف عنه حبه الشديد للمال ، وبخله فى انفاقه على نفسه وعلى من حوله ، رغم أنه كان ميسور الحال ، يحصل على دخل كبير من ممتلكاته العديدة . وكان للحاج مرسي أربعة أولاد هم بكرى ورمضان وشعبان وجابر .ولم يكن له بنات . ولم يستكمل تعليمه الجامعى منهم إلا ابنه الأصغر جابر . 

أما الثلاثة الآخرون فقد انصرف كل منهم عن مواصلة التعليم إلى ممارسة نشاطه فى الزراعة والأعمال الحرة. وتزوجوا جميعاً فى فترات مبكرة من حياتهم . وبدأوا يهتمون برعاية أسرهم وأبنائهم . وبين وقت وآخر كان الأبناء يصطحبون معهم زوجاتهم وأولادهم ويقضون يوماً فى بيت العائلة مع والديهم . 

وعندما بلغ الحاج مرسى سن الستين من عمره توفيت زوجته الحاجه عطيات ، وأصبح عليه أن يواجه حياته بعدها بمفرده . فى البداية كان أبناؤه يترددون عليه فى أوقات متقاربة . وبين وقت وآخر كانت زوجة أحدهم تعد له طعاما وتغسل له ملابسه . ولكن هذا الحال لم يستمر طويلاً ، حيث تباعدت الزيارات وفترت الاهتمامات . وبدأ الحاج مرسي يواجه الحياة وحيداً لولا بعض الوقت يمضيه على المقهى المجاور لبيته يلعب \"الطاوله \" مع بعض اصدقائه القدامى . 
ومع الوقت بدأ الحاج مرسي يشعر بقسوة الوحدة . وفكر فى الخروج من هذا الوضع بالزواج . وحينما عرض الأمر على أولاده عارضوه بشدة . ولكنه صمم على رأيه . وبعد أن مرت على وفاة الحاجة عطيات ثلاثة أشهر تزوج مرسى من صفيه ، وهى أرملة تبلغ من العمر أربعين عاماً ، توفى زوجها منذ عام فى حادث سيارة ، وكانت تربطه به صداقه ، ولم يكن لها منه أبناء. 

لم يجد أبناء الحاج مرسى بداً من تقبل الأمر الواقع على مضض ، فليس هناك حلً أخر بديل يعيد الوضع إلى ما كان عليه . ولكن لا أحد منهم كان يتعاطف مع صفيه . فهم جميعا كانوا يعتقدون أنها سرقت منهم أباهم حتى الابن المتعلم جابر لم يفهم بالضبط مشاعر الأب فى هذه المرحلة من العمر، وفى هذه الفترة الصعبة فى حياته، برغم أنه كان أقلهم معارضة لزواجه ، وأقلهم جفاءاً وتحاملاً على صفيه .

وقبل مرور عام على الزواج كانت صفيه قد أنجبت بنتاً اختار لها الحاج مرسى اسم \" أمنيـه \" , لأنها كانت بالنسبة له تحقيقاً لأمنية قديمة كان يتمناها وهى أن تكون له \"ابنة\" تملأ حياته بهجة وسعادة . وكان ميلاد أمنيـه قد تم بعملية قيصرية نجت منها الأم من موت محقق . ولهذا نصحها الأطباء ألا تفكر فى الانجاب مرة أخرى ، إبقاء على حياتها . وهكذا فعلت . ومضت سبع سنوات على زواج الحاج مرسي من صفيه ، بين جفاء الأبناء الظاهر والخفى لهما ، وبين ابتسامة الطفلة الصغيرة أمنية ، وبين الزوجة التى حاولت أن تعوضه عن جفوة زوجات الأبناء له وحنقهن عليها .
ولم يستمر الوضع طويلاً على هذا الحال . فقد أصيب الحاج مرسي بمرض جعله لا يفارق الفراش . وأصبح واضحاً أن حالته الصحية تسوء يوماً بعد يوم .

وفى أحد الأيام طلب مرسى استدعاء أبنائه الأربعة ، كما طلب أيضاً استدعاء صديقه المحامى ادريس ، لأنه كان يريد أن يتحدث اليهم مجتمعين . وفى مساء اليوم التالى اجتمع الجميع فى منزل الحاج مرسي . وتحدث اليهم قائلاً : إن الأعمار بيد الله . والروح أمانة أودعها الله فى الانسان . ولا يعلم الانسان متى يسترد صاحب الأمانة أمانته . وأنا لى طلب عندكم . أريد أن تبرهنوا لى ، بطريقة عملية ، على حبكم لى حياً أو ميتاً . عدونى أن يضع كل منكم ، معى فى القبر ، مبلغاً من المال .
قال الأب هذا الكلام وسكت لحظة ليقرأ فى عيونهم وقع كلامه عليهم . وشاهد علامات الدهشة على وجوههم . ومرت لحظة صمت قطعها ابنه الأكبر بكرى مستفهماً : أى مبلغ ؟ قال الأب : أى مبلغ . بقدر محبته لى . ولكن بشرط أن لا يقل عن 1000 جنية . وقال رمضان على مضض : لك علينا حق الطاعة ، مع تمنياتنا لك بعمر طويل .
والتفت الحاج مرسي إلى صديقه المحامى وقال له: سأكتب وصيتى مساء اليوم . وسأسلمها لك غدا . وأوصيك أمام الجميع أن لا تفتحها إلا بعد يوم الأربعين من رحيلى عن هذه الدنيا . وقال له المحامى مازحاً : ومن أدراك أنى لن أرحل قبلك ! وعلق عليه مرسى ضاحكا : أجل رحيلك ليكون بعد رحيلى . وفى نهاية السهرة إنصرف الجميع ، ومضى كل واحد منهم إلي حال سبيله . وفى اليوم التالى حضر اليه المحامى وأخذ منه الوصية وانصرف .

*** لم يكد يمضى على هذه الجلسة شهر واحد حتى كان الحاج مرسي قد وافته منيته ،وعادت روحه الى باريها .
وقام أبناؤه بدفنه فى احدى مقابرالقرية . *** وفى اليوم السابع توجه بكرى إلى قبر أبيه وفتحه . ووضع بجانب الصندوق الذى يحتوى على جثمان أبيه حزمة بها أراق مالية قيمتها 1000 جنيه مصرى . وكتب معها ورقة قال فيها \" كما طلبت يا أبى . ابنك المطيع \". ثم وقّع باسمه .

*** وبعد مضى أسبوعين ذهب الى القبر ابنه الثانى رمضان. وفتح القبر. ووجد النقود التى تركها أخاه الأكبر . وقـرأ الورقة التى كتبها . وأراد أن يبرهن لنفسه على أن حبه لأبيه أكبر من حب أخيه له . فأخرج من جيبه مبلغ 1500 (ألف وخمسمائة) جنية وكتب ورقة أخرى قال فيها: \" لأنى أحبـك أكثـر . ابنك المطيع \". ثم وقّع باسمه . و ترك النقود والورقة الى جانب ما تركه أخاه وخرج وعاد الى بيته. وفى الأسبوع الثالث حضرشعبان وفتح القبر ، ووجد النقود التى تركها أخواه ، وقرأ الأوراق التى كتباها ، وكان يخشى أن يكون والده قد ربط فى وصيته بين كمية النقود التى سيضعها كل ابن فى قبره، وبين نصيبه من الميراث . فأراد أن يبرهن على أنه أكثر حباً لأبيه من اخوته . فأخرج من جيبه لفـافتيـن فى كل منهما 1000ألف جنيه ، وتركهما بجوار الصندوق . وكتب معهما ورقة قال فيها \" لكى تتأكد يا أبى أنى أحبك أكثر.\" ثم وقّـع على الورقة باسمه . وخرج عائدا الى بيته .

*** وكان جابر ، الابن الرابع ، أكثر الأبناء ذكاءاً . وفى اليوم السابق على ذكرى الأربعين توجه إلى قبر أبيه وفتحه . ووجد النقود التى تركها إخوته الثلاثة بجوار صندوق جثمان والده . وقرأ الكلمات التى كتبوها على أوراقهم . جمع جابرهذه النقود ووضعها فى حقيبة صغيرة كانت معه . ثم أخرج من جيبه دفتر الشيكات الخاص به. وإنتزع واحداً منها وكتب عليه هذه الكلمات : \"ادفعوا ليد الحاج مرسي سليم عبد الهادى مبلغاً وقدره 4500 (أربعة آلاف وخمسمائة جنيه مصرى )لاغير. ثم وقّع باسمه على الشيك ، جابر مرسي سليم عبد الهادى . وكتب تاريخ اليوم . ثم انتزع شيكاً آخر وكتبه أيضاً باسم والده وبمبلغ 5500 خمسة آلاف وخمسمائة جنيه مصرى أخرى ووقّع عليه .وكتب تاريخ اليوم أيضا. ثم كتب ورقة أخرى أرفقها بالشيكين قال فيها: \" لقد نفذ إخوتى وصيتك من غير تفكير . وها أنذا أيضاً أنفذها بطريقتى الخاصة. لم أخالف تعليماتك . ودفعت لك أكثر مما دفعه لك اخوتى الثلاثة مجتمعين . ولكنى فى نفس الوقت لم أقم بالغاء عقلى . فكتبت لك شيكاً بما دفعته لك . وشيكأ أخر بما أخذته منك كقرض . وها هما الشيكان معك تستطيع أن تصرفهما فى أى وقت تشاء . ابنك المحب المثقف.\" ثم وقّع باسمه على الرسالة وتركها مع الشيكين ومضى .

*** فى نفس الوقت كانت تراود المحامى ادريس ، صديق المرحوم الحاج مرسى ، فكرة . لماذا لا يذهب هو إلى قبر صديقه ، ويفتحه ويستولى على الأموال التى تركها له أولاده ، لأن صديقه لن يكون فى حاجة إليها فى وضعه الحالى! . ولكنه أجل تنفيذ هذه الفكرة إلى أن تنتهى فترة الأربعين يوما ويفتح الوصية ، ويتم العمل بما جاء فيها . وكان كل من الأبناء الأربعة يعد الأيام والساعات حتى يحين موعد فتح الوصية، ليعرف كل منهم نصيبه من الميراث ، بعد أن نفذ تعليمات والده الأخيرة لهم . وفى صباح يوم الأربعين ، اجتمع الأبناء فى منزل والدهم . و قام المحامى ادريس بفتح الوصية ، وكانت صادمة للجميع . لقد كتب الحاج مرسى كل ثروته لزوجته الثانية \"صفيه \", وابنته الطفلة الصغيرة \"أمنيه\" . وقال الرجل موجهاً كلامه لأبنائه : لقد عشت فى بداية حياتى أياماً قاسية من أجل تربيتكم . وأنفقت كل ما أملك ، فى أيام فقرى ، حتى أجعل منكم رجالاً . وحينما احتجت اليكم ، بعد أن استقر الحال بكم ، كانت زوجاتكم قد استولت عليكم ، ونسيتم دور الأب فى حياتكم . وحينما بحثت عن سعادتى ووجدتها فى صفيه ، اعترضتم جميعاً على ذلك . وكأن سعادتى وراحتى أصبحت أمرا لم يعد يهمكم. ولذلك قررت ما قررته .\" وعم الوجوم الجميع . وفى المساء توجه ادريس المحامى إلى قبرمرسى وفتحه على أمل أن يستولى على الأموال التى علم أن الأبناء قد أودعوها فيه . ولكنه لم يجد غير الأوراق التى كتبها الأبناء ، والشيكين اللذين كتبهما جابر. فكتم غيظه ومزق الأوراق والشيكين وخرج . ولم يستطع أن يتكلم حتى لا يتهمه الأبناء بأنه فتح قبر أباهم بغير حق ، وأراد أن يستولى على ما فيه . وبعد ثلاثة أيام من فتح الوصية توجه جابر إلى قبر أبيه وفتحه ليتابع ما يمكن أن يكون قد استجد . وجد الشيكين ممزقين . وكذلك الأوراق الأخرى التى كتبها هو وإخوته . فقال فى نفسه : لقد صدق ظنى . ولو لم أكن قد فعلتها لفعلها غيرى بطريقة أو بأخرى .

*** لم يكتف جابر بذلك بل توجه إلى صفيه زوجة أبيه وقص عليها القصة ، وطلب منها أن لا تحكيها لأحد . وقدم لها النقود التى جمعها من قبر أبيه . وأضاف اليها 4500 (أربعة آلاف وخمسمائة) جنيها أخرى من عنده ، وقال لها : خذى هذه النقود . إن أختى الصغيرة فى حاجة إليها أكثر من حاجة أبى اليها الذى يرقد ساكناً فى قبره . وأكثر من حاجة إخوتى الكبار الذين شقوا طريقهم فى الحياة . خذيها لتـنـفـقى منها على تعليم أختى الطفلة الصغيرة \"أمنيه\" حتى تكبر ، وتشرف اسم أبيها الذى حرمت من حبه وحنانه ورعايته . ثم قبـل أخته الصغيرة وانصرف. 

 


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع