الأقباط متحدون - بائع البطاطا
أخر تحديث ١٦:٠٧ | السبت ١٦ فبراير ٢٠١٣ | ٩ أمشير ١٧٢٩ ش | العدد ٣٠٣٩ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

بائع البطاطا

بقلم: ماجدة سيدهم 
اهــــداء
"إلى ابني شقيق التهالك ..
صديق الموت وتوأم الحياة..بائع البطاطا ."
**********
*وفي عين قلبي سكنت رصاصة ووضعت نقطة حادة في مبتدأ السطر، هكذا انتهت الصفحة بينما أحرف الحنطة ما زالت تغازل عراجين الضوء ،لم تتعلم بعد هجاء الراحة ولم يعلمها أحد لغة اكتشاف الارتفاع ، في هذا المساء المليء بصقيع المحاولات المضنية للانعتاق حيث السُرج التي تفضي الى البصيرة جميعها مطفأة وأنا أتعثر في مشاويري النحيلة ،أحمل قميصي فوق حلم بارد ،أنا وقميصي يتيمان ،نشبه ضفيرة الاتساخ والتعب معا ، لقميصي لون التشرد غير المثير للانتباه أو النعاس -وفي جيبي أحمل كل الألوان البرية وما أمسكت منها غير الثقب اللعين.
 
في هذا المساء الكثيف تعبت لكثرة التعب ،مددت يدي ليس لقروش تزدريني لكن لأن تمنحني عيناك بعضا من اتكاء،أجر كل مساء نعشا يكفي لقامة بلا كرامة وحبات ملتهبة لبطاطا على سفح التطلع تتضور زيغانا- تترقب أمنيات صغيرة .. صغيرة جدا ،رغيف ..طائر ..هارومنيكا ..أصداف.. قلم ..مثلث ..وجـِرار عناق كي تهدئ عظامي المثخنة بالسؤال والحـَزن ، لكنها تخور مني سخونة المرض وتسكب في أحداقي هطولا فارغا ،هناك يتراكم انتظار أمي لعشاء بائس يحمي الشقيقات من ثعلب التشرد أو هكذا أظن ، وهكذا يسقط الأسى فوق الأسى .
 
قلت أصعد بأظافري درج المحاولة ،فرحت على غبار السيارات أنحت ممرا يتسع لضحكة وحرفا يكتب رائحة تشبهني " بائع البطاطا " الآن يداهمني بائس مثلي فيمحو الشكل والمحاولة وأنا لازلت لم أدرس من جغرافيا الصحراء غير أني غيمة باهتة لا تنزف حركة أو حسا أو فراغا ملموسا ، في المناطق الهزيلة يقطن المتهالكون حيث تسقط الحماقة رصاصات لا ترى، وعلى متن القمامة رقدت أنا كبقية ، صوت عواء البطاطا يركض في مقتل نبضي الساطع ، وما بين نباح واغتيال وجدوا أشيائي المتخثرة في سؤالها " لماذا ..؟"
 
قلت ليس بناطلي وليست لحظتي ولا يماثل هذا النحيب صوت وقع الأغنية ، فأنا أمشط الخشونة حافيا ،منكفئا بمهارة الارتطام -وخارجا جرتني حبات البطاطا وطرحتني إلى نعش بلون الشظايا الصارخة وهارومنيكا لا تكف عن عزف أرجوانية الخلاص ،بينما شركاء الالتباس يضاعفون من عناء اختزال الصبية وبناء منحدرات تهوي إلى مخاوف بالغة الشحوب -ثم يجنون في كل حصاد متأرجح فشلا إضافيا -هكذا يطعمون الشوارع أفسنتينا ووضوءا مراوغا ، الكلاب ترغي وإلى قيئها تعود ،التعساء لا يفعلون ذلك والفرسان حتى مطلع الحرية يصمدون ، فدمائي تحررت من جسد الموت الممكن وصار بإمكاني الآن امتطي صهوة المستحيل كي أعيد لوجه الوطن ابتساماته الحلوة واشراقاته المغتصبة وأيضا الكتابة من أول السطر ..
 
فقط كان حلمي أن أضحك .. بائع البطاطا ودرب لم ينتهي بعد ..

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter